Friday 17th September,200411677العددالجمعة 3 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

المتآمرون المتآمرون
محمد بن عبدالله المشوح

سألت نفسي ذات يوم عن هذا الحشد الهائل من النقد والتلاؤم الذي انسحب على شتى مناحي حياتنا، فالخطيب والداعية والواعظ يجلد الناس دوماً بسوط الأخطاء والذنوب والمعاصي والكبائر التي تحشر فيها الصغائر مع الكبائر والفواحش مع اللمم وكأن الناس حياتهم غرقى بتلك التجاوزات وليس ثمة فاصل خير وصلاح وحسنات بينها.
ثم إذا قرأت مقالاً وتصفحت دورية لا يبارحك النقم على كل المشاهد سرداً ومداً مروراً بكل تفصيلات حياتنا التي تلمس من أولئك أنها تسير في خط معاكس.
بل حتى المجالس والمنتديات لا تبارح أن تراها قد عبئت ساعاتها تنقصاً وتهكماً وازدراء بكل ما هو منجز لقد شاهدت بنفسي أقواماً ملئت هذه الثقافة لديهم وإذا رغبت في مناقشته لأبسط الحقائق قلبها إلى مؤامرات وافتراءات وبدت حياتنا الدينية والدنيوية وكأنها قد أغرقت بالأدران والأخطاء فالعالم أجمع يتآمر علينا وبعضنا يتآمر على البعض تلك نظرتنا إلى حياتنا نحن.
أما الآخرين فصرنا ننظر إليهم بأنهم الأفضل والأحسن في كل شيء كما أننا الأسوأ والأنقص في كل شيء.
فلماذا يا ترى كل هذه النظرة القاتمة المتشائمة؟ ومن المسؤول عنها؟ هل هو مبدأ الانتقاص والازدراء الذي من بعد في نظر البعض ندرك من خلاله العلو والتقدم والارتقاء ام هي دعوى جلد الذات التي نتحلل فيها من أخطائنا الفردية إلى مزيد من الأخطاء حين نتعامى عن كل خطوة صالحة أو فكرة راشدة أو منجز وطني حققناه أم أنها ذهنية العربي الذي لا يرى بزوغاً ولا نجاحاً لذاته إلا حين يشرع في إسقاط الآخرين وتهميش نجاحاتهم وأدوارهم؟
هاهم بعض الصالحين والوعاظ حين يسرد حكاية الغرب لا يعترف لهم بمنجز وحضارة أو تقدم وأنهم قطيع من الأنعام لا تعي ولا تدرك فهماً!!
نعم إن الحقيقة الشرعية تثبت أن غياب الدين والفطرة الصالحة ليس ثمة شيء يعوض عنه بيد أن ذلك لا يمنع من ذكر فضل الآخرين وبيان مزيتهم وليس ثمة تعارض يبن الأمرين حتى في طروحاتنا الثقافية صرنا ننظر دوماً بزاوية ضيقة وعين واحدة لا تبصر إلا خللاً ولا تعاين إلا خطأ.
حتى حين تحادث من ابتلي بداء النظر الأعور وتوقفه أمام مشاهد لا فرار من الاعتراف بها يلوي عنقه ويدير رأسه ويسعى جهده لإسقاط أية حقيقة ناصعة في وطننا وبلادنا.
من المسؤول يا ترى عن شيوع هذه الظاهرة التي تلاحقنا في مؤسساتنا الثقافية ودورنا الفكرية ودوائرنا الحكومية وغابت عين الرضا عن معاينتنا.
هل هي حقيقة أننا إلى هذه الدرجة مخطئون ونسير في هذه العكسية والظلامية رغم تلك السنين وتراكم الخبرات والتجارب أم هي عدوى سرت في بعضنا حتى استشرت عدواها ولم نستطع دواءها والخلاص منها؟
إن من المتعين أن تهب دور التربية ومحاضن الثقافة لعلاج هذه الظاهرة التي شاعت في تعاملنا من خلانا وبني جلدتنا بل وذواتنا ولا نرى في الآخرين علماء ودعاة ومثقفين ومفكرين إلا شخوصاً ساقطة تلتقط زلاتهم ويبحث عن هفواتهم وأخطائهم ولا ننظر بميزان عدل وإنصاف بعيد عن الغلو والجفاء الذي أصبحنا لا نستطيع الفكاك منه.
كم جميل أن نقوم هذه السلوك ونربي أجيالنا على مزيد من الاعتدال في القول البعيد عن تلك النظرة السوداء المتشائمة ونبعث في النفوس التفاؤل ونعيد فيها الأمل وتلتم القلوب دوماً على روح المحبة والالفة والإخاء.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved