Sunday 12th December,200411763العددالأحد 30 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "وَرّاق الجزيرة"

عميد الرحالين عميد الرحالين
صفحات من الوفاء بين الشيخ وتلميذه
د. عبدالله بن محمد الرميان

الشيخ محمد بن ناصر العبودي علم من أعلام هذه البلاد، وعالم من علمائها، بيد أنه لم يتخصص في فن واحد لينسب إليه، ويتسابق أهل تخصصه إلى القيام به وإبراز مآثره، لقد ضرب بسهم بل أسهم في كل تخصص، فهو الذي ثنى ركبتيه في مجالس العلم وحلق العلماء في وقت انشغل فيه عامة الناس بمعيشتهم، فأخذ عن عدد من العلماء في عصره، لكنه لازم العلامة الشيخ عبدالله بن حميد- رحمه الله- ملازمة تامة في حله وارتحاله، حتى رأي فيه شيخه ما يراه العالم النابه في تلميذه النجيب، لقد لمس الشيخ من تلميذه الفطنة والذكاء، وتفرس فيه القيادة وحسن الأداء، فعينه قيماً للمكتبة العلمية في بريدة عام 1364هـ، ثم تولى التدريس والإدارة في المدارس الحكومية حال تأسيسها، حتى أسندت إليه - بترشيح من شيخه - إدارة المعهد العلمي في بريدة حين تأسيسه مع الفوج الأول من المعاهد العلمية، وذلك في عام 1373هـ، وكان طلاب المعهد في ذلك الوقت من مشاهير طلاب العلم البارزين.
لقد سبر الشيخ عبدالله حال تلميذه، وعرف مواهبه فهيأه من خلال هذه الإدارة لعمل أكبر، ولم يخيب العبودي شيخه فكان فوق ما يظن وقام بما أوكل إليه خير قيام، حيث نجاحه في إدارة المعهد العلمي في بريدة أهله لأمانة الجامعة الإسلامية عند تأسيسها سنة 1380ه، فكان من الرجال الذين قامت الجامعة على سواعدهم، وبقي الرجل الثاني في الجامعة بضع عشرة سنة، فهو الساعد الأيمن لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز- رحمه الله- المسؤول الأول فيها، حتى انتقل أميناً عاماً للدعوة الإسلامية وبقي فيها عدة سنوات، ثم صدر الأمر بتعيينه وكيلاً مساعداً لرابطة العالم الإسلامي بالمرتبة الممتازة عام 1403ه، وما زال يواصل الركض في هذا الميدان منذ أكثر من ستين سنة، حتى ألف كتاباً في هذا وسمه ب(يوميات موظف بعد ستين سنة من العمل).
لم يكن العبودي طالب العلم الشرعي الذي أخذ العلم من مصادره وعاش في بيئة علمية ليقصر نفسه عليه، فهو مع هذا الإداري الناجح الذي قضى في العمل الإداري أكثر من ستين سنة.
مع هذه المنزلة في العلم الشرعي، والنجاح المتواصل في العمل الإداري، ساهم في فنون متنوعة من العلوم النافعة، فهو الأديب البارع، ذو القلم السيال والأسلوب البليغ، حيث أمد المكتبة العربية بمؤلفات نفيسة، في اللغة العربية واللهجة العامية والقصة والرواية في أكثر من ستين مجلداً.
أما جغرافيا البلدان، بمدنها، وسهولها، وجبالها، وأوديتها، وبحارها، وأنهارها فقد حفلت بها مؤلفات في الرحلات، وأظهرت قدرة عجيبة على البحث والدراسة والاستقصاء والترجيح، ويكفيه في جغرافيا بلده، كتابه الضخم معجم بلاد القصيم، في ستة مجلدات، والذي كتبه قبل أكثر من ثلاثين سنة، وهو مرجع لكل من كتب ويكتب عن هذه المنطقة.
والعجب أنه إذا تحدث عن موضوع، أو كتب فيه، قلت هذا فنه الذي يحسنه وتخصصه الذي قصر نفسه عليه.
أما الرحلات فهو رمزها، وأستاذها، وحامل لوائها في هذا العصر، وقد أحسن تلميذه الوفي، الأستاذ محمد بن عبدالله المشوح عندما لقبه بعميد الرحالين، فهو الذي جاب الأقطار، ووصل إلى ما وصل إليه الليل والنهار.


فسار مسير الشمس في كل بلدة
وهب هبوب الريح في البر والبحر

ولا أعلم أحداً من العرب أو غيرهم قام بهذه الرحلات التي قام بها الشيخ، ولا وصل إلى ما وصل إليه، نعم ليست العبرة بعظم المشقة، ولا بطول الرحلة فإن للأوائل من ذلك النصيب الأكبر، لكن من غير الشيخ جاب الديار وكتب عن سائر الأمصار.
إن ما تميز به الشيخ أنه طاف الدنيا، وكتب عنها، فكأنك شاهد معه تلك الرحلات، رغم ما بينك وبينها من المسافات.
لقد عدت كتبه من المراجع المهمة لكثير من البلاد التي كتب عنها، فهو يكتب عن أديانهم، وعاداتهم، وقبائلهم، وأصولهم، وحضارتهم، ومظاهر الحياة عندهم بل ومساكنهم، ومساجدهم، وتقاليدهم، وأساليب معيشتهم، مع ما يذكره من طرائف ومواقف واجهته أثناء هذه الرحلات، ويكفي أن نعلم أن له أكثر من مائة وسبعين كتاباً في الرحلات فقط.
ولم يكن نجاح الشيخ وبروزه في الكتابة فقط، بل هو متحدث لبق، ذو أسلوب شيق، ولغة فصيحة، وبرنامجه الناجح في إذاعة القرآن (المسلمون في العالم، مشاهد ورحلات)، يشهد على هذه الموهبة التي أظهرت جانباً من جوانب تميز وإبداع هذه الشخصية.
لقد قام الأستاذ محمد المشوح بتأليفه للكتاب الماتع عن الشيخ محمد العبودي الذي وسمه ب(عميد الرحالين) بأحد فروض الكفايات، وحاز قصب السبق في ميدان الوفاء، وقد أبدع فيه المشوح، وأظهر موهبة كتابية رائعة، تضاف لمواهبه المتعددة التي سبق فيها سنه.
وأثلج الصدر، وأظهر وفاء مجتمعنا لرواده، حينما أعلن الأمير المثقف، والمتحدث البليغ، صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة القصيم قبل أشهر إنشاء مركز ثقافي باسم الشيخ العبودي في مدينة بريدة، وإطلاق اسم الشيخ على أحد شوارع مدينته التي ترعرع فيها وشب وتعلم وعلم.
وأما إدارة التعليم بالقصيم فهي كالعادة سبّاقة في مضمار الوفاء، ورائدة في تكريم الرواد، حيث بادرت بتسمية إحدى مدارسها الثانوية باسم الشيخ، وليس ذلك بمستغرب إذا كان على هرم المسؤولية فيها رجل الوفاء والإخلاص الأستاذ صالح بن عبدالله التويجري.
وإنا لننتظر المزيد من ثمرات الوفاء ونتاج التكريم، والله لا يضيع أجر المحسنين.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved