دعوة لمواجهة الواقع ونبذ الأوهام

التطاول على مهام المؤسسات العامة يتجاوز أحياناً المسلمات ، ويقفز على الحقائق لبناء أوهام تتفق مع الأغراض المريضة للبعض ، كأن يتصور هؤلاء أن أهوالاً تجري في السجون التي يتمثل هدفها في الإصلاح وإنزال العقوبة بمن يستحق وفقا للأحكام الشرعية ، ولن تتحول السجون بين يوم وليلة إلى مواقع للتعذيب أو إزهاق الأرواح .. فالسجون أماكن تقوم وفقا لواقع المؤسسات التي تبتعد عن إدماج الأهواء الشخصية في أنظمتها الإدارية والتنظيمية ، ولهذا فإن ما يدور عن أن هذا السجن أو ذاك كان مجرد مكان للتعذيب ، هو أمر بعيد عن الواقع ولا يوجد إلا في أذهان الذي يريدون لها أن تكون كذلك.
ولن نبتعد ولن نستغرق في مجالات التنظير ، ولعل الإفادات التي أدلى بها بعض نزلاء هذه السجون ذوي الارتباط بقضايا الإرهاب تبرز المدى البعيد الذي ذهب إليه الذين حاولوا إلباس تلك المؤسسات فوق ما تحتمل ، ولعل ما جاء في تلك الإفادات يصحح الصورة الخاطئة لدى البعض ، وتشجع من حادوا عن سواء السبيل على العودة وتسليم أنفسهم بعد أن تحققوا من أقرب المقربين إليهم ، هؤلاء الذين استسلموا من قبل ، عن حقيقة ما يجري في داخل هذه المؤسسات الإصلاحية.
وبالطبع لا يمكن فصل الشائعات التي تنطلق في هذا المقام عن طبيعة الأعمال الإرهابية المناوئة للدولة ، فتلك الشائعات هي جزء من الحرب التي تشنها الفئات الإرهابية لتشويه سمعة البلاد وتنفير المواطن من الارتباط بدولته ، وترويج الأباطيل والأكاذيب عن المملكة وهم يظنون بذلك انهم قادرون على المضي في أكاذيبهم إلى آخر الشوط ، لكن الحقائق التي أدلى بها نزلاء من سجن الحائر من الذين كانوا مطلوبين من الدولة تدحض كل تلك الشائعات ، وتقدم واقعا مختلفا عنها من جهة المعاملة الطيبة وغياب كل تلك الفظائع التي يرددها البعض عما يجري داخل السجون.
لقد أتاحت هذه البادرة من البعض لتسليم أنفسهم أن يقفوا هم ذاتهم على حقيقة ما يجري ، وجاءت شهاداتهم مطابقة للتصور الصحيح عن سلطة تحترم نفسها ومواطنها حتى ولو اخطأ في حقها ، فهذه البلاد تهتدي في جميع أمورها وشؤونها بكتاب الله وسنة رسوله الكريم ، وفي ذلك كل التكريم للإنسان مهما كان وليس هناك من إخلال بهذه التعاليم في السجن أو خارجه.
لقد فضل هؤلاء الذين سلموا أنفسهم تجاوز حالة القلق والهلع الدائمة والانعتاق من سجون الخوف والأوهام التي تردوا إليها طوعا لبعض الوقت ، وندم هؤلاء على وهم كانوا يرون انه يخلصهم من تلك الأوهام ومعايشتهم لواقع معافى من السلبيات إنما يفتح طاقة من الأمل أمام الآخرين المترددين.