Thursday 28th October,200411718العددالخميس 14 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "عزيزتـي الجزيرة"

حُمَّى المظاهر والتقسيط طريقٌ إلى الفقر!! حُمَّى المظاهر والتقسيط طريقٌ إلى الفقر!!

يجتهد الباحثون في تلمُّس أسباب الفقر وعلاجها، ومن ذاك المقال الذي نشرته الجزيرة في عددها 11712 ص 39 وتعليقاً عليه كتبت هذه السطور حينما مررت بأحد الشوارع الرئيسية في إحدى مدننا العامرة بعد انقطاع دام ما يقارب خمس سنين، إذ لم يكن لي حاجة في ذلك الحي.. رأيت عجباً!! رأيت عدداً كبيراً من المحلات التجارية كتب على باب كل منها لوحة تزيد في طولها على المترين كتب عليها عبارة (نبيع ونشتري صابون Tide), فعجبت لذلك وسألت نفسي: أن تكثر محلات المواد الغذائية، وأن تكثر المكتبات، وأن تكثر الصيدليات وحتى مغاسل الملابس فذلك أمر مقبول عقلاً وعُرْفاً، إذ أن الناس بحاجة ماسة لكل تلك المناشط التجارية ومثلها محلات بيع الأجهزة المنزلية وغيرها، وتزداد الحاجة مع ازدياد عدد السكان في كل مدينة وقرية. ولكن وجود عدد من محلات بيع الصابون وصابون (Tide) بصفة خاصة فذلك أمر غريب، ولكن غرابة الأمر تزول حينما نعلم يقيناً أنَّ صابون (Tide) لا يُشترى ويباع للاستهلاك وإنما لغرض آخر هو بيع التقسيط!! بمعنى ان تلك المحلات تختص بالدين للمحتاجين له.. ولكن لماذا اختير صابون ال(Tide) على وجه التحديد.. فذلك أمر في بطن (الشاعر)!!
ظاهرة غريبة وأمر يحتاج لوقفات متأنية، هل أصبح النَّاس بحاجة للدين لتأمين ضرورياتهم أم أنه الترف، وهل الدين مقتصر على هذه المحلات المذكورة أعلاه، أم أنه وكما نعرف جميعاً قد اصبح البيع بالتقسيط أسلوباً متعارفاً عليه في وكالات السيارات، وفي مواد البناء، وفي بيع الأراضي والمساكن وحتى في بيع الحاسبات الآلية والأثاث المنزلي، ولقد أصبح كل الناس إلا القليل مدينين، فالسيارة نركبها بدين، والمنزل نسكنه بدين، وأثاث المنزل بدين والأدوات الزارعية بدين.. وباختصار أصبح أكثر الناس واحداً من صنفين إما: دائن أو مُستدين. والقول الحق هنا إن الحياة لها ضرورات وحاجات لازمة، وهذه قد نضطر فيها إلى الشراء بالتقسيط عند تعذر الدفع مقدماً للقيمة كلها.. ولكن يجب أن لا تكون هذه سمة حياتنا كلها حتى تصل الى ترف لا حد له، فتجد فلاناً من الناس إذ مضى على السيارة الجديدة معه عام واحد فقط باعها بنصف ثمنها ليشتري سيارة أخرى بالتقسيط وفي كل عام يتكرر هذا المشهد، وتأتي بعض النساء للمطالبة بتغيير اثاث المنزل لأن آل فلان غيروا أثاث منزلهم ويكون الحل لهذه المشكلة الشراء بالتقسيط، وإذا رزق الرجل بعدد من البنين فرض عليه أن تكون مكافأة النجاح لابنه حينما يحصل على شهادة الثالثة المتوسطة سيارة جديدة، ولمن ينال الثانوية سيارة جديدة، بضعف ثمن سيارة أخيه ولا بأس أن يكون السبيل لتوفير تلك السيارات الشراء بالتقسيط!!
وإذا أراد أحدهم بناء منزل يسكنه وجد لزاماً عليه ان يجعل البناء على أعلى المواصفات والتي تماثل بيوت الأثرياء.. وإذا عجز فسيجد (أهل الدَّين) على أتم الاستعداد لدعمه ليكمل البناء، والحساب بعد النهاية يظل يسدد لمدة عشرين أو ثلاثين عاماً، ولربما مات قبل سداده وكان هديته لأبنائه ديوان متراكمة يعجزون عن تسديدها!!!
وأنا أعرف أحد الناس - وهو واحد من عشرات في كل مدينة - مضى عليه أكثر من خمس سنوات منذ بدأ مشوار البناء للمسكن الوحيد الذي تنتظره أسرته، إذ هو يسكن بإيجار، أفلا يعقل أولئك ويعمدون إلى بناء يتناسب مع مستوى دخولهم ويتركون النظر إلى من هو فوقهم وإذا منَّ الله عليهم بوفر فلا مانع من التجديد والتطوير.
وإني لأسأل بإشفاق إلى أي حد ستستمر حمّى المظاهر, والى متى سنظل نعمد إلى أمر استعاذ منه الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: (اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين). كفى ترفاً وتفريطاً، فشوارعنا غصت بالسيارات وشبابنا شغلوا بالمظاهر والتنافس في أردأ الأشياء وسفاسف الأمور، ورأينا تدني المستويات الدراسية، وما كثرة النفايات في بعض الأماكن والأحياء السكنية إلا أحد أضرار الترف ومساوئه إذ أصبحنا في دوامة شراء ورمي وتكسير وتغيير لحاجة أو لغير حاجة.
إنَّ مجالات البيع والشراء والتنمية الاقتصادية للمواطن والبلد بعامة واسعة ومتنوعة، ونحن بحاجة ماسة إلى ترتيب الأولويات وتقديم ما يحتاج له على غيره، وترشيد الإنفاق فيما يستغنى عنه، وتربية أبنائنا على ذلك.. وأظن أن الفقراء والمحتاجين والأيتام بحاجة الى بعض ما ننفقه في مجالات ترف لا داعي لها.. فهل نحن فاعلون..؟
وإذا كانت وزارة الشؤون الاجتماعية قد شكلت لجاناً لبحث مشكلة الفقر، أسبابها وعلاجها فإنني أؤكد هنا أن من أسباب الفقر - كما يعرف المجربون - الدين وبيع التقسيط، إذ أن كثيراً من الناس تتراكم عليهم الديون حتى يعجزوا عن سدادها، ثم يلجؤوا الى سؤال الناس في المساجد وغيرها.. هذا إن لم يردوا إلى قعر السجون ثم يقال لطالبيهم: كم تخفض من مطلبك عليه ليسددك؟! أليست هذه نتيجة حتمية لحالات كثيرة في مجتمعنا.. ومع تلك الحالات يخسر البائع والمشتري ويكون الواحد منا كما ورد في الحديث الشريف: (إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى).
ولعل الكثير من إخواننا المشتغلين ببيع التقسيط لا ينسون حكمة مأثورة عند آبائنا, كانوا يتناقلونها تحذيراً وتنبيهاً.. تلك الحكمة تقول:
(كم من يَدٍ عَذَّبت رِجْل).. أي والله كم من يد عذبت رجلاً ورأساً!!
بقي أن أقول إن كاتب هذه السطور لم يسلم من عذاب الرِّجل.. لا بسبب بيع تقسيط ولكن بسبب قرض لمن لا يستحقه..!
أسأل الله تعالى ان يرزقنا القناعة وشكر النعمة، وأن يبارك لنا فيما أعطانا وينفعنا به.. إنه جواد كريم، كما نسأله بجوده وكرمه أن يقضي الدين عن المدينين وأن يصلح أحوال المسلمين جميعاً.

عبد العزيز بن صالح العسكر


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved