Sunday 5th December,200411751العددالأحد 23 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

نمو العقل الجماعي... الانتخابات البلدية نموذجاً نمو العقل الجماعي... الانتخابات البلدية نموذجاً
د. محسن بن عبدالرحمن المحسن *

المتغيرات والتحولات الثقافية والاقتصادية في عالمنا اليوم أثرت بشكل كبير وملفت في تنشيط آليات العقل الجماعي وتحريكه نحو التأثر والتأثير بما يحصل في عالم اليوم، فلم يعد العقل الجماعي حبيساً لهموم محلية أو متعلقاً بأوضاع داخلية أو خاضعاً لتفسيرات ضيقة ومحدودة، ولعل تأثير القرية الكونية وثقافة التقنية وتداخل مصالح إنسان اليوم بعضه مع بعض وأحداث الحرب والسلم والمد والجزر على خارطة العالم اليوم كلها محفزات قوية لنمو العقل الجماعي.
العقل الجماعي بدأ يخرج من حالات الإملاء الثقافي الضيق الذي تفرضه أدوات ووسائل ثقافية معينة، العقل الجماعي بدأ يتحسس دوره ويبحث عنه في خضم هذه المتغيرات والتحولات.
العقل الجماعي هو أفكار المجتمع ودوافعه وطبيعة النسق الفكري الذي يفكر فيه، العقل الجماعي هو هموم المجتمع ونظرته للمستقبل، هو تأثره بالأحداث وإدراكه لحجم المتغيرات والتحديات من حوله، والالتفاف حول قضايا الهوية والمصلحة الوطنية وتنمية الحس الجماعي المشترك.. لم يعد دوره مقتصراً على المراقبة أو التخزين أو الاستقبال، بل بدأ يتطلع إلى المشاركة العقلانية في الحدث والمساهمة في صناعته، ويفرق بين أدبيات ما قبل تلك المرحلة وما بعدها.. فصور النقد الاجتماعي والثقافي، والمطالبة بمجالات أوسع للإصلاح للمرأة والرجل والشباب أخيراً كلها أمثلة على ذلك وكلها مؤشرات تعطي هذا الانطباع وعلى ولادة هذا النمو في وقت راهن الكثير على موته، أو يئس آخرون من قيامه، وها هو المجتمع يؤكد من جديد على أنه قادر على تجاوز هذه التحديات بعقل واعٍ ومدرك، وهي حالة ثقافية اجتماعية تمر بها كل مجتمعات الدنيا في طريقها نحو التحديث الاجتماعي والثقافي، الخطر هو أن تتعثر هذه الجهود أو أن تعاق مسيرتها أو أن ترتد إلى حالات سابقة...
ما يحتاجه العقل الجماعي اليوم هو ضبط إيقاعه وحركته في أعمال مؤسسية واسعة تستوعب كل أشكال هذا النمو، وتعمل على تنشيط آليات العمل المؤسسي وتمكينه من تفعيل حراكه الاجتماعي صعوداً من خلال عمل هذه المؤسسات، ويمكن أن ينتج العقل الجماعي بشكل أكثر إيجابية من خلال إعطائه الثقة وتوفير مناخات الحرية والتعبير بكل موضوعية عن الذات وهمومها وتطلعاتها.. نمو العقل الجماعي لا يتعارض مع هوية وخصوصية المجتمع بل هو تأكيد لقضاياه وتثبيت لأسسه برؤية عصرية وعقل متفتح يستوعب هذه المتغيرات وتلك التحولات.. نمو العقل الجماعي يعني أننا دخلنا في مرحلة جديدة لها ظروفها وآلياتها الخاصة، وهو يعني أنها سوف تتطور مع الوقت وتتسع دائرة نموها وتأثيرها وهو خيار لا نملك إيقافه أبداً لكننا نملك ترشيده ونملك القدرة على توفير المناخات المناسبة له والاستعداد له بشكل أفضل لنمو أفضل، وبدء الانتخابات البلدية في أيامنا هذه هي خطوة أولى في بداية هذا النمو، تأخرت كثيراً، نعم لكن نعتقد أنها أيضاً نضجت كثيراً مع الزمن وتحتاج أن تعوض هذا الغياب بسرعة لتكون جسراً طبيعياً لهموم العقل الجماعي وقناة تعبير حرة عن إرادته وحقوقه، وتطبيقاً عملياً ناضجاً للعقل الجماعي الذي ينطلق ويتحرك ويصل إلى أهدافه بصورة جماعية، لكن الخوف كل الخوف أن تتحول الانتخابات البلدية إلى لوحة دعائية كبيرة للباحثين عن تلميع ذواتهم فحسب، والعودة مجدداً إلى عالم الفردية والتمحور حول (الأنا) وأخواتها، وتكريس مفهومات ثقافية واجتماعية ضيقة لا تتماهى بشكل أو بآخر مع حجم الخطوة وإن بدت للبعض أنها صغيرة!

* أكاديمي وكاتب صحفي


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved