Sunday 14th November,200411735العددالأحد 2 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

في موكب الحياة في موكب الحياة
بين الوهم والعقل والغضب!!
أ. د.عبدالرزاق بن حمود الزهراني

تشغل الأوهام حيزاً كبيراً في أذهان نسبة لا بأس بها من البشر، وبعض تلك الأوهام حميد وفعال مثل أن يتوهم المرء أنه قادر على القيام بعمل مشروع ولكنه أكبر من قدرته في الواقع، وعندها يستخدم طاقته بأقصى حدودها الممكنة، ورغم ان الهدف قد يكون بعيد المنال، فإن ذلك الشخص لابد ان يحقق قدراً من النجاح، أكثر بكثير مما كان سيحققه لو لم يكن لديه ذلك الوهم، وكم من إنسان انطلق نحو هدفه المشروع من وهم أو شبه وهم وحقق إنجازات رائعة، ونجاحات باهرة، وأفاد نفسه وأفاد الناس حوله، ولعل اكتشاف أمريكا يأتي ضمن هذا النوع من الوهم، حيث توهم (كولومبس) ومعاونوه أنهم يستطيعون الوصول الى الهند عن طريق الإبحار غرباً، وأدت هذه المغامرة الى الكشف عن العالم الجديد، ورغم ذلك فقد اعتقد كولومبس أنه وصل الى شواطىء الهند، وأثبتت الأحداث فيما بعد ان ما كان يتوهمه (كولومبس) وفريقه هو حقيقة لا جدال فيها، وهي موجودة منذ الأزل، ومنذ أن خلق الله السماوات والأرض وأودع فيها قوانينها وسننها التي لا تتغير، والتي يطير الإنسان فرحاً عندما يكتشف بعضها مثل قانون الجاذبية، وقوانين النمو وغيرها من القوانين ورغم وجود الأوهام المفيدة والحميدة نجد أن الحياة مليئة بالأوهام المريضة، والخيالات التي لا تلامس الواقع ولا تقترب منه ومن أجل ذلك اشار العلماء الى مجموعة من القوى النفسية الرئيسة التي تحرك الإنسان، يأتي في مقدمتها ويتحكم في بقيتها (القوى العاقلة)، فالإنسان الرشيد لا يتصرف إلا بعد محاكمة عقلية لما سيقوم به، ويعرض محاكمته تلك على القيم والمعتقدات وثقافة المجتمع، ويستعرض قدراته الشخصية وفي ضوء ذلك يقرر المضي قدماً أو الاحجام.
أما الإنسان العبقري فإن قدراته العقلية والإدراكية تفوق أحياناً ما تعارف الناس عليه، وتدرك الخلل في الثقافة، وتحاول إعادة توجيهها، او اعادة بنائها، وقد يكون مصدر تلك القدرات هو الوحي، وقد يكون العلم، وقد يكون التأمل والتفكير العميق في ظل ثقافة متواضعة، وفي جميع الحالات لابد أن يكون العقل حاضراً وفاعلاً ومؤثراً، ولهذا يقولون إن بين العبقرية والجنون خيطا رفيعا، وبعضهم يرى ان العبقرية ضرب من الجنون في نظر من لا يدركون مخرجاتها ويستشفون أبعادها في الحاضر والمستقبل، ولذلك تثور المجتمعات عليهم وتناصبهم العداء، والقوى الثانية التي تتحكم في الإنسان هي القوى الغاضبة، والغضب يكون حميداً عندما يهان شيء لا يجب ان يهان مثل الدين، والوطن، والذات، والوالدين ونحوهما.
أما الغضب الخبيث فهو الذي يتم لأسباب تافهة ويجر من العواقب والخسائر اكثر مما يجر من الفوائد والمصالح، ولذلك قال رسولنا عليه الصلاة والسلام (ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب)، وقال لمن طلبه النصيحة (لا تغضب)، وكررها ثلاث مرات، وكم من نفوس أزهقت، ودماء سفكت، ونساء طلقن، وأرحام قطعت، ومصائب وقعت لغضب لا مبرر له، ولم يمر على العقل لمحاكمة أسبابه ومؤثراته، ولهذا طلب الرسول من الغضبان إذا كان واقفاً أن يجلس، وإذا كان جالساً أن يضطجع، وأن يتوضأ لأن الغضب من الشيطان، والشيطان من النار يطفئها الماء، وثالثة تلك القوى هي الوهم، فالوهم قد يدفع الإنسان الى الظن أنه فوق الآخرين، وانه هو وحده الذي يدرك الحقائق ويعلم ما يجب فعله ويجب تركه، وقد تدفع الاوهام بعض الاشخاص الى اقتحام الاخطار، وإلحاق الاذى بنفسه وبالآخرين، دون ان يجني من ذلك أي فائدة تذكر، فلا هو حصل على عنب الشام ولا على بلح اليمن كما يقولون، وقد يسوق الوهم الفرد أو الجماعة الى الظن بأن في استطاعتهم قلب موازين الحياة، وانهم سوف يسقطون عروشاً، ويدمرون دولاً كبيرة، ويقيمون كياناً جديداً على انقاض ذلك كله، وربما كانت بعض مجموعات الارهابيين، وبعض الجماعات المنحرفة عن سياق الحياة العامة من هذه الفئة.

فاكس 012283689


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved