Friday 17th September,200411677العددالجمعة 3 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "أفاق اسلامية"

«الجزيرة» تفتح ملف.. سلوكيات يرفضها الإسلام «34» «الجزيرة» تفتح ملف.. سلوكيات يرفضها الإسلام «34»
الظلم: شؤم في الدنيا وعذاب في الآخرة (2-2)

* الجزيرة - خاص:
تتنوَّع أشكال الظلم وصوره، فقد يظلم الإنسان نفسه فيزج بها إلى المعاصي والذنوب، أو يظلم غيره فيعتدي على حقوقه وحرماته، دون أن يدرك العاقبة الوخيمة لهذا السلوك، في الدنيا والآخرة.
وفي هذه الحلقة نتعرَّف على عاقبة الظلم، وما ينتظر الظالمين من عقاب، جزاء ما اقترفوه من ظلم، وما يترتب عليه من مفاسد.. واعتداء على الحقوق.
جاء الإسلام ليخلص البشرية من أدران الجاهلية وأمراضها، ويقوم السلوك الإنساني ضد أي اعوجاج أو انحراف عن الفطرة السوية، ويقدم العلاج الشافي لأمراض الإنسان في كل العصور القديم منها والحديث، مما حملته العصور الحديثة بتقنياتها ومستجداتها، وهو علاج تقبله كل نفس سوية، ولا ترفضه إلا نفوس معاندة مكابرة، جاهلة، أضلها هوى، أو متعة زائلة.
وقد استوعبت الشريعة الغراء كل ما قد يقترفه الإنسان من ذنوب، أو محرمات في كل عصر، سواء كانت أقوالاً أو أفعالاً، أو حتى ما يعتمل في الصدور من مشاعر وانفعالات، وأبانت أسباب تحريمها جُملة وتفصيلاً في القرآن الكريم والسنة المطهرة، إلا ان الكثيرين مازالوا يسقطون في دائرة المحرمات هذه، إما جهلاً، أو استكباراً، أو استصغاراً لها، أو بحثاً عن منفعة دنيوية رخيصة واستجابة لشهوة لحظية، بل إن بعض هؤلاء يحاولون الالتفاف على حكم الإسلام الرافض لهذه السلوكيات، بدعاوى وأقاويل هشة لا تصمد أمام وضوح وإعجاز الإسلام في رفضه لهذه الموبقات التي تضر ليس مرتكبها فحسب، بل تهدد المجتمع بأسره.
و«الجزيرة».. تفتح ملف هذه السلوكيات المرفوضة، تذكرةً وعبرةً ووقايةً للمجتمع من أخطار هذه السلوكيات، وتحذيراً لمن يرتكبها من سوء العاقبة في الدنيا والآخرة، من خلال رؤى وآراء يقدمها أصحاب الفضيلة العلماء والقضاة والدعاة وأهل الرأي والفكر من المختصين كل في مجاله..
آملين ان تكون بداية للإقلاع عن مثل هذه السلوكيات التي حرمها الله، قبل ان تصل بصاحبها إلى الندم وسوء الخاتمة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
في البداية يقول الدكتور زيد بن عبد الكريم الزيد مدير المعهد العالي للقضاء بالرياض: إن نصوص القرآن الكريم جاءت جميعها مؤكدة لخطورة الظلم، ووعيد الظالمين، فنفت عنهم الفلاح واستبعدتهم من أن ينالهم عهد الله، وبشرتهم بأن الله لا يحبهم، ولا يزيدهم إلا خساراً، وحكمت عليهم بالخيبة وسوء العاقبة، اسمعوا هذه الآيات في كتاب الله جلَّ شأنه:
{إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }، {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}، {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} وإلا فإن الظلم يقع اليوم من كثير من الناس، بسبب ما لهم من ولاية وغفلتهم عن عاقبته وعقوبته.
ويتحدث د. الزيد عن الظلم في الولاية فيقول: كثير من الناس أصحاب وظائف لهم فيها ولاية على موظفين، ويتمكنون بسبب ذلك من حقوق الناس، فيظلم موظفيه، يزكِّي فلاناً لشخصه لا لأمانته، يتهاون في أداء حقوق الناس، وينسى أنه أجير، وإن كان في مرتبة كبيرة يرأس مجموعة من الموظفين، ويقود إدارة من الإدارات، ولا يدري أن حقوق الناس لها مطالب، لا تسقط إلا بتنازلهم عنها، وثق به ولي الأمر ليؤدي الحقوق لأصحابها، ثم يخون من ولاَّه ولا يعدل فيمن تولى عليه.
أما النوع الثاني من الظلم فهو التظالم بين الأفراد، وهذا كثير، فقد تهاون العديد من الناس، وبخاصة أولئك الذين لديهم عمال، أو خدم، تحت كفالتهم ويعملون عندهم، وللظلم هنا صور عديدة: فمنهم من يكلف العامل بعمل ما يشق عليه، ومنهم من لا يهتم بحقوقه في الأكل والشرب والسكن، وكأنه ليس بأخ له مسلم، بل كأنه ليس بإنسان له حقوق ومشاعر، ومنهم من لا يهتم بإعطائه راتبه الشهري المستحق له الذي تغرَّب لأجله، وخلفه أسرة تنتظر هذا الراتب، وهو حق له ليس لأحد فيه معروف، فهو جهده وعرق جبينه، ومع ذلك يتثاقل الكفيل، ويسوِّف، ويؤجِّل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه).
والنوع الثالث ظلم بعض الأزواج لزوجاتهم، فلا يهتم بها، ولا يقوم بما يجب لها من حقوق شرعية، سواء في النفقة، أو التعامل الحسن، والكلمة الطيبة، والاحترام والتقدير المطلوب بين الزوجين، والوفاء لها، وتقدير ضعفها وعاطفتها، وحاجتها، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم خلقاً)، ويظهر الظلم بصورة أوضح عند بعض الذين لديهم أكثر من زوجة، فينسى حقوق بعض تلك الزوجات اللاتي عاش معهن سنين طويلة، ويميل إلى البعض الآخر، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان للرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط).
أما النوع الرابع فظلم بعض الأولاد، فبعض الناس لا يحسن العدل بين أولاده فيظلم بعضهم، ويشعر أحد الأولاد ابناً أو بنتاً بميل الأب إلى غيره، وتلك مشكلة يغفل عنها الكثير من الآباء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (اتقوا الله واعدلوا في أولادكم).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.
ويتساءل د. الزيد من يجرؤ بعد هذا الوعيد على شيء من الظلم؟ والرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن لنا أن دعوة المظلوم مستجابة: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب)، ودعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً، لأن فجوره لا يجيز التعدِّي عليه، وفي الحديث عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ودعوة المظلوم رفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين) وعن أبي الدرداء قال: (إياك ودعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كشرارات نار حتى يفتح لها أبواب السماء).
ويقول د. الزيد: وعلى كل من يقع في شيء من الظلم أن يعلم أن صاحب الحق وإن لم يستوف حقه اليوم فسوف يستوفيه، في موقف أشد صعوبة، وأقسى، يوم يقوم الناس لرب العالمين، غداً يوم القيامة، يستوفيه حينئذ خيراً من ذلك، حسنات هي خير من الدنيا وما فيها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه.
أهلكناهم لما ظلموا
من جانبه يرى الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء بالرياض أن ما يصيب الناس من شؤم وبلاء، ونكد وشقاء، وما يحيق بالأمم الماضية والمجتمعات الحاضرة، والأفراد والدول من زلازل ومحن وكوارث وفتن، إنما مرده إلى الظلم في غالب الأحيان مصداقاً لقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا}، {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.
ويقول د. السلمي: إن الناظر اليوم في أكثر بلدان المسلمين وأحوالهم ليحزنه ما يشاهد ويسمع من تفشٍ للمنكرات، وإيغال في الدنايا والموبقات، بل ونبذ لشريعة الخالق جل وعلا، وتحاكم إلى قوانين الخلق، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فالظلم هو أبشع جريمة عرفتها البشرية، وهو سبيل التهلكة، وفشو الهمجية، لان مرتعه وخيم، وعاقبته سيئة، سلبت به الخيرات، ونزعت البركات، يحتبس به القطر من السماء، وتحل النقم والعمياء، ويرتفع السعر والغلاء، وتنتشر الأمراض والوباء، كما أنه مزعزع الأمن والاستقرار، وعدو الطمأنينة والازدهار، والأنفس الأبية يؤلمها الضيم ويجرحها الظلم، ولقد ذكر الظلم في مجلس ابن عباس رضي الله عنه فقال كعب الأحبار: (إني لا أجد في كتاب الله المنزل انه الظلم يخرب الديار) فقال ابن عباس رضي الله عنه: أنا أوجدكه في القرآن، قال الله عز وجل: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا}، قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: (إن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة)، ويروى (الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة).
ويتساءل الدكتور السلمي: كيف لا؟ والظالم يتسلط بقسوة قلبه على حقوق وأجساد المستضعفين، غير مكترث بآلامهم وأناتهم، ولا بصياحهم وصرخاتهم، وقد نضب خلق الرحمة من قبله، وأقفر سمت العدل من فؤاده، فانحرف عن الحق، وتجبر على الخلق، كما أنه غرق في سبات التعالي والبطر، متحجر العاطفة، ولم يتذكر العاقبة، متبلد الإحساس، ولا يراعي حقوق الناس، مفقود الندى، والظلم ظلمات بعضها فوق بعض، فمنها ظلمات تكاد السماوات يتفطرن منه، وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولداً.. فالشرك مع الله وبالله هو أعظم الظلم وأبشعه، وأفظعه وأشنعه، قال لقمان الحكيم: (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) وقال تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
أنواع الظلم
والظلم أنواع كثيرة وشعب متفرقة، فالشرك في عبادة القبور
ظلم، وتحريم الحلال ظلم، وتحليل الحرام ظلم، والتحاكم إلى الدساتير والقوانين الوضعية ظلم: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، ومن الظلم أيضاً التدليس في عرض حقائق الإيمان وتحريف شريعة الرحمن، وعدم تكفير أهل الكفر والطغيان.
كذلك من أنواع الظلم ظلم العباد في أنفسهم وعقولهم وأموالهم وحياتهم وأهليهم، ومن صور هذا الظلم ظلم الجار لجاره، يظلمه في معاشه، أو بأولاده بالضرب أو السخرية، أو بتسليط الأصوات والأغاني عليه، أو بمعاكسات أولاده لبناته، وغير ذلك مما هو جارٍ ويجري عند بعض من لا خلاق لهم، أيضاً من الظلم عضل البنات عن الزواج، فبعض الآباء يمنع بناته من أغلى وأعز شيء وهو الحب الحلال، يمنعها من الحياة السعيدة، ويمنعها من حنان عاطفة الأمومة، همه فقط جمع الأموال؟ والعيش في الأماني والآمال والاستيلاء على رواتبهن بالقوة والسلاسل والأغلال، مما قد يحدو بهن إلى فعل الحرام، ومن الظلم كذلك ما يحصل من بعض الأزواج لزوجاتهم، وقد أخذ ظلم الزوجات مظاهر شتى وصوراً متنوعة، ومستقل ومستكثر، فمن ذلك أذيتها وإهانتها، بل وللأسف ضربها وعقابها، وحين يرغب في مفارقتها فلا يطلِّق أو يسرِّح بإحسان، بل يلجأ إلى تنغيص حياتها بشتى الوسائل والطرق التي تصم الآذان، لكي تفتدي نفسها وتعطيه أموالها، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ}.
كما أن من المعددين من يميل إلى إحدى زوجتيه ويجعل رغد العيش والحب والحنان إلى إحداهن ويستنكف أن يعدل إلى كلتيهما.
عين المظلوم ساهرة
ويخاطب د. السلمي الظالمين ناصحاً فيقول: أيها الظالم لئن كانت عينك في الليل نائمة، فاعلم أن عين المظلوم ساهرة، ولئن كان عيشك في رغد وهناء، فإن عيش الظالم في نكد وبلاء، فكيف تتطاول على الظلم وتلك عاقبته وذاك مصيره، تذكر يوم تجد جزاءك عاجلاً، وعقوبة ظلمك محضراً، فمع هدأة الليل وسكون الظلام، واغترار الظالم والناس نيام، يهرع المظلوم إلى رب الأنام، فيفشي سره، والله لا يخفى عليه شأنه وخبره، متقلباً على فراشه يئن ممن ظلمه، وهتك ستره، وعاقبه وآلمه..
قال عليه الصلاة والسلام: (واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب)، أما المظلوم فسوف ينال حقه عاجلاً أم آجلاً .. قال عليه الصلاة والسلام: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء).
هضم حقوق الناس
أما الشيخ عبد المجيد بن محمد العُمري فيقول: إن الإسلام حرَّم أي معاملة يترتب عليها الاعتداء على الناس ظلماً وعدواناً، حفاظاً على الحقوق، وصيانة للأنفس والأموال والأعراض من أن تنتهك أو تسلب، وأن تظلم الأنفس بغياً وعدواناً وبما يتنافى مع روح الرحمة والتعاون التي جاء بها الإسلام، إلا أن أنواع الظلم والاعتداء على حقوق الناس تأخذ صوراً كثيرة، واشكالاً مختلفة، فمنها:السرقة، والغش، وتطفيف الكيل والميزان، وبخس الناس أشياءهم، ومنها ما يأخذ في صورة استغلال حاجة الإنسان كالربا، أو استغلال النفوذ كالرشوة، وغير ذلك من الاعتداء على حقوق الناس وظلمهم، وقد جاء النهي عاماً لكل ما فيه أكل لأموال الناس بالباطل، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا}.
ويتساءل العُمري إذا كان الله سبحانه وتعالى حرَّم ترويع المؤمن، فكيف بظلمه؟ فعن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أخاف مؤمناً كان حقاً على الله ألا يؤمنه من فزع يوم القيامة) رواه البيهقي، وروى عامر بن ربيعة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً أخذ نعل رجل فغيبها وهو يمزح فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تروعوا المسلم، فإن روعة المسلم ظلم عظيم) رواه الطبراني، بل حتى مجرد النظرة المخيفة يعتبرها الإسلام ترويعاً، ويحرمها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نظر إلى مسلم نظرة يخيفه فيها بغير حق أخافه الله يوم القيامة) رواه البزار والطبراني.
فالإسلام هو دين الأمن والسلام، لا يرتضي الظلم والعدوان، وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم على حرمات المسلمين قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى، حفاظاً عليهم وعلى أمنهم واستقرارهم بعده، فكانت وصيته للمسلمين في خطبة الوداع متضمنة لهذه المعاني حيث قال صلى الله عليه وسلم: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللهم فاشهد كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) متفق عليه.
القرآن وركائز الإيمان
والقرآن الكريم حدد أصول الحق وركائز الإيمان، صيانة للأصول الأساسية لحقوق الإنسان في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ}، وعندما يؤدي المسلم حق أخيه المسلم فقد صان حقه وحق أخيه، وفي الوقت الذي يدعو الإسلام إلى كف الظلم عن الآخرين فإنه يحث على ردع الظالم عن أن يظلم غيره، والأخذ بحق المظلوم، ورد الظالم عن ظلمه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) قالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال: (تأخذ فوق يديه)، ففي هذا الحديث النبوي الشريف دعوة للمسلمين إلى كف الظالم عن ظلمه بالفعل إن لم يكن بالقول.
ويضيف الشيخ العُمري أن التوجيه النبوي الشريف يحمِّل كل إنسان مسلم مسؤوليتين تجاه إخوانه، وأولى هذه المسؤوليات مسؤوليته تجاه المظلوم، وذلك برد الظلم عنه، والدفاع عنه، ونصرته، وإعادة الحق إليه، والثانية تجاه الظالم، وذلك بكفه عن ظلمه، فالظلم ظلمات يوم القيامة، وتعاون المؤمنين مع بعضهم البعض دلالة على صدق إيمانهم: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}، فالتعاون على الخير دليل على صدق الإيمان، وبُعد المسلم عن أخيه المسلم وعدم مساعدته أو مشايعته للظالم دليل على غيه وبغيه، مصداقاً لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
وليعلم كل ظالم أنه مهما تمتع بظلمه في وقت يسير فإنه لن يفلت من حساب رب العالمين، وإن نهايته آتية لا ريب فيها، وإن حسابه عند الله تعالى كبير فلن يدعه، بل إن الله يملي للظالم، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الله عز وجل يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} رواه مسلم، لذا على كل مسلم بدرت منه مظلمة تجاه العباد، أن يبادر بالتوبة فلقد شرع الله لعباده التوبة من جميع الذنوب، قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وقال جل وعلا: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved