Friday 17th September,200411677العددالجمعة 3 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "أفاق اسلامية"

حادثة وحديث حادثة وحديث
فتنة التكفير (4-8)
عبيد بن عساف الطوياوي ( * )

وفتنة التكفير - قديماً وحديثاً - لها أسباب كثيرة منها عدم الأخذ بفهم السلف للنصوص: وهذا سبب رئيس في ظهور الفكر التكفيري.. فلا يجوز للمسلم أن يستقل بفهمه للنصوص أو ينظر إلى مذاهب أهل الكلام وأقوال الرجال دون الرجوع إلى فهم السلف خصوصاً في مسائل الاعتقاد، فإن الذي فرَّق بين أهل السنَّة وغيرهم هو الأخذ بمذهب السلف وإلا فأهل البدع يستدلون بالنصوص فمثلاً الصوفية يقولون: (الله في كل مكان بذاته) ويستدلون بقوله تعالى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } فهم يستدلون بآية من القرآن، ويستدلون بقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عُنق راحلته).. والخوارج يستدلون بكفر مرتكب الكبيرة بقوله تعالى {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} وبقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، فأهل البدع والضلال يستدلون بالنصوص، لكنهم لا يقيِّدونها بفهم السلف الصالح، ولذلك لما ضلت الخوارج في تفسير قوله تعالى {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} كفَّروا علياً رضي عنه ومن معه وخرجوا عليهم وأوجبوا الجهاد ضد علي رضي الله عنه وقالوا من لم يهاجر إلينا وينزوي معنا فهو كافر.
روى عبد الرازق بسند صحيح عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: (ناظرت الخوارج فحاجوني..) لأنهم أصحاب استدلال كثير بالنصوص وأصحاب غيرة كما قال عليه الصلاة والسلام: (يقولون من قول خير البرية) فاستدلالاتهم بالنصوص كثيرة - قال ابن الزبير: (ناظرت الخوارج فحاجوني, فذهبت إلى أبي - الزبير بن العوام - فأخبرته.. فقال ناظرهم بسنة أبي بكر وعمر، فذهبت فناظرتهم بسنة أبي بكر وعمر فما قاموا وما قعدوا).
ومن الأسباب أيضاً: الغيرة غير المنضبطة: فإن الخوارج عندهم غيرة على الدين حتى إن الشخص إذا جالسهم فإنه يراقب نفسه خشية الوقوع في الخطأ، من شدة غيرتهم وحرصهم، لكنها غير منضبطة بضوابط الشرع.. فانظروا مثلاً إلى الحديث الذي ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قسَّم المال وأعطى المؤلفة قلوبهم كالقعقاع بن عمرو وعروة الطائي وجماعة، وترك بعض الصحابة ووكلهم إلى ما في قلوبهم من الإيمان - جاء ذو الخويصرة - فقال: (اتق الله يا محمد) انظروا!!! يتكلم من منطلق الغيرة، ويُذكر بالتقوى.. وفي رواية: (اعدل يا محمد) يطالب بالعدل ويطالب بالتقوى، فقال صلى الله عليه وسلم: (ويلك من يعدل إن لم أعدل؟
ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خير الله صباح مساء).. فهذا الرجل عنده غيرة، ويجاهد مع الصحابة ويصلي مع الصحابة ولكن غيرته غير منضبطة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في تلك القسمة يتعامل مع الناس بالعدل والحكمة، حيث أعطى المؤلفة قلوبهم خشية أن يرتدوا، وترك من كمل الإيمان في قلوبهم ووكلهم إلى ما في قلوبهم من الإيمان، وهذا من باب مراعاة المصالح ودرء المفاسد.
فهذه مسألة مهمة لا بد من التنبه لها: ان الغيرة لا بد وأن تكون منضبطة بضوابط الشرع، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في العقيدة الواسطية وهو يذكر خصائص أهل السنَّة: (ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة) أ هـ إذ ليس كل أمر بالمعروف وليس كل نهي عن المنكر يكون موافقاً لشرع الله.

حائل: ص.ب 3998


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved