سنوات الانتفاضة

رأت إسرائيل اللجوء إلى التصعيد في الذكرى الخامسة لانتفاضة الأقصى ، وكأنها عازمة على الوصول بعدوانها إلى أقصى درجات التصعيد ، أو إقناع الفلسطينيين بأنه قد آن الأوان للخضوع لها ، غير أن الفلسطينيين من الجانب الآخر يرون أن دماء الشهداء التي تروي أرضهم صباح مساء لن تضيع سدى بسبب هذا التصعيد الإسرائيلي ، وان الهجمة الإسرائيلية الشرسة لن تحد من وتيرة مقاومتهم أو تجعلهم يتراجعون عن الاحتجاج على هذا الظلم والعدوان .
وخلال اليومين الأخيرين سقط ما يقارب الـ 15 شهيدا في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وهو عدد يضاف إلى مئات الشهداء خلال سنوات هذه الانتفاضة الثانية التي تكرس حقيقة نضال دؤوب لا يفتر ، كما تغذي دوافع النضال لدى الأجيال الفلسطينية وتؤجج من نيران الغضب ضد المحتل .. وفي كل مرة تعتقد إسرائيل أنها بصدد إنهاء هذه الحركة النضالية المتفردة ، من خلال اللجوء إلى الأساليب القمعية اللاإنسانية ، فإنها تدفع - دون إدراك منها - المزيد من الإصرار في نفوس أبطال الانتفاضة على مواصلة نضالهم وعدم الخضوع لإسرائيل مهما بالغت في قسوتها وجبروتها.
وتصل الأمور في الواقع إلى درجة بالغة من التوتر بين كل حين وآخر ، مع أعداد لاحصر لها من الشهداء والجرحى ، فضلا عن التدمير المتواصل لمرافق البنية الأساسية بما في ذلك المنشآت العامة ، إلى جانب تدمير المئات من المنازل وتجريف الأراضي الزراعية ، وإلى جانب جهد إسرائيلي متصل لإشاعة قدر من الفوضى في الحياة الفلسطينية من خلال كل ذلك التخريب ، والهدف هو خلق حالة من الإحباط في الشارع الفلسطيني يقصد منها أن تؤدي إلى اليأس ومن ثم الاستسلام والخضوع للمحتل الإسرائيلي.
الرهان الإسرائيلي بهذا الصدد يدخل في باب المستحيلات ، فالحقائق على الأرض تقول إن الحالة الفلسطينية غير قابلة للمعالجات الإسرائيلية القمعية ، حيث أصبح النضال جزءا من الحياة الفلسطينية التي لن يستقيم لها وجود أو طعم دون التصدي اليومي لهذا التحدي الإسرائيلي.
وبالنسبة للعقلية الإسرائيلية فإنها لا تستطيع استيعاب هذا التفرد والتميز في بناء الشخصية الفلسطينية التي تتمحور حياتها بشكل أساسي حول القضية ، مع دوافع حية وكامنة على الدوام للتصدي والمواجهة ، بل والتضحية بالنفس في كل وقت.