الانفلات الإجرامي الإسرائيلي

جريمة إسرائيل في غزة تأتي في سياق الاعتداءات المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني، إلا ان العملية الممعنة في الشراسة استهدفت -تحديدا- ابعادا سياسية فلسطينية تنحو نحو وحدة الصف، فضلا عن اجهاض تحركات باتجاه التسوية خصوصا فيما يتصل بالدور المصري، الذي تزامن تحرك اساسي فيه مع هذا العدوان الجديد ليعيد الى الأذهان ذات (السيناريو) قبل عدة شهور مع تحرك مصري مماثل.
وامس بدت إسرائيل كالذي اخذته العزة بالاثم بعد قتلها 14 فلسطينيا، مرسلة بتهديد مزدوج الى حماس وسوريا، وقالت انها ستلاحق قادة حماس حتى في دمشق.. وهذا ثاني تهديد من نوعه لسوريا خلال اقل من اسبوع، وكان الاول عقب عملية بئر السبع الفدائية المزدوجة التي اذهلت دقتها العسكريين الاسرائيليين، وقد حملت حكومة شارون في البداية سوريا بأنها وراء تلك العملية، لكن الإسرائيليين اعترفوا فيما بعد بأنه ليس لديهم دليل يشير إلى تورط مباشر لسوريا وفضلوا لعب ورقة الضغوط الدبلوماسية على دمشق.
ومن الواضح ان اسرائيل تشعر بأنها في حل من أي مسؤولية وهي توجه اتهاماتها في كل صوب بذات الطريقة التي توجه فيها صواريخها لقتل الفلسطينيين اينما كانوا، ففي حال القتل والمذابح الجماعية لا تشعر اسرائيل بأي مسؤولية عن ازهاق هذه الارواح صباح مساء في غزة والضفة.
وتستمرئ إسرائيل هذه الاستعراضات الدموية، وهي تطرب حقيقة لها، لكنها سرعان ما تجد نفسها في غمرة هذا الزهو بالقوة والتفوق، انها يمكن ايضا ان تتلقى ضربات موجعة. ويومها فإنها تشعر بالمرارة والكثير من المهانة لان هؤلاء الفتية الفلسطينيين لا يكفون عن حرمانها من الاستمتاع بهذا التفوق العسكري بل ويلحقون بها ضربات ذات نوعية متفوقة حتى من جهة التخطيط والتدبير العسكري، وايضا من جهة الجرأة والشجاعة وهما امران يفتقر اليهما الجندي الإسرائيلي، وهو في الاساس مهاجر كان يجوب الآفاق فوجد نفسه فجأة في جيش وفي (وطن) يحاول دون جدوى توطيد علاقات معه، لكن ليس هناك سوى دماء الابرياء التي يسفكها جيش الاحتلال وهي لا تكفي لتكوين ذاكرة جميلة عن الوطن، ولا حافزا للدفاع عنه، ولهذا سرعان ما يشد الرحال في اول فرصة تسنح له للهروب بجلده.
ورغم فداحة المستقبل الاسرائيلي فإن اسرائيل تحاول تحدي حقائق الواقع وتجاهل حقوق شعب وهي تبرهن بذلك انها فعلا دولة بلا ذاكرة وبلا ماض من خلال حرمانها الاخرين من حقوق الوطن ومن ارتباطهم الوثيق به ماضيا وحاضرا.