Friday 17th September,200411677العددالجمعة 3 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

بين إطلالة الظواهري واحتفالات بوش في ذكرى أحداث سبتمبر بين إطلالة الظواهري واحتفالات بوش في ذكرى أحداث سبتمبر
سيد الجعفري

(لقد انتهت لحظة المحافظين الجدد). كانت تلك هي جملة الصدارة التي افتتح بها ج. جون إيكينبيري -أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون بواشنطن دي. سي- دراسته التي نُشرت في مجلة Survival الصادرة عن معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن (عدد ربيع 2004م) والتي حملها إلينا مترجمةً إلى العربية العدد الجديد من المجلة العربية للدراسات الدولية التي يصدرها المركز العربي للدراسات الدولية ببيروت.
لقد اعتمد الكاتب، وهو يطلق تلك الجملة قليلة الحروف عظيمة الدلالة، على بُعدٍ اقتصادي خطير يتمثَّل في التكلفة الباهظة للسياسة الخارجية الأمريكية التي تقوم على الضربات الاستباقية وفق المبدأ الشهير (الهجوم خير وسيلة للدفاع)؛ ليخلص إلى أن نزوع الولايات المتحدة إلى الانفرادية بعيداً عن الغطاء الدولي يرهق كاهلها؛ مما قد يدفع إلى رفع الضرائب على المواطن الأمريكي.
وقد عنى الكاتب بالمحافظين الجدد أولئك الجمهوريين أصحاب الفكر الأصولي الذي انطلق بعد أحداث سبتمبر في ظل ازدياد مخاوفهم من الإرهاب، وازدراء نزعة السلام الأوروبية، وعدم رغبة أوروبا في تحمل مخاطر كبيرة تجاه العالم، منطلقين في ذلك إلى أحادية القوة الأمريكية وإحكام هيمنتها على العالم من خلال لعبها دور المُصلح الذي يدعو إلى نشر الديمقراطية في كل مكان. وكان غزو العراق هو خير مثالٍ لهذا النهج الجديد في السياسة الخارجية الأمريكية.
ويبدو أن الكاتب قد أغفل عن عمدٍ دور المقاومة التي تتعرَّض لها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وغيرهما، بل وفي صدور الجنود الأمريكيين أنفسهم وهم يُودِّعون كل يوم رفيقاً قد يتلوه آخر. تلك المقاومة التي أقضَّتْ مضاجع الأمريكيين في كافة المدن الأمريكية قبل أن يُسَارع بعض المحلِّلين إلى القول بأن الولايات المتحدة قد دخلت نفس النفق المظلم الذي دخلته إبان حرب فيتنام.
قبل أيام قلائل أطلَّ علينا أيمن الظواهري -الرجل الثاني في تنظيم القاعدة- ليُذكِّر العالم بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، حينما اهتزَّت نيويورك وواشنطن على إيقاع الطائرات وهي تصطدم بِبُرْجَي التجارة ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في عمل إرهابي غير مسبوق.
لقد أطلَّ علينا الظواهري ليُعلن للجميع أن القاعدة كتنظيم لم يزل موجوداً، مدَّعياً بكل وضوح أن هزيمة أمريكا ليست إلا مسألة وقت، مدَّعياً سيطرة القاعدة على الجنوب الأفغاني، وزاعماً أنها تكيل الضربات الموجعة للولايات المتحدة الأمريكية.
وفي الخلفية الأخرى، كان الرئيس الأمريكي جورج بوش ورجاله من المحافظين الجدد؛ أمثال دونالد رامسفيلد، يتسابقون إلى محلات الزهور وفي أيديهم وعلى شفاههم كؤوس الأسى على ضحايا أحداث 11 سبتمبر الأبرياء، وراح بوش يأسى على مئات الضحايا الأبرياء التي خلَّفتْهم الأحداث في بضع دقائق، وهو يُعزِّي نفسه بما فعله رجاله بعد ذلك من ردعٍ حاسمٍ للإرهاب، وكأنه لا يُدرك أن لون الدم الأحمر القاني في العراق قد بدا واضحاً وهو يهطل مع شفافية كأس أساه المرير.
بين مشهد إطلالة الظواهري واحتفالات بوش يبدو الأخير كأنه يحاول أن يبرِّر سياسته الخارجية في محاولة لرأب الصدع الذي تتعرض له حملته الانتخابية قبل أسابيع قليلة من الحسم في نوفمبر المقبل. ولعلَّه قد قرأ مدى الفشل الذي مُنِيَتْ به سياسته الخارجية في العراق وفي غيرها من القضايا.
لقد حاول بوش أن يطبع سياسة الولايات المتحدة الخارجية بعد أحداث سبتمبر بالانفرادية في اتخاذ القرار بعيداً عن سياسة الغطاء الدولي التي كانت تنتهجها دائماً كنوع من الدعم والشرعية على نحو ما فعلتْ في حرب كوسوفا التي أدارتها تحت غطاء حلف شمال الأطلسي.
فراح بوش بعيداً عن غطاء الأمم المتحدة يبحث عن غزو العراق، ولكننا رأيناه تحت وقع سنابك التكاليف الباهظة للحرب، وضغط المقاومة التي يتعرض لها جنوده في العراق، وتَعَالِي الأصوات الداخلية نحيباً على القتلى الأمريكيين هناك، يتَّجه من جديد إلى أروقة الأمم المتحدة على أمل استصدار قرار بإنشاء قوة متعددة الأطراف في العراق.
إِذَنْ، فسياسة بوش الانفرادية في الآونة الأخيرة بدأت تتَّسم بالتراجع والهدوء، إدراكاً منه للواقع الذي فرضه المستنقع الذي دخله في العراق، وهو ما يذكِّرنا بالإسراع الأمريكي في الانسحاب من لبنان عقب تفجير السفارة الأمريكية في بيروت والهجوم بشاحنة ملغَّمة على مقر ثكنة البحرية الأمريكية ببيروت أيضاً في عام 1983م، وهو ما أدَّى وقتها إلى تقليل التورُّط الأمريكي في الحرب الأهلية اللبنانية. لذلك فإن المواطن الأمريكي الذي يَعِي التاريخ وهو يجترُّ ذكريات مستنقَعَي الصومال وفيتنام سيهرول في نوفمبر المقبل إلى صناديق الاقتراع ولا يحمل بين طيَّات ملابسه سوى ورقة وحيدة، سطَّر فيها عبارة بسيطة: (إمَّا نعم لكيري، أو نعم لبوش).. فلننتظر!!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved