Friday 17th September,200411677العددالجمعة 3 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

نوازع نوازع
ابن زيدون المتغزل
د. محمد بن عبدالرحمن البشر

عندما أقرأ لابن زيدون قصيدة أو رسالة او حتى بيتاً من الشعر فكأنما أرتشفها لأول مرة، لأن لابن زيدون مسلكاً في شعره ورسائله وأسلوب حياته مسلكاً بز به غيره، وعلا كعبه به على نظرائه، تلاعب بالألفاظ كيفما شاء وكأنما هي باقة ورد يختار منها أجملها بهاء، وأكثرها نضارة، ويغوص الى المعاني كما لو كان في بطن غواصة من إنتاج هذا العصر، وفي مسلكه السياسي وطموحه ما يجعله فريد عصره، رغم انه وجد عناء غير يسير لقاء هذا الطموح.
ولأنني قد كتبت الكثير فلن اكرر ما كررت في الحديث عنه، ولكن العاشق يحلو له ان يتحدث عن مشعوقه بين الفينة والاخرى، وطالما أن الحديث عن العشق فقد قال ابن زيدون في الغزل قصائد رائعة بث من خلالها أشواقه وافراحه واتراحه واحزانه ومواجعه، كما استهل بالعدل جل مدائحه، وقد عدل وبهت، وأحسن وأساء الى من يحب، لكنه لم يكن قط فاحشاً في شعره مثل بشار بن برد، او ابو نواس، ابو ابراهيم بن سهل، ومن منا لم يسمع أو يقرأ قصيدته المشهورة، بل هي اشهر قصائده:


أضحى التنائي بديلا عن تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا

الى ان قال:


ان الزمان الذي ما زال يضحكنا
أنسا بقربكم، قد عاد يبكينا
غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا
بأن نغص، فقال الدهر آمينا
ليسق عهدكم عهد السرور فما
كنتم لأرواحنا الا رياحينا

ثم قال بعضا من الأبيات التي أفصح بها عن محبوبته ذائعة الصيت، ولادة بنت المستكفي الحاكم الأندلسي، حتى وإن لم يسمها باسمها فقصصه معها مشهورة، ولاسيما أنها كانت عاشقة للشعر والشعراء، وكان ابن زيدون احد الذين يترددون على مجلسها، فقال ابن زيدون:


يا ساري البرق عاد القصر وأسق به
من كان صرف الهوى والود يسقينا
ما ضر ان لم نكن اكفاءه شرفا
وفي المودة كاف من تكافينا
لسنا نسميك إجالا وتكرمة
وقدرك المعتلي عن ذاك يغنينا

وقد تجاوز ابن زيدون حدوده في ضرب محبوبته لكن هذه المحبوبة ولاشك ليست ولادة فقال:


إن يكن نالتك بالضرب يدي
واصابتك بما لم ارد
فلقد كنت لعمري فاديا
لك بالمال وبعض الولد
فثقي مني بعهد ثابت
وضمير خالص المعتقد
ولئن ساءك يوم فاعلمي
أن تنالين سرور بغد

لكنه في بعض الاحاديث يتجاوز الحشمة لكنه لا يبلغ الفحش فها هو يقول:


أهدي الى بقية السواك
لا تظهري بخلا بعود أراك
فلعل نفسي ان ينفس ساعة
عنها بتقبيل المقبل فاك
يا كوكبا بارى سناه سناءه
وهوى القصور به على الأفلاك

وكان ابن زيدون يستهل قصائده بالتشبب بمحبوبته كما هي عادة العرب قديما، غير انه في هذا الاستهلال الغزلي كثيرا ما يكون اكثر ابداعا منه في صلب القصيدة، وقد يكون مرد ذلك الى البون بين المشاعر في الحالتين فهو في الغزل طالب حب، وفي المديح بالغ شأو، وكثيرا ما أقنع ابن زيدون نفسه بأنه قد محض الهوى لغادر أو صدق الوصال بقاطع، فكال العتاب له حتى لو جانب الحقيقة فيما قاده اعتقاده اليه، وهو كثيرا ما يحاول تجنب ذكر اسم من يعنيه، وما يبرح ان ينجلي ذلك بين ثنايا العبارات او يبرز بين الهمسات.


ودع الصبر محب ودعك
ذائع من سره ما استودعك
يا أخا البدر سناء وسنا
حفظ الله زمانا أطلعك
إن يطل، بعدك ليلي، فلكم
بت أشكو قصر الليل معك

هكذا كان ابن زيدون علما من أعلام الشعر والنثر والسياسة.
سقطت على يده دول وقامت دول أخرى، كما هوت في فؤاده أهواء الغواني، فساق الشعر عذبا سلسا أمتع به جمعا غير قليل عبر العصور.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved