تغييب القيادات الفلسطينية

لا تحتمل إسرائيل وجود القيادي الفلسطيني أياً كان، والأحرى أنها لا تحتمل أي فلسطيني فاعل يثور ويقاوم الاحتلال، وهي لهذا تسعى إلى تغييب مثل هؤلاء القادة وغيرهم من النشطاء وذلك من خلال التصفية الجسدية كما تفعل كل يوم، أو من خلال قتل الشخصية السياسية والقيادية أو تحطيمها أو تدميرها بأية وسيلة كانت، فالقيادات النشطة ميدانيا تستهدفها صواريخ طائرات الاباتشي التي تحوم في فضاءات غزة والضفة صباح مساء، أما الذين يخوضون العمل السياسي المقاوم فإن إسرائيل تعمد إلى تغييبهم سياسيا بالسجن ومختلف أنواع الإهانة، وهي فعلت ذلك مع الآلاف..
والاعتداء الإسرائيلي الأخير بالضرب ضد اثنين من المرشحين للرئاسة: بسام الصالحي من حزب الشعب والدكتور مصطفى البرغوثي مرشح المبادرة الوطنية، هو محاولة واضحة لتعطيل هذه العناصر السياسية وإلغاء دورها النشط في المقاومة للاحتلال، كما أن هذه الاعتداءات تعتبر تدخلاً واضحاً لتعطيل الانتخابات الفلسطينية أو التشويش عليها والتأثير سلبياً على أجوائها..
إن أي قيادي فلسطيني يعني أن على إسرائيل أن تظل متوترة بينما يردد القياديون المطالبة بحقوقهم ويلهبون مشاعر النضال في نفوس أبناء شعبهم، وقد درج الفلسطينيون على مساندة القيادات الصلبة التي لا تتهاون أمام هذا الذل والهوان ولا تتنازل عن الثوابت الفلسطينية بما في ذلك وضع القدس وملايين اللاجئين..
فقد حاولت إسرائيل ضرب ياسر عرفات والإخلال بقيادته وعزله عن شعبه لكنها لم تستطيع فك الارتباط الوثيق بين القيادة والشعب وهي ستحاول ذلك مع أي قيادة يلتف حولها الشعب الفلسطيني، ولهذا فإن الانتخابات القادمة هي مجال آخر لاختيار قيادة جديدة، وهو أمر يقلق إسرائيل ولذلك فهي تحاول التأثير على ما يجري، وهي أيضا لا تحتمل أجواء الانتخابات التي تتردد فيها الأماني والتطلعات الوطنية، وكلها أمور تشيع وتشجع على روح المقاومة..
هذه الاعتداءات تؤكد أيضاً أن إسرائيل تريد الاحتفاظ بالأوضاع على ما هي عليه دون إفساح المجال أمام التسوية المنشودة التي تخشاها إسرائيل لأنها قد تعيد الحقوق السلبية، خاصة وأن مقتضيات التسوية الحالية تفترض إكمال الانتخابات لمباشرة الخطوات التالية..
ويهم إسرائيل كثيراً الحفاظ على حالة التصعيد، فهي من خلال تعمدها هذه الاعتداءات تعرف أنها ستتلقى رداً ما وعندها ستبادر إلى إرسال قواتها حيث تشاء في الضفة أو غزة لقتل الفلسطينيين وتدمير منازلهم وتشريدهم، ومن ثم تتواصل دائرة العنف من خلال الهجمات والهجمات المضادة، وهو أمر يؤدي استمراره إلى الإقلاع عن مساعي السلام مع انعدام الأجواء المناسبة..