Thursday 30th September,200411690العددالخميس 16 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

لما هو آت لما هو آت
لا محطة للأمان!
خيرية إبراهيم السَّقاف

كان علينا مغادرة القطار
لم تشأ السهوب الخضراء أن تدع لأخيلتنا مواصلة الرحيل مع انسيابها الأخاذ، الصافرة كانت كمفصل الباب تخرجنا منها، لتأخذنا إلى وقفة صمت...
تلك الأحلام في معية السهوب وانثيال الأماني، وتدفق التطلعات لم تشأ لها صافرة القطار أن تتواصل، ثمَّة حقيقة بأنَّ لا استمرار البتّة في أمر واحد!! حتى إن كان طريقاً يمتد من جهة في مؤشر البوصلة إلى أخرى...، أو كان (مجرد) حلم، فإنَّه لن يطول...
ترجَّل من أراد لاستنشاق البياض في خضرة المكان...
وشئت فقط ملامسة الهواء...
شئت أن أؤكد لي أنَّني في واقع ألمسه، ولو عن طريق إحساس يمرَّ بوجهي المنهك من رحلات الدروب...، وانتظار ما يتمُّ باقة الأحلام...
استوقفتني عيناي...
على بُعد أمتار قليلة من جسد القطار، وهو يقف برفاهة، لكنها ذات فخامة، كان هناك رجل يحرث في خضرة بقعة تبدو تحت قدميه تؤكد انتماءه إليها، وانتماءها إليه...
يا الله، كيف هو الانتماء إلى ما تحت الأقدام؟
وثمَّة يوم يكون هذا الواقف موطئ قدميها؟
اقتربت منه بعد أن أمدَّتني قدماي بقدرة الانتقال إليه:
مَن أنت؟ قلتها، ولم تكن هي اللغة التي تجمعنا، حاولت أن أستنهض الذاكرة بشيء من مخزون قديم، فجاءتني تهرول بشيء غير قليل..
يا الله، إنَّه يفهمني... فإذا هو عجينة الأرض، رائحته هي، وجلد يديه، وآثار قدميه، وأنفاسه المتلاحمة بذرّاتها، وقطرات من دمه حين تشتاكه شذرات أخشابها، أو شوك أشجارها، أو وقعة خاطئة من فأسه، أو محراثه... عند تعثّره بحجر في باطن تربتها، أو تصادمه بجذع نام في أمان ماضيه في عمقها... ودموعه حين تحتاج إليها في لحظة عطش لا ترتوي حدَّها إلا بدمعه...
وصافرة القطار تشير باستدعاء عودة.. لحظات ويوشك أن يغادر
في وجهه مسحات من درب القطار...
تتعرّج بوصلات ألمٍ تبحث عن وجهة لها...
تتلوَّن موجات كدٍّ، تستقرُّ في شاطئ حيرة سؤال يفرُّ من خطوطها إلى عمق سؤال؟
قدمٌ إليه؟
وقدمٌ إلى القطار؟
يدٌ تلوّح للانتظار؟
ويدٌ تلوّح له؟
وصوتي يتلاقى صوته؟
أجابته عن السؤال: حين يسأل العابرون عن الأرض يقال لهم: إنَّها لمن اشتراها بماله...
وحين يكون السؤال لها، فإنَّها لي...
وعاد بنا القطار...
لكن السهوب الخضراء، وانسياب الطريق بعد هذه الوقفة لم تعد شحنة التفكير فيها، توقف الحلم، الخيال، الفكر هناك.. حيث فصل القطار في تلك البقعة بين الحقيقة والواقع، بين مَن فوق الأرض ومَن في ذراتها، بين مَن يصنع وبين مَن يتزيّا!
و... اختلف الإحساس؛ إذ صدقاً ليست هناك نهاية ينتظر فيها الأمان!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved