Wednesday 8th September,200411668العددالاربعاء 23 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

أقلامٌ تنقلُ الريح..! أقلامٌ تنقلُ الريح..!
إبراهيم التركي

(1)
* في العودة إلى القلم.. عودةٌ إلى الألم.. ويكتشف (بعضُنا) أن علاقته بالكتابة هامشٌ أحالته الظروفُ إلى بؤرةٍ.. فأصبح في الدائرة وهو خارج قُطرها ومحيطها ونسبتها التقريبية..!
* ليست الحكاية إمكاناتٍ أسلوبيّةً.. أو وعياً قِرائياً.. أو مدركاتٍ ذاتية وجمعيّة.. بل هو استفهامٌ يحمله التوقف حين تنطلقُ أحاسيس عدم الجدوى..
* فلمن تكتب..؟ ولماذا..؟ وإلى متى..؟ وما الذي أفرزته تجارب تخيلتَ فيها -ادعاءً- أنك صاحبُ موقفٍ.. تبحثُ بحريّة.. وتُحلِّل بوطنيّة.. فلم تدخل مزادات علنية أو سريّة.. ولم تعزفْ على احتياجاتك الأنويّة..؟
* ويرتدّ الوعيُ حسيراً.. فإنما هو الهم المؤرّق لحركة (الصدق) التي تفقد -كل يوم- أحدَ الفاعلين.. حيثُ تشرقُ الشمس على مأساة.. ويُبزغُ القمر على ملهاة.. ويمضي الناس كعادتهم غير عابئين بجراح الصّباح.. وعاتي الرياح.. ثم يغيب المساءُ في تيه العقل.. وحمى الجسد..!
(2)
* (لا يزال الليل يشتدّ.. وأشتد.. ولا يبدو على الأفق دليل.. ربما كلّت من الخيبة عيني وأضافت ظلمات..)..!
* في شقته البسيطة بمساكن (دُمّر).. أو على طاولة خشبية متواضعة بمقهى (الروضة).. يتأملُ ويتألم (أبو عادل.. مظفّر النواب) الذي مثل نموذجاً فريداً لصخب القول.. وهدوء الفعل.. فهذا (الكبير) الذي لم يبق في جيلنا من لم يحفظ (وترياته).. أو منها.. يعيش.. ويعشى.. فبين طغيان الاستبداد، وعمالة المعارضة، وطمع الأعداء، وقمع المقاومة يضيع أمامه (الوطن)...!
* عروبيٌّ.. ولد في قصرٍ منيف على ضفاف دجلة، وانتقل من السجن إلى السجن.. ومن المنفى إلى المنفى ليحلم (بالعودة):
قابض راحي على جمرة كأسي
بهدوءٍ ورضا (...............)
لم أزل أرجع للكُتّاب
والختمةِ والقرآن طفلاً
دائماً ألقاك في شارعنا الفرعي
تؤويني من الصيف العراقيِ
بثوبك..
وتتلو صبر أيوبٍ على وجهي
ولكني مهووس غراماً
ببيوت أذن الله بأن يذكر فيها...
(3)
* لن نلوم مَنْ تكسرت نِصالُه على عبثيّة أجيالٍ تئِدُ غدها بيوم فُتاتها.. وتتصدرُ فيها ثقافة الشكل.. لا يفترق في هذا من يُكمِّم العقل ومن يُعرِّي الجسد..!
* لم يعد (المثقف) ذا حضورٍ مختلف.. فالمقال كما المقام فضاءٌ مفتوح لتجّار يزجون بضائعَ رخيصةً تستغلّ تياراً يسود، أو توجيهات تقود.. وتتحرك كلماتُها بأجهزة تحكّم.. دون أن تعي عيبَها.. أو تدرك عِيَّها..!
* أقلامٌ تنقل الرّيح فيقذفُها الغبار إلى عيوننا.. وحين نقفلُها يخترقون آذاننا إلى أذهاننا.. ونصدّق.. ونصفِّق..
كلّ قومٍ خالقو (نيرونهِم)
قيصرٌ قيل له أو قيل كسرى..!
(4)
* زاره صاحبكم في (عزلتِه) التي امتدتْ سنوات.. لم نبحثْ عنه.. ولم يأبه (بجهلنا).. وواصل عطاءَه مُقِلاً رقماً.. متميزاً طعماً.. على طريقة (خليل فرحات):
ما عاب أهليه أن العد قلّلهم
فالقادرون -وإن قلُّوا- فهم كُثر
* (محمد الماغوط) في شقّته الصغيرة يلمُّ مكتبته لترحل قبله إلى (السلميّة).. وفي شرفتها موعدٌ ليلي مع (الحِبْر الأسود).. يحكي صراع (الموقف) مع (الواقع) .. فمنْ يقهرْ الزمن..؟:


كيف يرتدُّ عن سداهُ مرادهُ
وعلى ملعب الخلودِ طرادُه
فارس نازل الليالي فعزّتْ
بالتلاقي جيادُها وجيادُه
ما درت في الزحام أيهما
أغزرُ فيضاً عنادها أم عنادُه

* لم يُجب (أبو ريشة) فأحاسيس عدم الجدوى تقتل السؤال حتى لا يبقى مكانٌ له.. أو مكانةٌ للمسؤولِ عنه..!
(5)
* في (بسكنتا الشخروب) قريباً من قمة (صنّين).. وفي ضَيْعة (بشرِّي) عند أقدام غابة (الأرْز).. ملامحُ من ملحمة الإبداع العربي حيث مدفنا (ميخائيل نعيمة) و(جبران خليل جبران).. لم يستطعْ العملاقان اجتذاب معظم سُيّاح العيون التائهة.. والرغائب المنفلتة..!
* وإذا كان هذا شأن هذين.. فكيف بسواهما مِمّنْ لم يصلا إلى قامتيْهما فقد جمعا روحية الشرق.. ومعرفة الغرب.. وأوقدا مشاعل التنوير في زمن متقدم من القرن العشرين..
* هل نعرفهما؟.. هل نعرف بهما..؟ أم يبقيان شواهد رافدةً لعدم الجدوى..؟
(6)
* تداعيات لاهثة.. مع نماذج غير عابرةٍ لما يمكن أن يُحسّ به (القلم) وسط أزمةِ (القيم).. حيث ينمو الجفاء، ويتضاءل التقدير..
* لم تعد الكتابةُ مبعث حبور.. ولم يعد الكاتب الملتزم ذا حضور.. ليبقى الغد المختلف الدافع الأوحد لتجاوزِ الشعور بالانطفاءِ..!
* ولعل هذه القراءة الأولى للإجازة الطويلة المحبطة بمحاكمة الحال، تنقلنا إلى قراءة أخرى لما أفرزتْه الإجازةُ ذاتُها من إضافاتٍ تأذن للحلم أن يستيقظ على الكبار الذين لم يقتلْهم عقوق الصغار.. ليقينهم يوماً أن (الغد) هو الذي سينصف (اليوم)، وأن الجيل القادم لن يتأثّر بدعاوى دون بينات.. أو مظاهر بلا مرتكزات.. وهو ما يُعزِّي الكلمة ويعزِّزُ مكانتها..!
(7)
* سواءٌ على من اختلف مع هذه الأربعاوية، أو من ائتلف.. فإن كلمة صادقة واحدة تهزمُ آلاف الكلماتِ المزّيفة.. وقد رووا عن نابليون قوله: ليست مشكلتي في شراء (شاتوبريان) بل في دفع المبلغ الذي يساويه..!
* و(شاتوبريان 1768 - 1848م) -لمن جهله- هو المؤسس الحقيقي للمدرسة الرومانسية الفرنسية.. وهو من آمن بفكرة البطل الذي يعيش وحيداً ويموت وحيداً -كما في نماذجنا السابقة-..!
* سجل مواقفه من الثورة الفرنسية، وغزو الجزائر بكل جرأة، وعاش في وطنه وزيراً تارة وطريداً تارات.. فهاجسه الأوحد هو الحرية، وقد أغضب نابليون وخصوم نابليون.. لكنهم أدركوا قيمته.. فهل فعلنا مثلهم مع مثله..؟
*المفكر لا يُعادل بثمن..!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved