حالة عرفات بين الأجواء الدولية والتعهدات الإسرائيلية

في الشأن الخاص بالرئيس الفلسطيني فإن القلق يتناول تطورات حالته الصحية وربما تفاقمها بالنظر إلى التوقعات والاحتمالات بشأن ما يقال عن إصابته بسرطان الدم، كما يمتد القلق إلى ما يمكن أن يحدث في حال تعافي عرفات وما إذا كانت إسرائيل ستفي بتعهداتها حول السماح بعودته أم أنها ستكون كالعهد بها وباليهود عموما في نقض العهود.
وفور الإعلان عن التطورات في صحة عرفات وما تردد عن احتمال نقله إلى الخارج عمدت إسرائيل إلى إصدار الصيغة المعروفة بهذا الصدد مشيرة إلى أنها ستسمح بمغادرة الرئيس الفلسطيني إلى أي مكان لكنها لا تضمن إمكانية عودته إلى رام الله، ثم أردفت ذلك بتصريحات تفوح منها رائحة الشماتة على رجل يواجه أهوال المرض مشيرة إلى أن السلام بات في حيز الإمكان بعد احتمال اختفاء عرفات من المسرح السياسي ومن مركز القرار الفلسطيني.
لكن إسرائيل فوجئت باهتمام منقطع النظير بعرفات جعلها تبدو معزولة في وسط دولي ينظر إلى ما يجري من غير المنظار الذي تطلع من خلاله إلى الأمور، ففي أنحاء العالم تحدث القادة عن حالة زعيم تاريخي ورجل شكل حضورا دوليا بارزا طوال أربعة عقود من العمل والنضال الدؤوب، ورددت دول مثل فرنسا أهمية شخصية عرفات وحتميتها في أية تسوية.
وإزاء هذه الحالة الدولية التي تعكس أجواء التأثر والتقدير لموقف دقيق يمر به الشعب الفلسطيني في ظل الأحوال المتدهورة لرمزه النضالي والسياسي حاولت إسرائيل الاندماج في صورة الوضع الدولي ومن ثم صدرت تصريحات حكومتها بأنها ستضمن عودة عرفات إذا غادر إلى الخارج .
فإسرائيل المخادعة تدرك أن السباحة ضد التيار العام في مثل هذه الظروف لن تفيدها كثيرا وسيؤكد للعالم سوء منطلقاتها وانحطاط توجهاتها، فهي تحاول تعديل صورتها المناقضة لاهتمامات العالم في لحظة دقيقة، حيث بدت مزهوة متباهية في أجواء الوجوم والتأثر بالمنطقة، لكن كل ما ستفعله لن يستطيع إزالة التصريحات الاستفزازية التي صدرت منها بينما عرفات يعاني الأمرين.
والآن وبعد وصول عرفات إلى باريس انطلقت الأنباء مجددا من إسرائيل حول تناقضات في الموقف الحكومي تجاه مستقبل عرفات وما إذا كان ينبغي السماح بعودته إذا تماثل للشفاء أم الحؤول دون ذلك.
وعلى كل فإسرائيل لن تجد من يلزمها بالوفاء بتعهداتها، وهي تستطيع أن تتذرع بما تشاء لمنع عودة عرفات، كما يمكنها اختلاق الأحداث لتبرير ذلك المنع.
فإسرائيل لم تلتزم طوال تاريخها بموجبات الحل السلمي العادل والشامل للقضية الفلسطينية, ولطالما دبجت الأكاذيب في سبيل التهرب من القرارات الدولية الملزمة لها، وهي تعمل في بيئة دولية تفتقر أساسا لمقومات العدل من خلال الدعم اللامحدود الذي تجده من قبل القوة العظمى الوحيدة في العالم، الولايات المتحدة، التي تبرر كافة الجرائم الإسرائيلية وتمضي مع الأكاذيب الإسرائيلية أينما قادتها.