Thursday 28th October,200411718العددالخميس 14 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

بين التفتيش والإشراف بين التفتيش والإشراف
تغيُّر في المسميات أم تطوير في الأداء والمهمات؟
د. عبد الله بن محمد الرميان / عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى - مكة المكرمة

خلال ثلاثة عقود اختلفت المسميات في وزارة التربية والتعليم من التفتيش إلى التوجيه ثم أخيراً الإشراف.. قالوا: التفتيش كلمة تدل على اتهام المرؤوس والبحث عن زلاته - ومع ذلك فهي لا تدل على إصلاح هذه الاخطاء بل تنتهي المهمة بالوقوف عليها وإيقاع العقوبة المناسبة لها وقد تكون العقوبة كفيلة في ردعه وتقويمه - ومن ثم فلا تناسب لغة العصر، وبعد التفتيش والتنقيب في المصطلحات توجه الأمر وتقرر على استبدال التفتيش بالتوجيه والمفتش بالموجه وهي عبارة مهذبة لا تدل على تتبع الزلات أو البحث عن الهفوات بقدر ما تعني الارشاد إلى الصواب مع رفع الملامة والعتاب لكن مع ذلك فالمدرس العصري استنكف من توجيه زميله له وجرحت الكلمة - رغم أدبها ولطفها - كبرياءه فلم يكن بد من تغييرها واستبدالها مراعاة لمشاعر الزميل فاختاروا عبارة أشد تهذيباً وعصرية وهي كلمة الإشراف فأصبح المفتش ثم الموجه سابقاً هو المشرف حالياً.
حقاً أستاذ الجيل ومربي النشء يستحق الرحمة والرأفة من قبل رؤسائه وإن لم يكن من أجله فمن أجل ابنائنا وفلذات أكبادنا الذين يقضون وقتاً طويلاً في مملكته وما يقع عليه اليوم ينعكس غداً على طلابه، ولذا فما تحقق لطلاب اليوم في عصر الإشراف لم يتحقق لسلفهم طلاب عصر التفتيش.
كنا في مراحل الدراسة الأولية عندما نرى إدارة المدرسة ومدرسيها قد أعلنوا حالة الطوارئ نعلم أن ضيفاً ثقيلاً قد حل عليهم مع الصباح الباكر!!
وبالطبع نحن لا نعلم مقدار العقوية التي قد ينالها المقصِّر والمخطئ منهم لكن نعلم بالتأكيد أنها ليست عقوية بدنية كالتي تقع علينا حال التقصير أو الزلل.
وحالة الطوارئ التي يعلنها المدرسون حال حلول المفتش لا نستطيع ان نعلنها كطلاب عندما يعلن التفيش علينا، وهو أمر معتاد في تلك المرحلة، فالتفتيش على الملابس والحذاء والنظافة والأظافر والهيئة. والعقوبة التي تصدرها محاكم هذا التفتيش لا تحتاج الى توجيه ومعاملات وتحقيق وطول انتظار بل العقوبة كحال ذلك الزمن سرعة في الإجراءات وتوسع في الصلاحيات وهي عقوبة قاسية كقسوة ظروف ذلك الزمن..فما أن يقع المدرس على المخالفة -إن صحت التسمية - إلا وتكون العقوبة في موضع المخالفة وهذا من تمام العدل حتى لا يؤخذ عضو بجريرة الآخر..فوطء المدرس بحذائه قدمَ الطالب في الصباح الباكر ومع البرد القارس عقوبة لحافي القدمين - طبعاً - دون النظر لسببه هل يعود إلى إهمال الطالب أم إلى ظروف أسرته المادية ؟!
والضرب بالعصا على أطراف الأصابع حتى يفسد الدم ويتحجر تحت الأظافر لأسابيع عقوبة إطالتها.. ولا تسأل بعد ذلك عن أدوات الضرب وتصنيف الأخطاء والواقعية في معالجتها !! وعندما غاب مفتش الأمس غاب التفتيش على الطلاب ومعه غابت العقوبات القياسية التي طالت ذلك الجيل.
استعدت تلك الذكريات الجميلة عندي - رغم قسوتها - والتي مضى عليها أكثر من ثلاثين سنة عندما رأيت الطريقة التربوية لاستقبال المدرسة للطلاب المستجدين في الأسبوع الأول، فقارنته باستقبالهم لنا في عصر التفتيش فوجدت أن الفرق بين طالب اليوم وطالب الأمس كالفرق بين التفتيش والإشراف.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved