Friday 17th September,200411677العددالجمعة 3 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "متابعة "

أخي المعلم.. أختي المعلمة أخي المعلم.. أختي المعلمة
الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ (*)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:ففي هذه الايام نستقبل عاما دراسياً جديداً نسأل الله عز وجل أن يجعله عام خير وبركة وعز للإسلام وأهله؛ وبهذه المناسبة أحببت أن أشارك إخواني واخواتي المعلمين والمعلمات همّهم واتعاون معهم على تأدية رسالة التعليم على الوجه الذي يرضي رب العالمين، وذلك من خلال كلمات أبثها لإخواني وأخواتي نصيحة لوجه الله عز وجل، وتذكيراً لهم ببعض الجوانب التي رأيت أهمية التذكير بها؛ أسأل الله عز وجل أن ينفع بها ويجعلها خالصة لوجهه الكريم نافعة لعباده المؤمنين إنه سبحانه برّ رؤوف رحيم.
أهمية العلم وفضله وفضل أهله
يقول الله عز وجل:{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.
ويقول سبحانه: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}.
ويقول عز وجل: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً}.
ويقول سبحانه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.
ويقول سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
ويقول عز من قائل سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}.
والنبي ژ يقول: (من سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقا إلى الجنة) أخرجه مسلم.
ويقول ژ : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) أخرجه مسلم.
ويقول ژ: (إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها وحتى الحوت، لَيُصلُّون على مُعلِّم الناسَ الخيرَ) .
وجاء في بعض السنن أن النبي ژ قال: (من سلك طريقا يلتمس فيه علماً سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يُورِّثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم، فمَن أخذ به أخذ بحظ وافر) .
ومقام الأنبياء في أممهم مقام تعليم وإرشاد ودعوة، ونبينا ژ هو سيد المعلمين يقول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}.
ويقول سبحانه: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ}. ويقول ژ: (إن الله عز وجل لم يبعثني معنّفاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً) أخرجه الإمام أحمد والإمام مسلم ولفظه (إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً) .
فهنيئا لكم إخواني وأخواتي هذا الطريق تسلكوه وهذا الفضل تحوزوه وهذه الرفقة في هذا الدرب تسيرون معهم وتنسبون إليهم وتأخذون ميراثهم صلوات ربي وسلامه عليهم.
فعليكم واجب شكر هذا النعمة وعليكم واجب الجد في أداء حقها والتخلص من تبعاتها وفقكم الله لكل خير.
وطلب العمل المنوه بفضله قسمان:
1 - قسم يكون فرض عين على كل مسلم ومسلمة؛ وهو ما لا يسع المسلم جهله في امور دينه من العقيدة الصحيحة وما يصحح به عبادته، وما يحتاج إليه في معاملته فما يجب على التاجر في تجارته ليس واجباً على غيره عيناً، وكذلك ما يجب على المزارع من العلم ليس كمثل غيره.
2 - وقسم يكون الأخذ به فرض كفاية وهو الزيادة من الفقه في الدين بنية رفع الجهل عن نفسه وتعليم إخوانه المسلمين والله تعالى يقول: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}، ويقول ژ : (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) .
ومن العلوم التي يجب على الامة بعمومها الأخذ بها ولا تجب وجوباً عينيا على كل مسلم، العلوم العصرية والدنيوية التي بها قوام الأمم في أمور معيشتهم وبها يكون النهوض والقوة من علوم تقنية أو اقتصادية أو عسكرية أو سياسية وغير ذلك، والأخذ بها عند الحاجة اليها نوع من الإعداد للعدو والله تعالى يقول: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ}.
ويقول النبي ژ : (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) أخرجه مسلم.فالأخذ بالعلوم العصرية ومقارعة الامم فيها والنهوض بأمة الإسلام حتى تأخذ مكانها القيادي للأمم هذا من فروض الكفايات مع التأكيد على العلوم الشرعية وأنها هي الأساس وإليها المرجع وعدم قبول أي شيء يتعارض مع مقتضى النصوص الشرعية هذا هو الميزان في ديننا، فديننا دين العلم والعمل دين القوة دين عمارة الأرض بالخيرات لا يمنع المسلم من الأخذ بما أطلع الله عليه عباده من علوم مستجدة أو ظواهر كونية للاستفادة منها, والله تعالى يقول: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ}.
إخواني.. وأخواتي: إن العلم والتعليم في ديننا له غايات نبيلة وأهداف عظيمة تكفل لمن سعى فيه بنور الله السعادة في الدنيا والآخرة.
نحن المسلمين أمة مختارة.. أمة أراد لها الله الخير والفضل والرفعة قامت أمتكم على الدين والعقيدة قامت على رسالة ربانية تدعو إلى توحيد الخالق والإحسان إلى الخلق. تدعو إلى تحكيم الشريعة في جميع نواحي الحياة.
إن تطبيق الإسلام والالتزام به ونشر مبادئه وتربية أبنائنا على الإسلام الحقيقي سبب لسعادة البشرية بل والمجتمع والبيئة المحيطة فالإسلام كله خير، ولا تستقيم الأحوال على التمام إلا بتطبيقه، فاحرصوا على غرس الإسلام الحقيقي في قلوب أبنائنا وبناتنا وفقكم الله لكل خير.
أمور يجب على المعلم والمعلمة مراعاتها
أول ذلك الإخلاص لله عز وجل: فإن الإخلاص شرط في قبول العبادة وأي عبادة انفع من تعليم العلم، ثم إن الاخلاص في التعليم يعود بالبركة والنفع العميم على المتلقين فبركة الإخلاص متعدية، ومما يدل على وجوب الإخلاص قول الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}، ويقول ژ : (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) متفق عليه.
ثانيا: مما جب على المعلم والمعلمة مراعاته: التقيد بالسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم بأن يحرص أن يكون سمته وتعليمه وما يطرحه للطلاب موافقا للشرع؛ فلا يقرر لهم ما لا يعلم ثبوته شرعا ولا ما يكون محدثاً مبتدعا، يقول النبي ژ : (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)، ويقول ژ : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) .
وثالثاً أخي المعلم أختي المعلمة: ليكن معلوما لديكم أن مقام التعليم مقام تأس واقتداء، فيجب أن يكون المعلم والمعلمة قدوة حسنة للطلاب والطالبات، وليكن الواحد منكم متذكراً في كل وقت قول النبي ژ: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من جورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً) أخرجه الإمام مسلم.
فالمعلم والمعلمة، قدوة في ألفاظهم فلا يقولون فحشا ويبتعدون عن سقيط الكلام، وهم قدوة في لباسهم الموافق للشرع؛ فلا يكون المعلم مسبلاً ثوبه ولا متشبها بالفسقة والكفرة في مظهره.
كما لا تكون المعلمة في لباس ضيق ولا شفاف ولا قصير بل هو اللباس الضافي الساتر الفضفاض يستر جسمها ويظهر حشمتها ويجعلها قدوة صالحة لبناتنا.لا يكون المعلم مدخنا ومن ابتلي بذلك فليسأل الله العافية وليحرص على تركه، ويجب عليه الاستتار حال معصيته فلا يجاهر به أمام تلاميذه ولا يرونه في يده ولا جيبه، يقول ژ: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون) .
والمعلمة لا تأتي إلى مدرستها وهي نامصة ولا فالجة ولا مغيرة خلق الله عز وجل أو متشبهة بالفاسقات أو الكافرات.
فكونوا قوة صالحة فإن الخطب جسيم وأنتم في مقام اقتداء وتأس وما تفعلونه او تقولونه يؤخذ عنكم ويُقتدى بكم فيه فكونوا لأبواب الخير مفاتيح ولأبواب الشر والفتنة مغاليق.
ورابعا: يجب على المعلم والمعلمة أن يكونوا دعاة إلى الله بحسب علمهم إبراء للذمة ونصحا للأمة وتوجيهاً لأبنائنا وبناتنا وامتثالا لأمر ربنا عز وجل وأمر نبينا ژ ، يقول الله عز وجل: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. ويقول ژ : (بلغوا عني ولو آية) .
وخامساً: يجب عليكم تربية أبنائنا وبناتنا على الاعتزاز بدينهم والفرح والغبطة به وتحبيبهم في دينهم وغرسه في قلوبهم ببث تعاليمه السمحة بصورة صحيحة.
كما يجب عليكم وأنتم تشاهدون أوضاع الأمة الآن وما آلت إليه من ضعف، أن تبعثوا الأمل في قلوب أبنائنا وبناتنا وأن تطردوا اليأس منهم وتذكروهم بأن ما حل بنا ما هو إلا بسبب بعدنا عن ديننا {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}.
وهو ابتلاء لصبر المؤمنين وامتحان لقوة ثباتهم على دينهم والنصر من عند الله {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}.
فالفرج قريب والباطل مهما تعاظم فإنه لا يقاوم الحق وسيجعل الله بعد عسر يسرا؛ وإنما الشأن في توعية الأبناء والبنات بل والمجتمع وحثهم على ترك الذنوب والمعاصي والالتزام بشرع الله عز وجل.
وسادسا: مما يجب مراعاته - خصوصا في هذا الزمان - تبصير الطلاب والطالبات بما يُحاك لأمتهم من مكائد في الداخل والخارج وما يريده الأعداء من تفرق الأمة وتشتيت المجتمع وتحطيم كيانه ويزرع بذور الفتنة فيه، وإبعاد المسلمين عن دينهم وذلك من طريقين إما البعد عن الدين والطعن فيه والسخرية به وبالمنتسبين إليه والمتمسكين به والتشكيك في تشريعاته واتهام العلوم الشرعية بما هي منه براء من انها تدعو إلى الإرهاب والعدوان وسفك الدماء، والمطالبة بتحجيمها أو إقصائها أو تفريغها من محتواها حتى تكون مواد سامجة ممجوجة لا خير فيها إنما هي ثقافات بشرية بعيدة عن نور الوحي.
والطريق الأخرى لأعداء الله في تمزيق شمل الأمة بعث روح الغلو ومجاوزة الحد في التدين حتى يرى غيره هلكى لا خير فيهم وينشأ من هذا رغبة في التغيير بالقوة وتوجيه المجتمع بالقوة الى ما يظنه الحق وإنما هو الهوى والعياذ بالله، والنبي ژ يقول: (إياكم والغلو في الدين)، ويقول ژ: (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق) .
والحق ظاهر لمن أراده {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ} ولم يقل الله عز وجل (فاستقم كما تهوى) فالاستقامة حقا هي الموافقة لأمر الله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}.
من آداب المعلم والمعلمة
1 - التواضع: لا بد أن يكون المعلم والمعلمة متواضعاً للعلم طلبا وتحصيلا وبذلا وتعليما، متواضعاً للطلاب، فلا يرى في نفسه أنه أعلى منهم وأنه يستحق كذا وكذا، بل يكون متطامنا متواضعا لله عز وجل، ومَن تواضعَ لله رفعه، ونبينا ژكان متواضعا مع الناس في تعليمهم ودعوتهم وفي سائر أحواله، تقف معه امرأة في عقلها شيء في بضع سكك المدينة فيقوم معها حتى يقضي حاجتها، ويأتي للصغير فيداعبه ويسليه ويمشي بين أصحابه لا يتميز عنهم إلا بما فضله الله من النبوة والعلم والخلق والسمت والهدى. فليكن هو قدوتَنَا ژ.
2- الحرص على نفع المتعلم: فالتعليم ليس حملا ثقيلا عليك أيها المعلم وعليك ايتها المعلمة؛ إنما هو أمانة فاحرصوا على أدائها والقيام بها حق القيام، وليكن حرصكم دائماً على نفع المتعلم وهذا يتطلب منكم تفقد الطلاب واختبارهم ومعرفة مستوياتهم ومراعاة الفروق الفردية بينهم حتى تكون رسالة التعليم واصلة إليهم على خير حال، والنبي ژ كان هذا هديه، يقول الله عز وجل: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} فلتكونوا حريصين على طلابكم رفقاء بهم رحماء اقتداء بنبيكم ژ .
3 - إيصال المعلومة الصحيحة دون الخاطئة: ويتبين لك اهمية ذلك حين تعلم أن ما تقوله يؤخذ على وجه التسليم والانقياد من قِبَل طلابك وينطبع في عقولهم، فاحرص على تحري الدقة والتأكد من صحة ما تطرحه، وإلا فعليك بالسكوت، يقول الله عز وجل: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}.
4 - تركيز الكلام وتقليله مع الحرص على تكراره: وذلك ان الطلاب متفاوتة قدراتهم في الحفظ والفهم والاستيعاب وسرعة البديهة فاقتد بأضعفهم، وركز الكلام يُفهم وكرره حتى يحفظ، فيكون حينئذ عمومُ النفعِ، ولك في رسول الله ژ خير قدوة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( إنْ كان رسول الله ژ لَيحدثُ الحديث لو شاء العادّ أن يحصيه أحصاه) أخرجه أبو داود.
ويقول انس رضي الله عنه: (كان إذا سلّم سلّم ثلاثا، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً) وفي رواية بزيادة (حتى تفهم منه) .
5 - المحافظة على وقت الطلاب: فلا تشغل أخي المعلم اختي المعلمة وقت الطلاب بالقيل والقال أو بالفاكهة والمزاح، بل عليك بالحرص على وقتهم وإعطائهم ما ينفعهم بأسلوب غير مخلّ ولا مملّ.
6 - عند الدخول في الدرس فعليك بتطبيق السنة في ذلك فابدأ بالسلام تحية أهل الإسلام، ثم قبل الشروع في درسك سمّ الله عز وجل واحمده وصلّ على نبينا محمد ژ، ثم اشرع في درسك حتى تنغرس هذه الآداب الحسنة في نفوس الطلاب وحتى تحل البركة فيما تقوم بتعليمه وتدريسه.
7 - واجه الطلاب بوجه طلْق: ومن الآداب العامة - وهي في شأن المعلم والمعلمة آكد - التبسم وطلاقة الوجه، ففيها عدة فوائد:
- منها تطبيق السنة إن النبي ژ يقول: (لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) .
- ومنها بعث الطمأنينة والراحة في نفوس الطلاب فيتقبلون ما تلقيه إليهم بانشراح وسعة صدر.
- ومنها أن التخلُّق بهذا الخلق حتى يكون لك ديدناً يجعلك أكثر انبساطا وأبعد عن الهموم ويحبب إليك الناس، وغير ذلك من الفوائد التي لا تخفى.
8 - عليكم بحثِّ الطلاب والطالبات على الحرص على الدروس واستغلال الوقت إخلاصا لله عز وجل؛ وقصداً للنهوض بالامة وتعليم الجهال، وهذا من خير ما انصرفت الهمم إليه.
وهدْي النبي ژ واصحابه والسلف الصالح في ذلك أظهر من أن يُذكر.
9 - عند مواجهة أخطاء من الطلاب أو الطالبات لا يكن الضرب هو مفزعكم ولا هو أول الحلول عندكم؛ فليس هذا من هدي نبيكم ژ ، فإن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: (ما ضرب رسول الله ژ شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله) أخرجه الإمام مسلم. ومما يُصحح به ما يقع من أخطاء الطلاب أمور:
- منها: تعليمه بلطف ولين بأن ما قام به خطأ وإقناعه بوجه الخطأ حتى يتركه عن قناعة.
- ومنها: إظهار الغضب في وجهه وتأنيبه على خطئه.
- ومنها: أن يبين له باسلوب لين كيف لو أن ما ارتكبه من خطأ في حق غيره لا يرضى هو أن يرتكبه غيره في حقه؛ إن أقر بيّن له أن الناس ايضا لا يرضون، وهكذا.
- وجميع ما ذكرنا سابقا من الأساليب قد جاءت السنة بها لكن تركنا إيراد الشواهد طلباً للاختصار.
- فإن لم يجد مع الطالب المخطئ الأساليب السابقة فإن المعلم او المعلمة يمكنهم اللجوء إلى الضرب، وقد جاءت السنة ببيان أن الضرب وسيلة للتربية يقول ژ : (مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر) .
واقر النبي ژ أبا بكر على ضرب غلام له حين أضاع بعيره. ولكن على المعلم والمعلمة أن يعلموا أن الضرب اسلوب تربية وتقويم اعوجاج وليس متنفساً لهم وانتقاماً لأشخاصهم.
وبناءً على ذلك فيراعى في الضرب أن يكون غير مبرح ولا يشق جلد أو يكسر عظماً أو يُذهب منفعة أو يضر بجارحة، فكل ذلك لا يجوز، والنبي ژ يقول: (لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله) .
ولما شرع الله ضرب الزوجة الناشز بعد موعظتها وهجرها في الفراش ذكر النبي ژ أن ذلك الضرب يكون غير مبرح.
لأن المقصد من الضرب تقويم اعوجاج لا إبراز القوة وإظهار الانتقام فهذا لا يساعد على تربية الطلاب التربية السليمة.
أساليب للتعليم مقترحة مستقاة من الوحيين
وإن مما يؤسف له تتابع أهل الإسلام إلى نظريات غربية وشرقية في التربية والتعليم ليست إلا نتاج عقول البشر وخلاصة تجاربهم، وإن كان مثل هذا يمكن أن يستفاد فيه من غير المسلم وما كان مرجعه إلى التجربة فهو مشاع الانتفاع به بين البشر ما لم يخالف مقتضى الشرع.والمقصود هنا بيان بعض الطرق النافعة للتعليم وحفز الأذهان وهي مأخوذة من الكتاب والسنة:
1 - ضرب الأمثال: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ}.
2 - القصص: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}. ومنه تشبيه النبي ژ: (الجليس الصالح والجليس السوء) .
3 - ومنها ابتدار الطلاب بالسؤال لشد انتباههم. ومن ذلك قول الله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ، تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} ويقول ژ : (يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟) وهكذا في أمثلة كثيرة.
4 - مبادرة الطلاب بما يثير تساؤلهم تحفيزا لأذهانهم، ومن ذلك: أن النبي ژ صعد المنبر يوما فقال: (آمين.. آمين.. آمين) قال: (إن جبريل أتاني، فقال مَن أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين؛ فقلتُ: آمين..) الحديث.
5 - منها طرح المسألة على الطلاب وتركهم يستنتجون حلها، وقد فعل هذا نبينا ژ؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه سلم قال: (عرضت عليّ الأمم فرأيت النبي معه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومنهم سبعون الف يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب) فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله ژ ، وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الاسلام ولم يشركوا بالله شيئاً، وذكروا اشياء، فخرج عليهم رسول الله ژ فقال: (ما الذي تخوضون فيه؟) فأخبروه فقال: (هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون) الحديث.
6 - أن يستعين المعلم بزميل له ملم بموضوع الدرس: فيحضر معه الدرس ويجلس جلوس الطلاب، ثم يبدأ مع زميله حوارا حول مفردات موضوع الدرس حتى يأتي على جميع ما يحتاج الطلاب فهمه في هذا الدرس بأسلوب متدرج هادئ حواريّ، يشد أذهان الطلاب ويجعلهم يستوعبون درسهم.
كما فعل جبريل عليه السلام مع النبي ژ حين جلس عنده مجلس المتعلم والصحابة رضي الله عنهم شهود، وهو يسأله عن أمور الدين ليعلم اصحابه، فقال النبي ژ : (يا عمر أتدري من السائل؟ قال عمر: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) أخرجه مسلم.
ومن تتبع الكتاب والسنة وجد من ذلك الكثير النافع؛ والتنويع في الأساليب أنفع وهو هدي النبي ژ.
هذه جملة مما أحببنا أن نشارك به إخواننا وأخواتنا من المعلمين والمعلمات بمناسبة بداية العام الدراسي أسأل الله للجميع التوفيق والسداد وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم مقرباً عنده زلفى، وأن يصلح نياتنا وذرياتنا ويتقبل صالح أعمالنا ويتجاوز عن سيئها، كما أسأله سبحانه أن يعز الإسلام والمسلمين وأن يُظهر الهدى ودين الحق على الدين كله ولو كره المشركون وأن يجمع كلمة المسلمين على طاعته ويؤلف بين قلوبنا، إنه سبحانه جواد كريم، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(*) المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved