Monday 6th December,200411757العددالأثنين 24 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الاقتصادية"

الإصلاح الاستثماري.. المعوقات والحلول الإصلاح الاستثماري.. المعوقات والحلول
عبدالمحسن الحكير

عندما يتعلق الموضوع بقضية مهمة من قضايا وطننا العزيز فإن الشفافية والوضوح في الطرح تكون مطلوبة، فقد تعلمنا وعهدنا من قيادتنا الرشيدة الصراحة كأقصر الطرق وصولا إلى الحقيقة، ومن هذا المنطلق فإن إبداء الرأي تجاه بعض الأمور الاقتصادية يصبح أمراً ملحاً ومسؤولية اجتماعية واجبة، وما أود مناقشته في هذا المقال هو عدم تفعيل أنظمة الاستثمار بالشكل المناسب مما يؤدي إلى العديد من الانعكاسات السلبية على الاقتصاد الوطني فمع إقرارنا من أن بلادنا ولله الحمد جاذبة للاستثمارات بما تتمتع به من مزايا تنافسية، واتخاذها مؤخرا للعديد من الخطوات الجادة بهدف جذب الاستثمارات العالمية ومنها: وضع استراتيجية عامة للاستثمار للخمس سنوات القادمة تهدف إلى تحقيق نقلة نوعية في تحسين أساليب الخدمات والتسهيلات والمعلومات اللازمة للمستثمرين وإصدار العديد من التشريعات المهمة المحفزة للاستثمارات إلا أن هناك العديد من المعوقات - والتي حددتها وزارة التخطيط بأكثر من 125 عائقا - ما زالت تقف حجر عثرة أمام نمو الاستثمار بالشكل الذي يتناسب مع حجم ومكانة المملكة كدولة رائدة اقتصاديا على المستوى العالمي..
هناك بالطبع نمو ملموس في حجم الاستثمارات إلا أنه بالرجوع إلى حجم الأموال العربية المهاجرة ومعظمها سعودية فإن الدراسات تشير إلى أن هذه الأموال تبلغ أكثر من 2.8 تريليون دولار أمريكي ومعنى ذلك أن جزءا ضئيلا جدا من هذه الأموال تم استثماره داخل المملكة مما يعطي مؤشرا إلى وجود خلل ما في تطبيق نظام الاستثمار علينا معالجته خاصة وأن المناخ الحالي أصبح الآن أكثر ملاءمة من أي وقت مضى أمام عودة الأموال المهاجرة في ظل تعرضها لمخاطر التجميد أو المصادرة في الخارج، لذلك فإنه من الأهمية اغتنام هذه الفرصة الذهبية والإسراع بالإصلاح الاستثماري الجاد القائم على تعزيز مبدأ الشفافية وتسهيل الإجراءات الحكومية أمام المستثمرين مما يعطيهم الثقة في مناخ الاستثمار داخل المملكة، وبالنظر إلى دولة مثل الصين فإن معدلات النمو لديها تسير بوتيرة متسارعة والسب في ذلك يرجع لاتخاذها العديد من الإجراءات الاقتصادية الفاعلة والتي وضعتها في طليعة الدول الجاذبة للاستثمارات العالمية في الوقت الذي لم تجتذب فيه دول الخليج مجمعة سوى (0.6%) من مجموع التدفقات الاستثمارية العالمية..إذن من الضروري الإسراع بجذب الاستثمارات الأجنبية وتوطين الاستثمارات المحلية وإعطاء القطاع الخاص دوراً أكبر في النشاط الاقتصادي ولكن السؤال المهم كيف نتمكن من ذلك!!
من المهم جداً الإسراع في تقليل الإجراءات البيروقراطية في بعض الجهات الحكومية والتي يعتمد بعض موظفيها لا سيما الصغار منهم ووفق أمزجتهم على التعقيد الروتيني كطريق وحيد للتعامل مع المستثمرين مما يعمل على إطالة الدورة المستندية للمعاملات الأمر الذي من شأنه تعطيل الاستثمارات، وكما يقول أحد الخبراء المتخصصين في هذا المجال أن البيروقراطية هي فيروسات التنمية، وهي مقولة حكيمة تستند إلى الواقع إذ إن بطء الإجراءات وتعدد الجهات الحكومية التي يتعامل معها المستثمر يؤدي حتما إلى تردد بعض المستثمرين وربما إلى هجرة الأموال الوطنية أيضا.
والنقطة الثانية تتعلق بأهمية النظر إلى المستثمر الخارجي كشريك فاعل في عملية التنمية الاقتصادية على اعتبار أنه يحقق للمجتمع فوائد مهمة يأتي على رأسها: توفير فرص العمل للشباب، وزيادة تدفق رأس المال الأجنبي للبلاد، ونقل التقنية والتكنولوجيا العالمية، وتحسين البيئة المحلية المحيطة وتطويرها.. فمما لا شك فيه أن التعامل الإيجابي من المجتمع بكل فئاته مع المستثمر الأجنبي يشعره بالانتماء والولاء ويخلق لديه شعورا حقيقيا بأنه جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع، وأن دوره ليس مقصورا على كونه مستثمرا فقط بل مساهما حقيقيا في كافة النشاطات الاجتماعية والخيرية الأخرى.
ويجب علينا أن نسرع بالإصلاح الاستثماري وأن ندرك جيدا أننا في زمن العولمة؛ فالعصر الحالي يتسم بالسرعة في كل نواحي الحياة، وأن السرعة في الإصلاح واتخاذ القرار من الأهمية بمكان حيث تسعى جميع دول العالم بلا استثناء لجذب الاستثمارات الخارجية إليها بكل الطرق والأساليب الممكنة باعتبار الاستثمار مسألة حيوية، وبكل تأكيد فإن المملكة العربية السعودية واحدة من الدول الجادة في هذا المضمار الساعية إلى تعزيز قدرتها التنافسية في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية لما لها من دور مهم في توسيع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني ونقل التقنيات المتطورة وتوطينها وزيادة معدل النمو الاقتصادي.
والحق أن هناك جهودا كبيرة تبذلها الهيئة العامة للاستثمار على صعيد ترويج الاستثمارات الأجنبية في المملكة إلا أن النتائج ما زالت حتى الآن متواضعة وهذا ما يدعونا إلى البحث هل الإشكالية في ضعف الحوافز الضريبية الممنوحة للمستثمرين وعدم منافستها للمستويات العالمية أو في المبالغة في الترويج للحوافز والمزايا الاستثمارية والتي لا يجدها المستثمر الأجنبي غالبا على أرض الواقع مما أضعف مصداقيتنا في الترويج للاستثمارات خاصة لدى الشركات الأجنبية أم أن المشكلة ذات صلة بعدم توافر البنية الأساسية بالشكل المطلوب في بعض مناطق المملكة وانعدامها في البعض الآخر.
لكن السؤال الأهم من ذلك والذي يفرض نفسه بقوة: كيف يمكننا إقناع المستثمرين السعوديين للاستثمار في وطنهم، وإذا لم نوفق في ذلك فكيف يمكننا اجتذاب الاستثمارات الأجنبية، إنها في الحقيقة معادلة صعبة فكلا الأمرين مرتبطان ببعضهما ارتباطا وثيقا إذ إنه من الأهمية أن نعمل أولا على إبقاء رؤوس الأموال الوطنية للاستثمار في الداخل، ثم تأتي مرحلة استقطاب الاستثمارات الأجنبية للاستثمار في بلادنا، فمن المؤسف حقا أن بعض الشركات والمؤسسات السعودية قد تركت السوق السعودي متجهة إلى بعض دول الخليج المجاورة دون التحرك الفوري لمعالجة الأسباب التي دفعتهم إلى ذلك، يكفي أن أشير إلى تقرير أوردته جريدة الاقتصادية السعودية في عددها الصادر في 29 نوفمبر 2004م والذي يشير إلى أن إجمالي الاستثمارات السعودية في المشاريع العقارية الإماراتية قد وصل نحو عشرة مليارات من الريالات.
ومن الأجدى ألا ندفن رؤوسنا في الرمال دون وضع حلول جذرية لهذه المشكلة أو المشاكل المرتبطة بها والمتمثلة في تجميد المستثمرين لأموالهم في ودائع بنكية بل ينبغي وضع آلية فاعلة لاستقطاب هذه الأموال الكبيرة المودعة في البنوك واستثمارها في مشروعات تنموية تعود بالخير والنفع على اقتصادنا الوطني وتوفير فرص عمل للشباب، والمرونة في تطبيق القوانين بما يساهم في استقطاب الرساميل الأجنبية.
وحتى يتم علاج تلك المشكلات بشكل جذري فإنه ينبغي رفع كفاءة الأجهزة الحكومية المرتبطة بتطبيق هذه الأنظمة فقد اتضح بما لا يدع مجالا للشك أن المشكلة الحقيقية تتعلق بتطبيق القرارات والأنظمة والتي تم تعطيل الكثير منها بفعل الإجرءات والتعقيدات الروتينية على الرغم من أن الاستثمار يعتبر قضية حيوية تهم مصلحة الوطن والمواطن، وأود في هذا السياق أن اشير إلى أن الهيئة العامة للاستثمار قد أطلقت برنامجا لتبادل الخبرات بينها وبين القطاع الخاص معتمدة في هذا البرنامج على كوادر مميزين مشهود لهم بالكفاءة والمهارة يتم إعارتهم لفترات مؤقتة من القطاع الخاص مما يتيح لموظفي الهيئة تدريبا عمليا مباشراً على أيدي كفاءات مميزة، وهذا بالطبع من وجهة نظري أولى خطوات الإصلاح في مجال الاستثمار.
إننا في حاجة ماسة إلى تغييرات جذرية لا شكلية حتى يتم تفعيل الاستثمار بالشكل الذي يحقق طموحاتنا وتطلعاتنا الاقتصادية من خلال تكريس الأولوية للإجراءات الرامية لزيادة تدفقات الاستثمارات الأجنبية وإعادة الأموال المهاجرة المستثمرة في الخارج والاستفادة من المدخرات المحلية في إقامة مشروعات تنموية جديدة تشكل رافدا إضافيا للدخل الوطني خلال المرحلة المقبلة، والعمل على تأهيل وتدريب الكوادر المؤهلة القادرة على تسويق بيئتنا الاستثمارية، والاستفادة من التقنيات الحديثة مع تطبيق الحكومة الإلكترونية في جميع الجهات ذات الصلة بالأنشطة الاستثمارية مما يعمل على توفير الوقت والجهد على المستثمرين، وإعطاء امتيازات للمستثمرين الذين يقيمون استثماراتهم في المناطق النائية، والاهتمام بالأسواق الحرة كإحدى الآليات الجيدة في جذب الاستثمارات وزيادة الصادرات.

رئيس مجلس إدارة مجموعة الحكير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved