Thursday 30th September,200411690العددالخميس 16 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الطبية"

«م. ن. س» يروي قصته مع المخدرات «م. ن. س» يروي قصته مع المخدرات
ظروف أسرية وصديق سوء وسيجارة حشيش قادتني لعالم تعيس

  الظروف الأسرية ورفقاء السوء يشكلان أسباباً رئيسية للوقوع في المخدرات هذا ما تؤكده قصة الشاب (م ن س) التي تعرضها لنا اليوم إدارة العلاقات العامة والإعلام الصحي بمجمع الأمل للصحة النفسية بالرياض بهدف التوعية والتحذير من أخطار آفة المخدرات.
نترك الحديث للشاب (م ن س)الذي بدأ يحكي قصته من البداية حيث يقول:
كنت شاباً عُرف عني الدين وحسن الخلق والتفوق الدراسي وحرص الجميع على الجلوس معي واحترام الصغير والكبير لي. وكنت أمر ببعض الظروف الأسرية الصعبة نوعاً ما ومررت بشيء من الهموم والغموم حتى وصلت الصف الثالث متوسط.
وذات يوم أتى إليّ أحد رفقة السوء وقال: أنا عندي ما ينسيك همك وسأدلك على شيء تنسى معه همومك وغمومك فقط جرب واتبع نصيحتي لك. فقلت له: وما ذاك؟؟! قال: خذ. ومدّ لي بسيجارة حشيش، - رغم أني لم أكن أدخن - وجعل يشرح لي ما ستجلبه لي هذه السيجارة من السرور والمتعة!!.
ولم أشعر بنفسي إلا وأنا آخذ هذه السيجارة دون تروٍ أو تفكر أو تأمُّلٍ لما سيترتب على تعاطيها. وقلت في نفسي إنها تجربة وبس!!؟ ولن أعود إليها، ولم أكن أعلم أنها بداية نهايتي وأنني سأنتقل بهذه القطعة إلى دنيا من الألم وعالم من الضياع والخسران. بعدها كان الشيطان يسوِّل لي أنني بتعاطي الحشيش سأنسى كل شيء وسأكون سعيداً بينما الواقع كان خلاف ذلك بل كنت تعيساً ولم أجد ما أريده وتأكدت أنها أوهام فقط وأنني أصبحت أسيراً لهذه القطعة اللعينة!!. وبدأ مستواي الدراسي بالتراجع وكان الكل في المدرسة يدركون ذلك، حتى أنني لم أستطع أن أستمر في الدراسة النهارية بل تحولت للدراسة في الفترة الليلية.
وانتقلت خارج الرياض بعيداً عن أهلي وقرابتي للالتحاق بالسلك العسكري وأنا أواصل الدراسة في الليل، ولم يكن يعلم أحد عن هذه السموم التي كنت أتعاطاها.
أدمنت على الحشيش وأصبحت لا أستطيع أن أتركه ولا أن أمشي من دونه. استمررت على التعاطي لمدة ثلاث سنين تقريباً دون أن يعلم عني أحد إلا رفقتي الذين كنت ألتقي معهم لفعل ما يغضب المولى عز وجل، حتى أتى ذلك اليوم الذي كنت أحمل فيه قطعة من الحشيش وعند إحدى نقط التفتيش تم القبض عليّ ودخلت السجن بتهمة حوزة الحشيش، وبعد القبض عليّ شاع الخبر وخسرت سمعتي وفقدت ثقتي في نفسي وفقد أهلي وأقاربي ثقتهم فيّ وكان الخبر بمثابة الصدمة على كل من كان يعرف من كنت وكيف أصبحت بفعل هذه السموم.
بعد الخروج من السجن
خرجت من السجن وأنا أبيت نية التعاطي ولم أتعلم من هذا الدرس، بل أحسست أن نظرات المجتمع ستلاحقني في كل مكان. وكنت من داخلي متأثراً جداً بهذه المرحلة التي وصلت إليها رغم أني لم أكن أتوقع في يوم من الأيام أن أصبح في نظر الناس (ذلك الشاب المتزن والخلوق) أصبح مجرماً ومدمناً وخريج سجون كما يقال!!. بعدها انجرفت في عالم آخر ولون جديد من ألوان التعاطي وهو (شراب الكحول)، وأقلعت عن الحشيش تماما بمحض إرادتي، وكان تحولي للشراب هو للبحث مجدداً عن السعادة ولعلي أنسى همومي التي أسعرتها أنا وسلكت الطريق الخطأ، وبقيت أيضا سنوات وأنا أتعاطى الشراب رغم صغر سني ولم أكن مجداً في عملي كما ينبغي وكان كل ما يسيطر عليّ هو كيف أحصل على هذه السموم وكيف أجد المال الكافي ولم أكن ألتفت لما تعانيه أسرتي من ويلات الحياة وتعليقها أمل النجاة علي بعد الله بحكم أني أكبر إخوتي وأبي وأمي بلغا من الكبر مبلغاً عظيماً بل تبدّد هذا الحلم بمجرد القبض عليّ ودخولي السجن بعد أن تيقنوا أني أصبحت مجرماً ومدمناً ولم أعد أنفع.
يا الله كيف سعيت بنفسي للهلاك!! ويا الله كيف تفعل المخدرات بمن يتعاطاها.. يصبح أسيراً لها.. يعطيها كل شيء من ماله وصحته ولا تعطيه إلا النكد والوهم واليأس والضياع والخسران في الدنيا والآخرة.. موقف أتذكره جيداً هو أننا كنا في شقة أحد أصدقائي ذات ليلة نستعد فيها لتغييب عقولنا بأيدينا وكان لنا صديق آخر أتى لتوه من السفر وهو لم ينم ويشعر بإرهاق شديد، ولما تناولنا الكؤوس وبدأنا نشرب الحرام!! تناول هو الآخر كأساً وشرب فلم يكن منه إلا أن توجه لدورة المياه ووضع رأسه داخل (البالوعة) أكرمكم الله وبدأ يصرخ ويصرخ!! فحاولنا أن نخرجه ولكنه لم يستجب لنا، وأبى أن يفتح فكسرنا الباب ودخلنا عليه وإذ هو في وضع سيئ للغاية فحملناه للمستشفى وكان يصرخ بقوة ويحاول فتح باب السيارة ليقفز خارجها من شدة ما يجد!!! استقبله قسم الطوارئ بعد ما ظننا أنه سيفارق الدنيا وأعطي إبراً مهدئة!!! فكلما تذكرت هذا الموقف أتعحب كيف أوصلنا الإدمان لهذا المستوى من البشاعة والتقزز فلو أن رجلاً عادياً فعل مثل ما فعل صاحبي من وضع رأسه في المرحاض لضُحك عليه!! ولكن انظروا المخدرات كيف تُذهب عقول من يتعاطاها ولا تستغربوا أي شيء يحدث بعدها بالعكس بل (القتل والزنا والسرقة والجرائم) تكون سائغة لمن يقع بشرك المخدرات.
مشاجرة ونحن سكارى
أتذكر أيضا أنني كنت مع ستة من أصحابي ذات مرة في نزهة برية وكالعادة كنا مصطحبين معنا المسكر ولما خيم الليل سكرنا وأردنا أن نستقل سيارتنا لندور بها قليلاً ولكن اثنين من الزملاء اختصما أيهما يقود السيارة ونشبت مشاجرة بينهما وحدث عراكٌ شديد بأوصال قطع الحطب الذي كنا نوقد منه النار.. كلٌّ يضرب الآخر فتفرقنا في العراء كل واحد ذهب لجهة غير معلومة وكنا لا نعي ولا نعلم أين نحن!! حتى الساعة التاسعة صباحاً بعد أن ذهب تأثير المسكر وعدنا لوعينا التقينا من جديد عند سيارتنا وعدنا للبلد!! الغريب أن تلك المنطقة كانت مليئة بالسباع والدواب ولكن الله لطف بنا.
ليلة المداهمة
في ليلة من ليالي الضياع والوهم أيضا!! كنت في سهرة من سهرات الباطل مع رفقة السوء، وبينما نحن جلوس على أحد الأرصفة ومعنا (المسكرات) من شراب وحشيش وخلافه من السموم التي نحقن بها أجسادنا دون لذة تذكر بل ألم وضياع ومستنقع لم نفكر كيف نخرج منه، بينما كنا كذلك إذ داهمتنا فرقة من رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذين كان لهم الفضل بعد الله عليّ وذلك (بأني أحسست أنه لا بد لي أن أصحو من هذا الكابوس المزعج ومن هذه الآلام التي أعيشها بفعل المخدرات) بعدها أخذونا لمكافحة المخدرات وأحيلت قضيتنا للمحكمة وأنا الآن أتلقى العلاج وعازم بإذن الله على التوبة وترك هذه السموم وأشغل نفسي الآن بالتفكير ومحاسبة النفس وأنوي تغيير هذا الطريق الذي أطعت فيه رفيق سوء فوصلت لهذه المرحلة من سجون وقضايا وعقوق والديّ الكبيرين بالسن اللذين كانا يؤملان عليّ كثيراً فخيبت أملهما لكن أدعو الله أن يثبتني وأن يعينني على مواجهة الأيام القادمة التي ستكون صعبة بعض الشيء ولكن إيماني وتطلعي لأن أعيش حياة بلا مخدرات هو ما أريده وهو ما سأحققه؟؟!!
يكفي ما فعلت.. يكفي.. أريد النجاة وأريد الخلاص.. وسأحاول تصحيح علاقتي بالله عز وجل أولاً فأنا الآن أصلّي وأحافظ على الصلاة بعد أن تركتها لمدة سنوات وبإذن الله سيتكفل الله عز وجل بإصلاح سمعتي وإعادة ثقتي بنفسي وثقة الناس بي وسأقبل حكم القاضي مهما كان فأنا أعتبر هذا الحكم تطهيراً لي لأعود لحياتي بروح جديدة ومعنويات مرتفعة بعد أن قضيت سبع سنوات مليئة بالتيه والضلال والأوهام إي نعم والله إن المخدرات وهم كلها وعالم مظلم أحذر الشباب أن يقعوا فيه و يستجيبوا لدعاة التضليل والذين يدعون أن المخدرات تجلب السعادة بل يعتبروا بما حصل لي فأنا تعاطيت لأول مرة أبحث فيها عن السعادة فكانت تلك المرة هي بداية شقائي وتعاستي وعذابي. والآن أنا أحس بشعور عظيم لطالما تمنيت أن أشعر به وهو الطمأنينة وهدوء البال ووالله ما أحسست به إلا بعد أن تركت المخدرات. والقائمون على علاجي يحرصون كل الحرص على مساعدتي وأنا أشكرهم لأنهم يسعون لمد جسور الأمل أمامي ويفتحون لي نوافذ للحياة من جديد بعيداً عن داء المخدرات.
أخيراً أدعو كل من تورط بداء المخدرات أن لا يتأخر حتى تهلكه بل يسعى للعلاج في الأماكن المعدة لذلك وسيجد كل ترحيب واحتواء. أسأل الله أن يتوب عليّ وأن يغفر لي ما جنته يداي...
وحول هذه القصة يقول الشيخ سالم بن سعد القرني المرشد الديني وإمام جامع مجمع الأمل بالرياض: بداية أسأل الله لأخينا (م ن س) الثبات وأحييه أيضا على شجاعته وقوة عزيمته على التوبة وحرصه على انتشال نفسه من هذا المستنقع ونيته على مواجهة المستقبل وعزمه على إصلاح نفسه وهذا هو الذي ينبغي لمن تورط في شرك المخدرات فالواجب عليه أن يسعى للتوبة ولتغيير ما اقترفته يداه ويعلم أنه هو بداية العلاج فبالعزيمة والإرادة والإصرار يحصل ترك المخدرات وكل ما يأتي بعدها هو أشياء ثانوية والله سبحانه وتعالى يتوب على من تاب ومن أقبل على الله أقبل الله عليه وقبله وتاب عليه وغفر ذنبه إذا علم الله صدقه ونيته الخالصة وابتغاء ما عنده من الأجر والثواب فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وبفضل الله فإن المصحات التي تستقبل حالات الإدمان موجودة ولا يألو القائمون عليها جهداً في سبيل إنقاذ ودعم كل من أراد العلاج وطلب النجاة من جحيم المخدرات.
فلا ينتظر أي مدمن أحدا يطرق عليه الباب ويقول هيا بنا نعالجك!!! كلا بل ربما يموت ويهلك نفسه وهو مدمن ومنكب على هذه السموم التي تفتك بجسده لكن العلاج وأول حلقة من سلسلة ترك المخدرات هي نية المتعاطي في الإقلاع عن هذه السموم وليعلم أن الباب مفتوح فالله سبحانه كما قلت يقبل توبة من تاب والدولة وفرت المصحات إذاً ما الذي يؤخر من وقع في المخدرات سوى سيطرتها عليهم ورِضا بعضهم بالتعاطي فلو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولو أرادوا التوبة لسعوا إليها ولوجدوا من يلتف حولهم ويأخذ بأيديهم ونحن نعلم ونعرف قصص كثير من المتعافين التائبين الذين وصلوا مراحل حرجة ومتقدمة في التعاطي ولم يثنهم ذلك عن التعافي والتوبة. بقي أن نعلم أن المدمن قد يكون مغلوباً على أمره ولا يستطيع أن يميز بل يجب على ذويه ومن حوله أن يأخذوه ويساعدوه على العلاج.
وهذا الشاب صاحب هذه القصة يبشر بخير ويعلم أنه بهذه الطريقة بدأ يسلك المسلك الصحيح وأمسك بطرف خيط النجاة وهو دخوله لتلقي العلاج وحرصه وإصراره على التعافي، ويجب على كل شاب في بداية التعاطي أن يحذو حذوه وأن يعلنها مدوية ويصر ويعزم على التوبة والإقلاع عن المخدرات قبل أن يندم وتفوته الفرصة ويخسر صحته ودينه. والله المسؤول أن يتوب على من تاب وهو الهادي إلى سواء السبيل. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved