Tuesday 14th December,200411765العددالثلاثاء 2 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

الانتخابات البلدية: ما لها وما عليها الانتخابات البلدية: ما لها وما عليها
المهندس عبدالعزيز بن محمد السُّحيباني

صدر مؤخراً نظام الانتخابات البلدية وهذا النظام من خلال فقراته يُوضِّح شروط الناخب والمُرشَّح لهذه الانتخابات حيث أتاح الفرصة لأبناء الوطن للمشاركة في صنع القرار البلدي.. وفي كل جزء من العالم تعتبر البلدية هي الجهاز الخدمي الأهم في المدينة فهي التي تبني المدينة من البداية وحتى النهاية فلنفترض أن هناك أرضاً في الصحراء فكيف سيتم بناء هذه المدينة.
إن البلدية هي الإدارة التي تتولى بناء المدينة بسلطة النظام حيث إن المدينة يسكنها بشر وهؤلاء البشر لا بد من تقديم خدمة المسكن والمشرب والطعام والخدمات الأخرى لهم وخاصة الخدمات الترفيهية. يبدأ بناء المدينة من تخطيط أراضيها وشوارعها ثم الشروع في خدماتها كالسفلتة والهاتف والمياه والصرف الصحي والأرصفة والإنارة والتشجير والحدائق ثم يأتي إنشاء المطاعم التي يجب أن تخضع لسلطة القانون فيُعاقب المطعم المتجاوز للشروط الصحية، والبلدية تُمثِّلُ سلطة القانون، ثم يأتي بناء المباني واعتماد المقاولين الذين يقومون ببنائها وفي حالة عدم وجود سلطة إدارية لمعاقبة المقاول المقصِّر في بناء المبنى من ناحية السلامة أو الشكل فستعم الفوضى في المدينة ويخضع المواطن لجشع تجار المباني والمواد والمقاولات.
إن البلدية تتولى أيضاً نظافة الشوارع ومكافحة الحشرات الضارة بصحة المواطن التي هي هدف غير ربحي بل تهدف إلى الحفاظ على الصحة العامة ولا بد لها من سلطة قانونية تتولاها البلدية ومن هنا نرى أن البلدية هي أداة إدارة خدمات المدينة، والمواطن بالنسبة للمدينة هو كساكن المنزل بالنسبة للمنزل، ولا شك أن صاحب المنزل يريد المنزل أن يكون حسب ذوقه وحسب ما يريحه من حيث الشكل ومن حيث اللون ومن حيث أماكن الترفيه والخدمات وأماكن المعيشة، والمدينة هي كالمنزل الكبير الذي يعيش فيه عدد من المواطنين لكل واحد منهم رأي ولكل واحد منهم ذوق، ومن هنا جاءت أهمية المجالس البلدية، فهي الأداة التي تجمع آراء كل هؤلاء المواطنين في عدد من المرشحين الذين ينتخبهم الناخبون من أبناء المجتمع، فكل مواطن يفضل مرشحاً معيناً، وهؤلاء المواطنون لنفترض أنهم 10.000 مواطن بعضهم آراؤهم متوافقة وبعضهم آراؤهم متعارضة ولنفترض أننا خرجنا بما مقداره 1000 رأي متوافق من هؤلاء العشرة آلاف فنرى تقلص الآراء إلى 1000 بدلاً من 10.000 رأي، وهؤلاء كل منهم يفضل مرشحاً يخوض الانتخابات البلدية ولنفترض أن كل 100 يفضل مرشحاً فنصل إلى 10 مرشحين يخوضون الانتخابات البلدية ويشترك بعضهم في المجلس البلدي الذي هو ملتقى لآراء وخطط أبناء المدينة لتطوير مدينتهم والرقي بها نحو الأفضل وهذا المجلس حسب نظامه لا بد أن يصل إلى رأي واحد فنرى أن 10.000 رأي تحولت إلى رأي واحد يمكن تنفيذه عن طريق البلدية بعد التوصل إليه عن طريق المجلس البلدي فهو مصنع منتج للآراء التي تسعى إلى تطوير المدينة ومشاركة المواطن في تطوير مدينته ومجتمعه عن طريق المجالس البلدية إذ هي بلا شك خطوة تطويرية في أداء البلديات.. وفي رأيي أن من أهم مزايا الانتخابات البلدية وأسسها التي يجب أن تقوم عليها لتكون انتخابات ناجحة ما يلي:
أولاً: البعد عن القبلية والإقليمية وهي شرط نصت عليه لوائح الانتخابات وصناديق الاقتراع التي صدرت مؤخراً وهي أهم عنصر من عناصر هذه الانتخابات التي يجب أن تتسم بالحيادية والبعد عن الإقليمية أو المعرفة الشخصية أو العصبية القبلية أو القروية أو المناطقية فليس من المعقول ولا من المنطق أن يرشح أحد الأشخاص أحد أقاربه لمجرد القرابة أو أحد معارفه لمجرد المعرفة دون النظر إلى كفاءة الشخص وبرنامجه التنفيذي بعد فوزه في هذه الانتخابات. إن التعصب لشخص ما لسبب شخصي عاطفي هو السبب في فشل هذا الشخص والجناية عليه.. فالهوى والعاطفة غالباً ما يقودانا ويقودان الآخرين إلى أن تكون أحكامنا وقراراتنا مبنية على عاطفة وعلى حكم مؤقت لظرف طارئ مثل هذه القرارات والأحكام الطارئة جعلت منا من يثور لأتفه الأسباب ويغضب لأتفه الأسباب فتجد هذا الشخص أو ذاك أو هذا المسؤول أو ذاك عندما يقابل من أحد الأشخاص بموقف ما قد يكون خاطئاً بنسبة ما فإنه يواجه من الطرف الآخر بغضبة مضريَّة تستبعده وتنفيه نفياً من الواقع لهذا السبب الطارئ الذي جعل الطرف الآخر يحكم أيضاً عليه حكماً عاطفياً طارئاً.. وهذا هو ما تجنبته انتخابات البلديات المقبلة وحذرت منه مبكراً وقبل البداية حتى لا يكون البناء على هوى وعلى عاطفة.
ثانياً: أن يراعي الناخبون مخافة الله ومراقبته ولا يعطون أصواتهم إلا لرجل كفء يعلمون نزاهته وأمانته وصدقه حسبما يظهر لهم من برنامجه ومن أفكاره وآرائه التي يطرحها عليهم التي يجب أن يكون هدفها الصالح العام لا مصالح شخصية مادية أو آنية.
ثالثاً: عدم الانسياق وراء أصحاب الأموال والتأثير المادي الذين يضعون لأنفسهم هالة إعلامية ويضخمون ذواتهم بسبب توفر المادة في أيديهم (brobagenda)، ويجب أن يدخل في هذه الترشيحات مَنْ عُرِفَ بحب وطنه والتبرع لمدينته بالمرافق أو المشاريع فبعضٌ من رجال الأعمال وأصحاب الأموال يدفع أموالاً طائلةً في سبيل تسيير أحد المشاريع لمدينته أو المساهمة في قيامه كله أو جزء منه كالتبرع بالأرض مجاناً أو المساهمة بجزء من تكاليف أحد المشاريع الخدمية التي تصل بالمدينة إلى المستويات الراقية، إن مثل هؤلاء هُمْ مَنْ يجب استقطابهم، كما يجب استقطاب أصحاب الأفكار النيرة والآراء السديدة ممن يدلون بالخطط والأفكار فالمشروع يبدأ بفكرة والدراسة تبدأ بخاطرة، وليس هناك اقتراع في الدنيا إلا وبدأ بخاطرة مرت على أحد البسطاء ولا يتطلب الأمر أن يكون هناك مركز أبحاث أو دار استشارات للتفكير بهذا الرأي السديد أو بداية الفكرة، وإلا لماذا ميَّز الله الإنسان بهذا العقل.
إن المجلس البلدي هو محضن للأفكار وتبادل الآراء والأفكار التي تبدأ المدينة منها انطلاقتها نحو عالم الأضواء والرقي. كثير من مدننا تفتقر إلى منتزهات ومراكز تنزه ورياضة المشي، تفتقر إلى مراكز استثمارية أو تجارية أو ثقافية وليس لدى جهاز البلدية ومهندسيها الوقت الكافي للجلوس أو التخطيط بعيد المدى (planning) حيث إنها مشغولة بأعمال آنية سريعة حيث إن كل موظفي البلدية تقريباً قد غرقوا في البيروقراطية والمعاملات اليومية.. فأيامهم تأكل بعضها، وأوقاتهم تضيع هباء في إجراءات بيروقراطية قد تقتل أفكار الكثيرين منهم، ولا شك أن المجلس البلدي سيكون خروجاً عن هذا المألوف متجاوزاً للروتين القاتل الممل مفكراً في خطط بعيدة المدى واضعاً تصوراً شاملاً للمدينة للوصول بها إلى (المدينة الفاضلة) التي تصورها أفلاطون.. لدى كثير من هؤلاء آراء عن مدن زاروها في الشرق أو الغرب في تناسق خدماتها وجمال بيئة شوارعها.
رابعاً: إن المجلس البلدي يمثل نقلة نوعية في العلاقة بين البلدية والمجتمع حيث إن هناك فارقاً وحاجزاً رهيباً بين المجتمع والبلدية فكثير من أفراد المجتمع لديهم تصورات محفوظة في الأذهان عن البلديات وهي أنها سلطات فقط لفرض النظام بالإجبار على المواطن أو أنها للحد من حريته في التصرف بأملاكه وأراضيه وهؤلاء قد ينظرون نظرة آنية مصلحية لذواتهم فقط بينما ينظر نظام البلدية إلى المصلحة العامة.. فقد يقوم أحد المواطنين بحفر الرصيف المقابل له من الجهة المقابلة لجاره مثلاً دون إعادته ويتذمر حين تقوم البلدية باتخاذ إجراء فوري لردع مثل هذا التصرف لأنه أضر بجاره الآخر وهذا التذمر لا شك أنه صادر عن تفكير آني، ويعتقد لهذا أن البلدية قد حَدَّتْ من حرياته، والكثيرون يتصورون البلدية بعبعاً أو جهازاً لتصيد مخالفاتهم وجباية أموالهم، والدليل على هذا الخصام بين المواطن والبلدية هو هذا التعدي السافر على الممتلكات العامة فقلَّ أن تجد مرفقاً عاماً قامت البلدية بإنجازه إلا ويتعرض للتدمير والكتابة الاستفزازية على جدرانه، فلنفترض أن هناك منتزهاً عاماً كلف البلدية ملايين الريالات، سنجده بعد فترة من افتتاحه خاوياً قد حُطمت أضواؤه، وكتبت الكتابات التي ملأت جدران مبانيه، وخلعت أبوابه غرفه و مقاهيه في منظر يبعث على الأسى الذي يثير الإحباط واليأس لدى موظفي البلدية ومنسوبيها الذين تعبوا وكدحوا حتى أتوا بهذه الهدية للمدينة فواجهها بعضٌ من أفراد المجتمع الذين يمكن وصفهم - وحتى نكون منصفين - بأنهم فئات طائشة فقط.
خامساً: لا بد أن يكون لدى (المجلس البلدي) خطط لإعادة الدور الاجتماعي والثقافي للبلدية فالبلدية ليست رخصاً فقط أو إسفلتاً وإنارة وأرصفة فقط، وليست رقابة على المطاعم فقط، إن للبلدية دوراً ثقافياً واجتماعياً مهماً، فالبلدية يجب أن تكون منارة ثقافية في المجتمع، ويجب أن تذيب هذا الفارق بينها وبين مجتمعها المحلي وذلك بإحياء الدور الثقافي الاجتماعي للبلدية فتنظم المحاضرات الثقافية التي تسلط الضوء على إنجازات البلدية ومهماتها للرقي بالمجتمع إلى الفئة الراقية التي تحرص على المدينة كما تحرص على منازلها (المنزل الكبير هو المدينة)، يمكن أن تنظم البلدية في كل فترة ملتقى للمواطنين في أحد المنتزهات لمناقشة أحد مشاريع البلدية كأن يقال إن البلدية تنوي شق طريق، أو إنشاء مشروع أسواق فيجتمع المواطنون مع رئيس البلدية لطرح أفكارهم حول هذا المشروع فالمواطنون هم مَنْ سيستفيد منه، أو أن يكون هناك محاضرات ثقافية عن العلاقة بين البلدية والمجتمع من خلال قاعة محاضرات في مبنى البلدية نفسه.
وفي الختام فإن الانتخابات البلدية مؤشر مهم للنهوض الإداري والتنموي لدينا.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved