Wednesday 8th September,200411668العددالاربعاء 23 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

البيئة .. ضرورة عصرية وجهود مميزة! البيئة .. ضرورة عصرية وجهود مميزة!
ناهد بنت أنور التادفي /عضو مجلس العالم الإسلامي للإعاقة والتأهيل

تحرص شعوب الأرض على حماية البيئة إدراكاً لأهميتها في توفير السعادة للإنسان عبر عوامل لا تتحقق سعادته إلا بها، وعلى رأس تلك العوامل حاجته إلى الهواء النقي لتفعيل نشاطه، ومن خلال هذه الأهمية يمكن القول: إن أكثر الأخطار التي تواجه العالم بأكمله تكمن في مسألة التلوث، وتدمير البيئة الطبيعية التي يحيا فيها الإنسان وكل الكائنات الحية، والسلوك الخاطئ في التعامل مع البيئة دون ضوابط ومفاهيم ومعايير مما يتسبب في فقدان الطبيعة أهم عناصرها التي سخرها الله سبحانه لحياة كل الكائنات على سطح الأرض.
وقد بات من المعروف أن الإنسان بسلوكه الخاطئ وتجاوزاته المستمرة المضرة بالطبيعة هو المسؤول الأول عن هذا التلوث، ولا يخفى على أحد أن الحضارة ومفرزاتها وتوابعها التي يسعى إليها الإنسان تعتمد على الصناعة والتكنولوجيا، والصناعة لها فضلات ملوثة تنفثها مداخن المصانع، ومجارير الأنهار أو في البحار أو في الصحارى القريبة من التجمعات السكانية لينقلها الهواء إليها، وكذلك لا يمكن إغفال ما تفعله الحروب من تلويث للبيئة باستخدام الأسلحة البيولوجية والكيميائية والجرثومية، وحتى في جوانب مهمة لا يمكن ان يستغنى عنها الإنسان كالصناعات الدوائية وصناعة المستحضرات الكيماوية الطبية البشرية والزراعية والحيوانية غير المراقبة التي تستخدم كهرمونات أو كقاتلة للحشرات يلاحظ بوضوح تجاهل الضوابط المطلوبة كي لا تتحول هذه الضرورة الى اساءة للإنسان والكائنات الحية. والقول نفسه يعاد بالنسبة للاستخدام السيئ للمياه والتسبب في الهدر غير المضبوط. واقتلاع الأشجار والأحزمة الخضراء مما يسبب امتداد وتوسع الصحارى. وقتل الحيوانات البرية والبحرية دون ضابط، مما يؤدي الى انقراض انواع كثيرة منها. والتهجين والاستنساخ العشوائي، والعقاقير غير المراقبة، والقائمة تطول إذا أردنا تعداد الممارسات والسلوكيات الخاطئة في هذا المجال.
لقد سمعنا بتلف في طبقة الأوزون، كما نسمع في كل يوم عن شح المياه الصالحة للاستخدام البشري هنا وهناك. ومن المعروف عقلاً وواقعاً انه لا حياة لأي كائن على وجه الأرض دون توفر عنصر الماء.!
وعند قوله تعالى: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} (44) سورة الأنبياء.
تنوعت تفسيرات المفسرين والعلماء والدارسين لهذه الآية الكريمة تبعا للوقت والمعطيات ودرجة ما أعطي كل إنسان من علم، ولأن القرآن الكريم هو الإعجاز المطلق، والمعجزة الكبرى لثبات ديننا الحنيف، والمشرع الأول لسلوكنا وصلاح حياتنا، ويصلح لكل زمان ومكان وافراد ومجموعات إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فإننا نحاول لآن نقيم تفسيرا لهذه الآية الكريمة (والله أعلم) إسقاطا على الاكتشافات العلمية التي تثبت في كل يوم تلك المعجزة.
من المعلوم بأن الأرض كانت كتلة نارية، ومازالت تلك الكتلة تسكن باطن الأرض، ولنا ان نتحقق من ذلك من خلال رؤية بركان مثلاً.! وهذه الكتلة النارية مقبلة على الخفوت والتبرد مع تقدم الزمن وببطء شديد بحساباتنا البشرية، والتبرد يسبب التقلص، {نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} (41) سورة الرعد، وايضا يتسبب في إنقاص عنصر الماء الموجود في فضاء وسطح وباطن الأرض.. ومن هنا نكتشف خطورة المشكلة التي يمكن ان تتعرض لها كل الكائنات لو فقد عنصر الماء.
كل هذا يجعل أمر الحفاظ على سلامة البيئة أمر على أعلى درجات الأهمية، وقد أصبح الهاجس الأكثر قلقاً لكثير من الدول والحكومات، ومن أجل ذلك أقيمت الدراسات والمؤسسات والبحوث والنشاطات العامة والرسمية والخاصة التي تعمل بجهد دؤوب للحفاظ على سلامة البيئة بمحاورها المتعددة.
لقد أمرنا الله سبحانه أن نقيم الميزان في كل أمر من أمور حياتنا، وكان أكثر التوجيه على البيئة بالمعنى العام، فقد قال جل وعلا:
{وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (56) سورة الأعراف.
وكل هذا يجب ان يكون سبيل توعية للإنسان إلى المخاطر التي سيتعرض لها لو خالف شريعة الله سبحانه.
كما تقول القاعدة الفقهية أن (لا ضرر ولا ضرار).
وعلمنا الرسول الكريم أن نزرع ولا نقطع وان (نميط الأذى من الطريق) (وان النظافة من الإيمان) ولنا عبرة في وصية أبي بكر الصديق خليفة الرسول الكريم للجيش الفاتح (إنى موصيكم بعشر: لا تقطعوا شجرة ولا تذبحوا حيوانا إلا لمأكل ولا تخربوا عامراً ولا تقتلوا طفلاً ولا شيخاً... الخ تلك الوصية القيمة).
ومن هذا الفهم الحصيف للمسألة بكل أبعادها، استنفرت المملكة رجالاتها وجهودها للتصدي لهذه المشكلة الخطيرة، وكان سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز هو الرجل المختار ليكون على رأس هرم المجموعات والمؤسسات التي تحمل هذا العبء الكبير، برغم المهام الصعبة، والمسؤوليات الجسام المنوطة بصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز من واقع مناصب مسؤولية كثيرة أهمها النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام.. إلا أن ذلك كله لم يحل دون تولي سموه مسؤوليات أخرى كبيرة ومؤثرة وذات قيمة وغاية ونتيجة إيجابية آنية ومستقبلية منطلقاً من وعي وحصافة واستشراف صائب للمستقبل.
وكان أن اهتم الأمير سلطان الاهتمام الأكبر بمسألة البيئة، وما يندرج تحت هذا العنوان العريض من التلوث والتصحر والعناية بمصادر المياه وتأمين صحتها، والمحافظة على النوع، وكان ان اكتسب سموه لقب (رجل البيئة الأول) لما قدمه من خدمات جليلة على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي للحفاظ على البيئة وصون مواردها الطبيعية وزيادة الوعي بأهميتها، ولم تشغله أعباء الدولة الجسيمة عن الاهتمام بشؤون البيئة حيث يتقلد سموه منصب رئيس اللجنة الوزارية للبيئة ورئيس مجلس إدارة الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، وقد كان سمو الأمير سلطان الكفء لتولي هذه المسؤولية الجسيمة والجدير بالتصدي لها، ولو أحصينا نشاطاته في هذا المجال لما استطعنا لها جمعاً وعلى كل المحاور، وللإشارة فقط إلى جدية توجه الأمير في أمر هذه المسألة فإنني أورد مثالاً صغيراً من جبل من الحقائق المرسومة والمنفذة على الأرض، فقد نتج عن تولي سمو الأمير سلطان رئاسة اللجنة الوزارة للبيئة وضع الأنظمة والقواعد الأساسية لحماية البيئة في المملكة العربية السعودية، واعتماد نظام خاص للبيئة العامة، ونظام التقييم البيئي لدول الخليج العربي، ونظام البيئة العامة في المملكة، وأصدر سموه القرارات اللازمة للحفاظ على الحياة الفطرية وتنميتها.
ولابد ان اشير ايضا الى (مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء) الذي تأسس بدعم كريم من الأمير سلطان بن عبد العزيز وذلك في 15 شعبان 1423ه الموافق 21 اكتوبر 2002م، فبالاضافة الى الأعمال الجليلة التي يقوم بها المركز، والتي حققت تواجداً وتحسناً ملموساً في أمر تحسين البيئة، ومن باب التشجيع على ممارسة هذا السلوك عبر المعرفة والعلم, فقد خصص المركز جائزة أصبحت معروفة ب(جائزة الأمير سلطان بن عبد العزيز العالمية للمياه)، وتوصف الجائزة بأنها عالمية علمية، وتقديرية دورية، تمنح كل سنتين وتهدف إلى تشجيع وتقدير جهود وبحوث العلماء والمبدعين والباحثين افراداً ومؤسسات, علمية وتطبيقية في مجال المياه في شتى أنحاء العالم مكافأة على إنجازاتهم المتميزة التي أسهمت وتسهم في إيجاد الحلول العلمية الكفيلة بتوفير المياه الصالحة للاستعمال، والتقليل من خطر فقدها وندرتها، والمحافظة على استخداماتها الاستخدام الأمثل في كل مكان وفي أي ظروف وأي بيئة.
وتشمل الجائزة خمسة أفرع بحثية، والجائزة المقررة لكل فرع (500) الف ريال (نصف مليون) ريال سعودي، تمول بدعم سخي من قبل الأمير سلطان بن عبد العزيز، وتقدم تقديراً لكل إنتاج فكري أو عملي, سواء من الأفراد أو المؤسسات، وهذا التشجيع يؤدي دون شك إلى تقدم المعرفة البشرية.
إن هذه الجائزة بكل مدلولاتها الخيرة (المعنوية والمادية) تعكس الصورة المشرقة لرجالات وإنجازات المملكة العربية السعودية وجهودها المتواصلة في هذا المجال وغيره من المجالات، ومساهمة المملكة البناءة في تأصيل الحضارة الإنسانية، ولا شك ان تكريم المبدعين بهذه الجائزة هو إقرار وعرفان بجهودهم وإنجازاتهم المتميزة، التي تسهم بالمحافظة على الثروة المائية، سواء كان في مجال ترشيد استعمال المياه، أو في مجال حمايتها من التلوث وتحسين جودتها والاهتمام بفوائدها وضرورتها.
إن رجل دولة كسمو الأمير سلطان بن عبد العزيز، له حق علينا أن نذكر محاسن اعماله للتاريخ والذكرى، نسأل الله ان يمد في عمره لإكمال مسيرة التنمية تحت قيادة وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، وولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، كما نسأله أن يحفظ الجميع لكل ما فيه مرضاته سبحانه، وخير البلاد والعباد، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

.net..anwa .www.nahid


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved