Wednesday 6th October,200411696العددالاربعاء 22 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

مجلس الخدمات الصحية بين سياسة التهميش والتفعيل مجلس الخدمات الصحية بين سياسة التهميش والتفعيل
د. فهد بن عتيق العتيق *

نصت المادة السادسة عشرة من النظام الصحي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م-11) وتاريخ 23-3-1423هـ على إنشاء مجلس يسمى (مجلس الخدمات الصحية) برئاسة وزير الصحة وعضوية ممثلين عن القطاع الصحي الحكومي والخاص. كما نصت المادة السابعة عشرة من النظام بأن يختص المجلس ويمارس المهام التالية:
1- إعداد استراتيجية الرعاية الصحية في المملكة تمهيداً لاعتمادها من مجلس الوزراء.
2- وضع التنظيم الملائم لتشغيل المستشفيات التي تديرها الوزارة والجهات الحكومية الأخرى، بحيث تدار وفقاً لأسس الإدارة الاقتصادية ومعايير الأداء والجودة والنوعية.
3- وضع وإقرار سياسة التنسيق والتكامل بين جميع الجهات المختصة بتقديم الرعاية الصحية ، وعلى وجه الخصوص في المجالات التالية:
- خدمات الرعاية الصحية الأولية والثانوية والتخصصية.
- خدمات الإسعاف والإخلاء الطبي.
- تحويل المرضى بين الجهات الصحية المختلفة.
- تأمين الأدوية والمستلزمات الطبية والجراحية.
- تعليم القوى العاملة في المجال الصحي وتدريبها وتوظيفها.
- القيام بالبحوث والدراسات الصحية.
- تقديم الرعاية الصحية للحجاج.
- نشر التوعية الصحية بين السكان.
- تطوير صحة البيئة.
- تبادل خبرات المتخصصين بين الجهات الصحية المختلفة.
وعلى الرغم من أهمية المهام والاختصاصات والمسؤوليات المناطة بالمجلس وحاجة القطاع الصحي السعودي الماسة إلى مثل هذا الجهاز الحيوي لتنسيق جهوده المبعثرة خلال العقود الماضية إلا أن القيادة السابقة لوزارة الصحة في المملكة رأت عدم تفعيل هذا المجلس بحيث يمارس المهام والاختصاصات الموكلة إليه لقناعتها بأن ارتباط المجلس ومستوى التمثيل المقترح فيه (لا تقل مرتبة أعضاء المجلس الممثلين للجهات الحكومية عن الثانية عشرة) لا يوازي حجم المسؤوليات المناطة به وبالتالي حكمت عليه بالفشل منذ الوهلة الأولى ورأت بأن تتجاهل وجوده كلية وذلك من خلال تأخرها في مخاطبة الجهات المعنية للرفع بأسماء مرشحيها لعضوية المجلس للموافقة عليها من قبل مجلس الوزراء. وكانت وجهة نظر الوزارة في ذلك الوقت أن المجلس المقترح يفتقد للقوة اللازمة لتفعيل قراراته وتوصياته وإلزام القطاعات الصحية المختلفة في المملكة بها على الرغم من أن النظام الصحي قد نص صراحة في المادة السادسة عشرة الفقرة (د) على أن قرارات المجلس تعتبر (ملزمة للقطاعات الصحية بعد اعتمادها من رئيس مجلس الوزراء). وكان البديل الذي طرحته الوزارة في ذلك الوقت هو اقتراح (مجلس أعلى للخدمات الصحية) يتمتع بصلاحيات مطلقة، بحيث يرأس المجلس خادم الحرمين الشريفين أو سمو ولي العهد. ولكن القيادة السياسية ومن خلال بعض التجارب السابقة مع بعض المجالس العليا في القطاعات الأخرى رأت تأجيل فكرة البت في إنشاء مجلس أعلى للخدمات الصحية وأن تمنح المجلس الوليد الفرصة للعمل ومن ثم تقييم التجربة وإصدار حكم موضوعي عليها بعد مرور فترة كافية من الوقت على بدء المجلس في ممارسة المهام والاختصاصات الموكلة إليه.
وقد أدركت القيادة الحالية لوزارة الصحة ممثلة في معالي الدكتور حمد المانع مبكراً بأن السياسة في أبسط وأصدق معانيها هي (فن الممكن) وأن اتباع سياسة (كل شيء أو لا شيء) لن يتضرر منها سوى المواطن الذي يعاني من تردي مستوى الخدمات الصحية المقدمة له والتي لم ترق إلى حد الآن إلى تطلعات وطموحات القائمين على شؤون هذا البلد الكريم المعطاء. وتمثل هذا الإدراك في تطبيق سياسة (ما لا يدرك كله لا يترك جله) وذلك من خلال تحقيق إنجازين رئيسيين في فترة قياسية إلى حد ما: تمثل الإنجاز الأول في افتتاح وتشغيل مدينة الملك فهد الطبية على مراحل بدأت بتشغيل مستشفى الأطفال من خلال نقل الكوادر الطبية والفنية والإدارية في مستشفى السليمانية للأطفال للعمل في مدينة الملك فهد الطبية. تبع ذلك افتتاح مستشفى الولادة وانتهاء بتفضل صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني يوم الثلاثاء 21-شعبان-1425هـ بافتتاح مدينة الملك فهد الطبية رسمياً بعد أن ظلت لسنوات معطلة بسبب عدم قدرة الوزارة على تشغيل مرافقها دفعة واحدة في ظل عدم حصولها على الاعتمادات المالية المطلوبة للبدء في عملية التشغيل. وقد كان المواطن يمر صباح مساء بجانب هذا الصرح الطبي الضخم والذي يحتل مساحة شاسعة في قلب العاصمة السعودية متسائلاً عن الأسباب التي تحول دون استفادته السريعة من الخدمات والإمكانيات التشخيصية والعلاجية والتأهيلية المتوافرة فيه ولا يجد إجابة شافية لتساؤلاته المنطقية.
أما الإنجاز الثاني وهو محور حديثنا هنا فقد تمثل في عقد الاجتماع الأول لمجلس الخدمات الصحية في يوم السبت الموافق 11-8-1425هـ بعد أن صدر قرار مجلس الوزراء الموقر رقم (174) وتاريخ 3-6-1425هـ القاضي بالموافقة على تعيين 12 عضواً في مجلس الخدمات الصحية ولمدة ثلاث سنوات اعتباراً من تاريخ نفاذ القرار وهم :
1- الدكتور / عبد الله بن عبد العزيز الربيعة ممثلاً عن رئاسة الحرس الوطني.
2- العقيد طبيب / عثمان عمر بكر ممثلاً عن وزارة الدفاع والطيران.
3- الدكتور / عبد الرحمن بن عبد الله المعمر ممثلاً عن وزارة الداخلية.
4- عميد كلية طب الأسنان بجامعة الملك سعود ممثلاً عن وزارة التعليم العالي.
5- عميد كلية الطب والعلوم الطبية بجامعة الملك عبد العزيز ممثلاً عن وزارة التعليم العالي.
6- الدكتور / منصور بن ناصر الحواسي ممثلاً عن وزارة الصحة.
7- الدكتور / صالح بن حمد التويجري ممثلاً عن جمعية الهلال الأحمر السعودي.
8- أمين عام الهيئة السعودية للتخصصات الصحية ممثلاً عن الهيئة السعودية للتخصصات الصحية.
9- أمين عام مجلس الضمان الصحي التعاوني ممثلاً عن مجلس الضمان الصحي التعاوني.
10- الدكتور / خالد بن محمد الشيباني ممثلاً عن مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث.
11- الدكتور / وليد بن عبد الرحمن التركي ممثلاً عن القطاع الصحي الخاص.
12- الأستاذ / سلطان بن محمد بن صالح ممثلاً عن القطاع الصحي الخاص.
وقد ورد في الخبر الصحفي الذي نشره الزميل محمد الحيدر المهتم بالشؤون الصحية في جريدة الرياض في عددها رقم (13242) الصادر يوم السبت 11-شعبان-1425هـ بأن المجلس سوف يناقش في اجتماعه الأول عدداً من القضايا الصحية الشائكة وأبرزها وضع استراتيجية لتنمية القوى العاملة الصحية والتي كانت ولا تزال من أكثر القضايا الصحية إلحاحاً نتيجة للنقص الكبير في أعدادها وتدني نسب السعودة بها في ظل محدودية استيعاب المعاهد والكليات الصحية المحلية وانخفاض عدد الخريجين من الجامعات السعودية في التخصصات الصحية بشكل عام. كما ورد في الخبر أيضاً بأن الاجتماع سوف يناقش قضايا أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها تتمثل في إعادة النظر في الحوافز الوظيفية للعاملين في التخصصات الصحية وتفاوتها بين القطاعات الصحية المختلفة وكذلك تطوير الخدمات الإسعافية الطارئة والتي تعاني من عدم الكفاية والضعف بسبب قلة الإمكانات المادية والبشرية والتي لا تتناسب مع ما هو مأمول ومتوقع منها.
وعلى الرغم من عدم إطلاعنا على القرارات أو التوصيات التي تمخضت عن هذا الاجتماع بسبب غياب التغطية والمتابعة لهذا الاجتماع الهام من قبل وسائل الإعلام، إلا أننا نأمل بأن يكون ذلك الاجتماع وما صدر عنه من قرارات وتوصيات ما هو إلا مقدمة واعدة باجتماعات وقرارات وتوصيات هامة وحيوية تعالج قضايا القطاع الصحي الملحة وتنقل القطاع الصحي في المملكة إلى أفاق أرحب وأوسع. والسؤال المطروح هنا هو حول كيفية تفعيل هذه الآلية التنظيمية الهامة المتمثلة في مجلس الخدمات الصحية لتتمكن من تحقيق المهام والمسؤوليات المناطة بها بكفاءة وفاعلية؟ ويستنتج القارئ للمادتين السادسة عشرة والسابعة عشرة من النظام الصحي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م-11) وتاريخ 23-3-1423هـ واللتان تشكلان مجتمعتين الأساس والمسوغ النظامي لقيام مجلس الخدمات الصحية قابلية هذا المجلس في أن يتحول إلى أداة تنظيمية فاعلة في تطوير الخدمات الصحية في المملكة إذا ما أراد ذلك القائمون على شؤونه. ولعل الاحتمالات المطروحة لمستقبل هذا المجلس تكمن في حالتين متناقضتين: إما التهميش والجمود أو التفعيل والحيوية. ولنبحث ونحلل هنا من وجهة نظر تنظيمية الكيفية التي يمكن من خلالها تقليل احتمالية حدوث الحالة الأولى وزيادة احتمالية حدوث الحالة الثانية. وسوف نسترشد في هذا التحليل بعدد من التجارب الدولية المتميزة في تنظيم الهيئات المماثلة لطبيعة عمل المجلس وخاصة في مجال إدارة وتنظيم الخدمات الصحية.
أولاً: يجب أن تنظر جميع الجهات الممثلة في عضوية المجلس، بما في ذلك وزارة الصحة، على أن المجلس هو بمثابة جهة حكومية تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة عن وزارة الصحة. وأن تمثيل وزارة الصحة في عضوية المجلس هو مماثل من ناحية الوزن والأهمية لتمثيل الجهات الأخرى في المجلس. وهذه النظرة المتكافئة بين الجهات الممثلة في عضوية المجلس لبعضها البعض من شأنه زيادة تفاعل القطاعات الصحية المختلفة مع برامج المجلس والتزامها بتوصياته وقراراته. وإذا ما تبين مع مرور الوقت لتلك الجهات أو تبادر إلى أذهان المسؤولين فيها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بأن المجلس سوف يكون مجرد أداة لفرض وصاية وزارة الصحة عليها وتوجيه برامجها وأنشطتها وفق مرئيات وطروحات وزارة الصحة فسوف يؤدي ذلك إلى إحجامها عن التجاوب معه والمشاركة الفاعلة في نشاطاته أو حتى الالتزام بالقرارات الصادرة عنه. وهذا بدوره سوف يؤدي تدريجياً ومع مرور الوقت إلى تهميش دور المجلس وجموده ليصبح مجرد وحدة إدارية أخرى غير فاعلة في القطاع الحكومي كان يفترض بأن تقوم بدور ما ولكنها في واقع الأمر لم تجد لعمل ذلك سبيلاً.
ثانياً: أن يضع المجلس في قائمة أولوياته، وقبل الخوض في أي تفاصيل أو جزئيات تتعلق بالمهام الموكلة إليه أو البت في أي من القضايا المطروحة على أجندة أعماله، إعداد استراتيجية صحية شاملة للمملكة تستمد أسسها ومعطياتها من النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم (أ-90) وتاريخ 27-8-1412هـ ومن النظام الصحي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م-11) وتاريخ 23-3-1423هـ. ويجب أن تكون هذه الاستراتيجية بعد اعتمادها من مجلس الوزراء هي الموجه والمرشد لقرارات وتوصيات المجلس في جميع القضايا والمواضيع المطروحة على جدول أعماله. ولاشك أن قيام المجلس في مباشرة المهام والمسؤوليات الموكلة إليه في ظل غياب استراتيجية واضحة وشاملة لمنظومة العمل الصحي في المملكة سوف يصيب قراراته وتوصياته بالعشوائية والتخبط والذي سوف يقود في نهاية الأمر إلى التهميش ثم الجمود.
ثالثاً: أوكل النظام الصحي للمجلس مهام واختصاصات متعددة تتمثل في وضع التنظيم الملائم لتشغيل المستشفيات التي تديرها وزارة الصحة والجهات الحكومية الأخرى ووضع وإقرار سياسة التنسيق والتكامل بين جميع الجهات المختصة بتقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية والثانوية والتخصصية في مجالات مثل تأمين الأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية والاستعمال الأمثل لها والقيام بالبحوث والدراسات الصحية وتقديم الرعاية الصحية للحجاج وغيرها من المجالات والأنشطة الأخرى التي سبقت الإشارة إليها في موضع آخر. ولاشك أن القطاع الصحي في الوقت الراهن يفتقر للأجهزة المتخصصة القادرة على قيادة وتوجيه دفة مثل هذه الأنشطة وتحقيق نتائج إيجابية وملموسة بشأنها وخاصة في ظل انشغال وزارة الصحة والتزامها حالياً بعدد من الأدوار والمسؤوليات التخطيطية والتنظيمية والإشرافية والرقابية الملقاة عليها إضافة إلى قيامها بتقديم الخدمات الصحية بمستوياتها الثلاث بصورة مباشرة إلى الشريحة العظمى من أفراد المجتمع . ويتطلب قيام المجلس بالمهام الموكلة إليه اتباع أسلوب اللامركزية في التنفيذ والاستعانة بأجهزة ووحدات إدارية متخصصة ومتفرغة لأداء هذه المهام بكفاءة وفاعلية. ومن الأجهزة والوحدات الإدارية التي لا غنى للمجلس عنها إذا ما أراد محالفة النجاح ما يلي :
- مركز وطني لنظم المعلومات الصحية متصل بشبكة للمعلومات الصحية مع وزارة الصحة ومديريات الشؤون الصحية التابعة لها والخدمات الطبية في الأجهزة العسكرية وغيرها من الأجهزة الحكومية والخاصة المقدمة للخدمات الصحية يتولى توفير المعلومات التي تساعد في الارتقاء بمستوى الخدمات الصحية في جميع جوانبها ومجالاتها.
- هيئة متخصصة تتولى اعتماد المرافق الصحية في القطاعين العام والخاص وتتولى وضع المواصفات والمقاييس ومؤشرات الجودة ومعايير إنشاء وتوزيع المرافق الصحية الجديدة.
- هيئة للشراء الموحد للأدوية والمستلزمات الطبية والجراحية.
- مركز وطني للأبحاث والدراسات الصحية يتولى القيام بإجراء البحوث الصحية التطبيقية والضرورية في المجالات الصحية المختلفة والعمل على تطبيق نتائجها وتوصياتها بهدف الوقاية من الأمراض وعلاجها ورفع المستوى الصحي بين جميع فئات المجتمع.
- مركز وطني للعناية بالدم ومشتقاته والحفاظ على سلامته.
- كما يمكن إعادة هيكلة لجنة الحج الحالية في شكل هيئة دائمة وضمها كوحدة إدارية متخصصة لمجلس الخدمات الصحية بحيث تتولى تنسيق الخدمات الصحية المقدمة لضيوف بيت الرحمن في مواسم الحج.
ولاشك أن ممارسة المجلس لاختصاصاته في ظل غياب مثل هذه الأجهزة والوحدات الإدارية المتخصصة سوف يقود إلى عدم قدرة المجلس على أداء المهام والاختصاصات المناطة به على الوجه المطلوب وبالتالي عدم القدرة على تحقيق إنجازات ملموسة على صعيد تلك المهام والاختصاصات ومن ثم الحكم عليه بالفشل الذي سوف يقود في نهاية المطاف إلى التهميش والجمود وربما الإحلال ببديل آخر قادر على الفعل والإنجاز .
رابعاً : تبع صدور النظام الصحي الذي يمثل من خلال المادتين السادسة عشرة والسابعة عشرة الأساس والمسوغ النظامي لقيام المجلس إحداث أجهزة جديدة مثل الهيئة العامة للغذاء والدواء وهي تختص بمهام ونشاطات حيوية ومتعددة ذات صلة وثيقة بالقطاع الصحي. كما يضم القطاع بعض الأجهزة الحكومية المعنية بالشأن الصحي مثل وزارة التربية والتعليم من خلال تقديم خدمات الصحة المدرسية ووزارة الشؤون الاجتماعية من خلال الخدمات الطبية المقدمة في مراكز الرعاية الاجتماعية التابعة لها. ومن هنا فإن من الضروري أن تُمثل مثل هذه الجهات في عضوية المجلس. ويؤدي غياب مثل هذه الأجهزة عن عضوية المجلس إلى تهميش دورها ومن ثم شعورها بعدم الحاجة إلى الالتزام بقرارات وتوصيات المجلس بسبب عدم مشاركتها وإبداء وجهة نظرها ومقترحاتها في تلك القرارات والتوصيات.
خامساً : ضم المجلس في عضويته عدداً من الكفاءات الوطنية المشهود لها بالخبرة والكفاءة في المجال الطبي والذي نعتقد بأن الجهات الممثلة في المجلس قد قامت باختيارهم بعناية ونجحت في ترشيحهم لتمثيلها في المجلس. ونظراً لاضطلاع هؤلاء الأعضاء بمسؤوليات ومهام قيادية وجسيمة في جهاتهم الأصلية تأخذ منهم جل طاقاتهم ووقتهم، لذا فإنه من الضروري بأن يدعم المجلس بهيكل إداري متخصص يتولى الإعداد والتحضير لاجتماعاته ومن ثم متابعة تنفيذ قراراته وتوصياته. ومن هنا نرى ضرورة إيجاد أمانة عامة للمجلس تتولى مهام التخطيط والتنظيم والإشراف والرقابة وتقوم بتسيير شؤون المجلس المالية والإدارية بكفاءة وفاعلية والإشراف على أداء الوحدات المتخصصة المقترح ربطها بالمجلس. ولاشك بأن ترك المجلس يعمل في ظل غياب أمانة عامة تتولى التحضير لاجتماعاته ومتابعة تنفيذ قراراته وتوصياته سوف يصيب المجلس بالجمود وسوف تظل تلك القرارات حبيسة محاضر اجتماعات المجلس وبالتالي سوف تفتقد الجهات الممثلة في المجلس تدريجياً الحماس المطلوب في مشاركتها في أنشطة المجلس المختلفة.
سادساً: نصت المادة السابعة عشرة من النظام الصحي الفقرة (د) على أن المجلس يختص (بتعيين أمين عام للمجلس بناء على ترشيح الوزير، ووفق ما يقضي به نظام الخدمة المدنية). وكما أشرنا سابقاً فإن الأمانة العامة للمجلس سوف تتولى مهام التخطيط والتنظيم والإشراف والرقابة وتتولى تسيير شؤون المجلس الإدارية والمالية والإشراف على أداء الوحدات المتخصصة المقترح ربطها بالمجلس. وحيث أن غالبية أعضاء المجلس يتمتعون بخبرات علمية وعملية واسعة في المجال الطبي، تصبح الخلفية العملية والعلمية للمرشح لتولي منصب أمين عام المجلس أمراً في غاية الأهمية. ومن هنا فلا غنى للأمانة العامة للمجلس في أن يكون المرشح لمنصب الأمين العام من الكفاءات الوطنية التي تتمتع بخبرات علمية وعملية في مجال الإدارة والتنظيم في المجال الصحي. ولاشك بأن الخلفية العلمية والعملية الطبية أو الفنية البحتة للمرشح سوف تقود إلى أمرين : إما عجز المرشح عن أداء الأدوار التخطيطية والتنظيمية والإشرافية والرقابية المناطة بالأمانة العامة للمجلس أو اضطرار المرشح إلى الاستعانة بعدد غير محدود من المستشارين المتفرغين وغير المتفرغين في الشؤون المالية والإدارية المختلفة وبالتالي تضخم الجهاز الإداري للأمانة العامة للمجلس وتكبد ميزانية المجلس لأعباء مالية ضخمة يمكن تفاديها فيما لو توافرت الخبرة اللازمة في الشؤون الإدارية والمالية في شخص المرشح لمنصب أمين عام المجلس.
سابعاً: أن استقطاب الموارد البشرية المؤهلة القادرة على إدارة شؤون الأمانة العامة للمجلس والوحدات أو الأجهزة المتخصصة المقترح ربطها به سوف يتطلب إيجاد كادر وظيفي ومالي يُمكن المجلس من توظيف الكفاءات البشرية القادرة على إدارة نشاطاته بكفاءة وفاعلية. ولا شك أن الاعتماد على الكوادر الوظيفية الحالية المتبعة في وزارة الصحة مثل نظام الخدمة المدنية أو الكادر الصحي سوف يحرم المجلس والوحدات الإدارية التابعة له من القدرة على جلب الكفاءات الإدارية والفنية اللازمة لتنفيذ ومتابعة الأنشطة اللازمة لأداء المهام المتعددة الموكلة للمجلس. ويؤدي عدم وجود كادر وظيفي ومالي قادر على استقطاب الكفاءات البشرية اللازمة في التخصصات المختلفة إلى اعتماد الأمانة العامة للمجلس والوحدات الإدارية التابعة لها على موارد بشرية غير مؤهلة وغير قادرة على تحقيق أهداف المجلس وبالتالي تأثر أنشطته سلبياً ومن ثم دخوله تدريجياً في حالة الجمود وعدم الفاعلية.
ثامناً: تأسيساً عل ما سبق، يتطلب تمويل أنشطة المجلس الإدارية والفنية وجود موارد مالية خاصة بالمجلس. والمستغرب هنا هو عدم نص المادتين السادسة عشرة والسابعة عشرة من النظام الصحي صراحة على الكيفية التي سوف يتم بها تمويل نشاطات المجلس المختلفة. فقد نصت المادة السادسة عشرة من النظام الصحي الفقرة (و) على أن (يحدد بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير مقدار مكافأة الرئيس وأعضاء المجلس ومصدر هذه المكافأة). كما جاء في المادة السابعة عشرة الفقرة (هـ) على أن يختص المجلس (بوضع القواعد اللازمة لمكافأة من يستعان بهم من الخبراء بالتنسيق مع وزارة المالية). وغني عن القول هنا بأن مثل هذه النصوص غير كافية للإجابة بوضوح عن الكيفية التي سوف يتم بها تمويل نشاطات المجلس. ونرى هنا بضرورة أن يقوم المجلس ببحث هذه المسألة ووضعها على قائمة أولوياته. حيث أن عدم وجود الموارد المالية اللازمة لتسيير شؤون المجلس المختلفة سوف يكون في حد ذاته سبباً كافياً لتهميش دور المجلس وجموده بسبب عدم قدرته على أداء المهام الموكلة إليه. كما نرى بضرورة إيجاد ميزانية مستقلة للمجلس يمكن تمويلها في بادئ الأمر من خلال الميزانية العامة للدولة على أن يعمل المجلس في مرحلة لاحقة على الاعتماد على تمويل أنشطته ذاتيا من خلال الخدمات المقدمة من قبل الأجهزة المتخصصة المقترح ربطها به وبالتالي تقليل الاعتماد على الميزانية العامة للدولة. كما أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الاعتماد على ميزانية وزارة الصحة كمصدر لتمويل نشاطات المجلس. حيث إن الاعتماد على الميزانية المخصصة لوزارة الصحة كمصدر وحيد لتمويل نشاطات المجلس سوف يضع المجلس تحت رحمة تذبذب الموارد السنوية المخصصة لوزارة الصحة وخاصة في ظل تعدد البرامج والنشاطات المختلفة التي تضطلع بها الوزارة في الوقت الراهن وتنازع تلك البرامج والنشاطات على الميزانية المخصصة لوزارة الصحة.
وعلى ضوء ما سبق، نرى بأن مجلس الخدمات الصحية الذي أحسنت وزارة الصحة صنعاً في بث الروح فيه ليتولى الاختصاصات الحيوية الموكلة إليه مؤهل من الناحية النظامية لأن يلعب دوراً فاعلاً في وضع الحلول الكفيلة بمعالجة قضايا القطاع الصحي التي تتطلب التنسيق والتكامل بين كافة القطاعات المساهمة في تقديم الخدمات الصحية شريطة أن يُحسن القائمون على شؤونه التعامل مع الجوانب التنظيمية التي أشرنا إليها سابقاً والمتمثلة في النظرة المتكافئة للجهات الممثلة في عضويته والبدء في إعداد استراتيجية صحية شاملة للمملكة ودعمه بعدد من الأجهزة المتخصصة التي يفتقر إليها القطاع الصحي في الوقت الراهن وضم ممثلين عن بعض الجهات الحكومية الأخرى المعنية بالشأن الصحي لعضوية المجلس وإيجاد أمانة عامة قادرة على تنظيم نشاطاته وتسيير شؤونه الإدارية والمالية بكفاءة وفاعلية والاهتمام بالخلفية العلمية والعملية للمرشح لشغل منصب الأمين العام ووضع كادر وظيفي ومالي قادر على استقطاب الموارد البشرية المؤهلة لتفعيل نشاطات المجلس المختلفة وضرورة إيجاد ميزانية مستقلة للمجلس. وفي ظل غياب هذه العناصر التنظيمية فإن احتمالية الجمود والتهميش هي أقرب لمستقبل المجلس من احتمالية التفعيل والحيوية.

(*)رئيس فريق دراسة قطاع الخدمات الصحية باللجنة الوزارية للتنظيم الإداري
وأستاذ الإدارة الصحية المشارك بمعهد الإدارة العامة


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved