باختصار
العالم كما يراه بوش
نورة المسلّم

يهرب الناس عادة من مآزق الحياة وواقعها البشع إلى جوانب أخرى أكثر مرونة، وهي تصور بأشكال مختلفة ترفيهية، أو ربما بمنطق أخف وطأة من زئير الأحداث الصارم.
على هامش هذا الواقع، نجد أن القفز على الأحداث بأشكالها كافة يأتي عبر براعة بعض المخرجين والمبدعين وهم يلتقطون مشاهد الحقيقة من اتجاهات أخرى، كمنظر العالم المتأزم بهذه الأحداث المتتابعة، والتعبير عنها بما قد يجده العامة ماثلا، لكنه غير ناطق بنقاط التفسير وتوقفاتها.
أحدهم كان (وليام كاريل) وهو مخرج فرنسي لفيلم وثائقي احتكرت بثه القناة الفرنسية الأولى، يحمل عنوان (العالم كما يراه بوش)، يأتي بأسئلة عديدة منها على سبيل المثال: هل العالم غبي إلى هذا الحد؟ وإن كان هذا التحريض دافعاً للتعرف على مقود هذا العالم ومحركاته المتداخلة بالمصالح والاستراتيجيات والخطط البعيدة جدا عن أفق المنطق البسيط العام.
كان محور الفيلم يتركز على نظرة (بوش) للعالم الذي يدير دفته، وما ترتب على ذلك من زلازل وبراكين أيقظت حمماً متداخلة وغير منطقية، كما لو أن الكون بأكمله يخبط بعضه بعضاً في حين يبدو الآن أن السياسة ليست وحدها من يرقص على أنغام المصائب، وأن جل المصائر لشعوب العالم تبدو في خندق واحد بهويات متعددة وملونة لكنها تنتهي إلى آلية واحدة. كما أن ثمة عوامل أخرى تتناغم جميعها على أداء رقصة الموت والجنوح بالعالم إلى الدمار والجنون.
ولو تأملنا مفارقات هذا الوقت التي ركزت جميعها على أداء (بوش) بعيدا عن سخرية الدراما التصويرية في هذا الفيلم وما سبقه مثل (فهرنهايت 11-9) لوجدنا أنها تركز على أداء شخص حكم العالم، وأن المفارقات أظهرت غرائب تعتبر في عداد النوادر، كون ثماني سنوات فقط كانت فاصلا زمنيا بين حكم (البوشين) الأب والابن، وهي تحسب في عداد السوابق التاريخية لبلد كالولايات المتحدة، بينما كانت الروئ التي واصل العمل التركيز عليها أن بوش غير مؤهل للرئاسة، في حين أن الكوارث التي تصيب هذا العالم نتاج رعونة السياسة، وكان بوش أحد ضحاياها، حيث اختطف من حياة بسيطة، وعقلية ابسط وثقافة عادية ليصبح رئيسا لأكبر دولة في العالم. ولم تكن نظريات التطرف التي يتبادلها العالم الآن بملل وأطياف وعقائد شتى، هي المصير المشتعل الآن فقط، بل إن ماضيا مضنيا ومحيرا يسير خلف هذه الاختراقات، منها تزويد رئيس نظام العراق السابق بأسلحة الدمار في حروبه ضد جيرانه، ثم يتم اختراق بلد بكامل أهليته وقواه بحجة البحث عن هذه الأسلحة التي يبدو أنها قد انتهت بانتهاء حروب ذلك البلد المختطف ضد معارضيه في الداخل والجيران.
الطريف في الأمر هو ما تتناقله الوكالات الإخبارية في لقاءات مع بعض من عملوا في الجهاز الأمريكي من آراء حول رئيس العالم حيث ذكر أحدهم أن الرئيس الحالي لا يعرف الكثير عن العالم كأنه لم يزر بلدا أجنبيا واحدا، كما يردد أمريكيون آخرون أن أحداث سبتمبر خدمت بوش، فقبلها لم يكن يملك برنامجا، أما آراء بعضهم الآخر فترى أنه أسوأ رئيس مرّ على الولايات المتحدة وأن بعض الأمريكيين سعداء به لأنهم لا يدركون حجم غبائه!
موجز كل ذلك يشير إلى قدرة أمريكا الخارقة على صناعة أعدائها، في حين سجلت نهاية الفيلم مربط الفرس حول الحرب على العراق بأنها (كذب وافتراء)، بينما تؤكد لنا مرابط أخرى كضحايا أو متفرجين أنها ليست أكثر من غباء وغباء.