الغياب والحضور الأمريكي في التسوية

الجولة الجديدة من تحركات الولايات المتحدة في المنطقة بما في ذلك الزيارة التي قام بها باول تتمركز بصفة خاصة على التذكير بأن أمريكا مازالت هناك تحاول (رعاية) السلام وأنها تبارك سلاماً في غياب أناسٍ أظهرت العداء لهم ومنهم بصفة خاصة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وقد ركّز المسؤولون الأمريكيون وهم يتناولون شأن السلام على هذه الصيغة الممعنة في الاستهتار بمشاعر الفلسطينيين حتى وهم يكابدون مشاعر المرارة على فقدان زعيمهم.
وأرادت الولايات المتحدة القول إنها يمكن أن تكون إيجابية وأن تتحرك بوتيرة أسرع تجاه السلام مع خلفاء عرفات، طالما اختفى الرجل عن مسرح الأحداث.
والآن فإن على الولايات المتحدة أن تكشف عن أوراقها الجديدة تجاه التسوية في ظل الظروف الجديدة، والإفصاح عما إذا كان ما تطرحه سيعبّر عن توجه جديد يمثل نقلة نوعية عن ذلك التوجه الذي ميّز سياساتها طوال السنوات الماضية والذي كان تعبيراً عن سياسات إسرائيلية قلباً وقالباً.
صحيح أن عرفات اختفى من الساحة لكنّ الفلسطينيين يتعاملون مع جملةٍ من الثوابت في حضور عرفات أو غيابه، وصحيح أيضاً أن وجهات النظر الحالية لبعض القيادات قد تختلف عما كان لدى أبو عمار، لكن تبقى الثوابت هي هي، خصوصاً أن الأمر لا يتعلق بالقيادات فقط وإنما بالجماهير الفلسطينية العريضة التي يكون رأيها حاضراً بقوة، فالسياسة الفلسطينية في مجملها هي سياسة نضالية ترسم خطوطها العريضة في ميادين النضال وساحاته وفي شوارع الضفة وغزة حيث المواجهات اليومية التي تشكّل أجندة كل يوم في العمل الحكومي وفي السياسة الخارجية والداخلية الفلسطينية.
وسيكون مفيداً أن تقترب الولايات المتحدة من نبض هذا الشارع لأنها بذلك تكون قد خطت الخطوات الصحيحة نحو التسوية، وإلا فإن المسحة الاحتفائية التي ميّزت تصريحات الأمريكيين والإسرائيليين عن السلام خلال مرض عرفات وبعد وفاته، سينظر إليها على أنها نوعٌ من التشفي من رجلٍ كان يصارع سكرات الموت وان فيها الكثير من الإيحاءات التي ترمي إلى الاستعداد للتعامل مع الفلسطينيين الذين لا يتمسكون كثيراً بالثوابت المتعلقة بالقدس واللاجئين والمستوطنات وغيرها، وربما تعيّن على الأمريكيين والإسرائيليين البحث في مكانٍ آخر غير فلسطين وربما في غير هذا العالم عن فلسطينيين يستجيبون للطروحات المبتسرة عن السلام التي تشوه الصيغة الواقعية للسلام وتجعل منهم في النهاية مجرد أناسٍ يبحثون عن فتات تسويات لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا يعتقد أن مثل هؤلاء الفلسطينيين لهم وجود في عالم اليوم.