Monday 6th December,200411757العددالأثنين 24 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

نهارات أخرى نهارات أخرى
التربية بالإيحاء!
فاطمة العتيبي

* الطفل الأول..
هو حقل التجارب التربوية لكل الآباء والأمهات المحدثين حيث يكونون مباشرة في مواجهة لكل قراءاتهم في علم النفس أو التربية أو خلاصات الروايات والقصص بشخوصها وأبطالها.
وأمامهم عجينة لينة.. لها عينان.. وفم.. ويدان وقدمان يشكلانها تارة عبر اتجاه ثم يعودان لخلطها من جديد والبدء بتشكيلها عبر اتجاه آخر.. وينسيان في غمرة البحث عن طفل مميز..
أن هذه العجينة لها روح شفافة تتأثر وتخدش وتظهر عليها الندوب والشقوق التي لا تلتئم..
* حين كنا صغاراً كان لأهلنا قانون مريح: (من ضربك اضربه فالعين بالعين والبادئ أظلم.. ومن عفا وسامح فله أجر وثواب من الله سبحانه) .
نظرية عامة كانت تصلنا ونستوعبها بكلمات أهلنا البسيطة والواضحة والمباشرة والخالية من كل عقد النظريات وتقلباتها وتغيراتها يتعامل بها الأطفال جميعاً فتبدو روح المساواة والتماثل قائمة.
* لم أعلّم طفلي الأول هذه العبارة..
واخترت له دائماً المجتمعات التي لا تمتد فيها أيدي الأطفال ضرباً لبعضهم.. ووضعت معه حارسة تكف عنه شقاوة الأطفال..
وفي الخامسة بدا غير قادر على مجابهة من هم في سنه فعمدت إلى أسلوب الإيحاء النفسي..
فقلت له: إنك بطل..
وإنك قوي.. وإن عضلاتك شديدة.. وإن بقبضتك ضربة تسقط الآخرين..
ومن فرط اقتناعي بالفكرة كوسيلة ناجعة له.. مثلت عليه أن يده أقوى مني وأنه يهزمني في بطولة شد الأيدي يمينا ويساراً..
وما هي إلا أيام عدة.. حتى وجدته يضرب الأطفال الذين ضربوه بالأمس بل و (يهدي) وجوههم لكمات شديدة..
وكان آخرهم قد دفعه طفلي البطل نحو الجدار فاصطدم به وأدمى رأسه.
* استغرب الجميع كيف تحول الحمل الوديع إلى هذا الأسد المرغي المزبد الذي ينظر إلى قبضته بزهو وينظر إلى ضحاياه بازدراء..
* قلت إنها نظرية الإيحاء.. اشتغلت بها عليه طوال الأيام الماضية فكانت النتيجة فتاكة والحقيقة أنني (زودت) العيار (شوي) !!
ورحت بعدها اشتغل على نظرية التسامح وقوة الفكر والبطولة الذهنية وأن الجسد وقوة العضلات هي قوة دونية وأن البطولة الحقة هي بطولة العقل.
فأغرقت طفلي بالكتب والقصص واشتركت له بالمطبوعات والمجلات وصار يداوم على تواريخ صدورها ويتابع موادها فضعف بصره من كثرة القراءة وارتدى (النظارة) ..
وكبر قبل أوانه وسابق عصره واحتقر كثيراً من تصرفات أقرانه..
* جاء يوم أمس يشكو زملاءه الذين يمزحون معه مزاحاً ثقيلاً، فهم يعتبرون اللكمات والإسقاط أرضاً مداعبات بين الزملاء قال له والده..
لِمَ لمْ تمازحهم باللكم أيضاً؟
لِمَ لمْ تداعبهم بإسقاطهم أرضاً
كما فعلوا..؟! أليس كله مزاحاً!!
وعدنا إلى حيث انتهى أهلونا ولكن بدون (لت وعجن) وبدون خلط وتناقض..!!
* لو ذهب التلميذ للمدير لخسر علاقته مع زملائه ولبدا تلميذاً ضعيفاً شكاياً..
ولو ضرب بعنف وبادل زملاءه فإن المسألة قد تمتد إلى أضرار في الجميع..
الحل أن يكون الميدان المدرسي بين الحصص وفي الساحات الخارجية مراقباً من إدارة المدرسة بحيث يتدخل ممثلوها في الوقت المناسب..
لن تقول لأولاد في العشر سنوات: كونوا مثاليين.. ولن تجد ذلك في كل البيئات المدرسية..
لكنك تكتشف في النهاية أنك تربي أولادك لا ليعيشوا في بيتك وبيئتك بل كان يلزمك أن تربيهم كي يعرفوا كيف يعيشوا مع كل البيئات!!!
وتلك نظرية فاتني أن أطبقها مع والده عليه لكن هذه فكرة أهديها للآباء والأمهات المحدثين الذين يبدأون الآن مواجهة معترك تربية الطفل الأول..
.. الأول فقط
لأن الثاني والثالث والرابع.. أقل كلفة نفسية وتجريباً!!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved