Saturday 18th December,200411769العددالسبت 6 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الانتخابات والإعلام.. الانتخابات والإعلام..
ماذا يغيب في معادلة النجاح ؟
د. علي شويل القرني( * )

تشرفت بالمشاركة - مع نخبة مميزة من الزملاء - في ندوة عن الإعلام والانتخابات نظمتها أمانة مدينة الرياض في الأسبوع الماضي في إطار فعاليات اللقاء الرابع لتطوير الأداء في الأجهزة البلدية، وكانت تحت رعاية من صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبد العزيز وزير الشؤون البلدية والقروية، وبمتابعة وحضور ومشاركة شخصية في كل جلسات اللقاء من صاحب السمو الأمير الدكتور عبد العزيز بن عياف آل مقرن أمين مدينة الرياض.. وكانت مشاركتي تحت عنوان (الانتخابات والإعلام: ماذا يغيب في معادلة النجاح)؟.. وذكرت في البداية أن الانتخابات هي مشروع وطني كبير، وعلى الرغم من وجود تجربة سابقة للمملكة قبل حوالي أربعين عاما، إلا أن المعارف والمهارات والخبرات في الانتخابات الحالية ستكون مستحدثة بالنسبة لنا.. وسنشق طريقاً جديداً في هذا الاتجاه النوعي من الحياة السعودية والإدارة الاجتماعية.. وهذا ينطبق ليس فقط على الأجهزة الوطنية او المحلية المنظمة لهذه الانتخابات وليس فقط بالنسبة للمواطن، ولكن ينطبق كذلك على إدارة الشأن الإعلامي بالنسبة لهذا الحدث الوطني.
وتشكل الانتخابات في مجتمع مثل المملكة نقطة تحول نوعي لكثير من العلاقات الاجتماعية، حيث إن هذه الانتخابات والتي تمثل مرحلة من سلسلة مراحل جديدة تساهم جميعها في تطوير وبناء مشاركة شعبية في الشأن العام.. وهي نقلة نوعية في الممارسة الدستورية.. حيث سيقف المواطن السعودي أمام صندوق الاقتراع ليقول : لا.. أو يقول نعم.. (نعم) لمن يرى أنه يخدمه ويخدم مدينته ومجتمعه، و(لا) لمن لا يرى فيه مناسبة لهذه المقاعد المنتخبة.. وسيكون المواطن هو القوة التي ستصوت بعد أربع سنوات على استمرار المجلس البلدي أو تغييره.
كما تأتي الانتخابات كمرحلة تتوج نضج المواطن ووعيه الكبير بمصالح الوطن وحقوقه التي استمدها في تجربة كبيرة ومشروع وطني ضخم استطاع أن يؤسس لثروة بشرية أفرزتها خطط التنمية التي قادتها جهود وطنية مخلصة في بلادنا.. وقد كان التعليم الإنجاز رقم واحد في مشروع القيادة السعودية للتنمية.. وهذا المشروع هو الذي أفرز وعياً ونضجاً وتجربة مميزة لأبناء هذه البلاد والحمد لله.
أهمية الانتخابات ستفرز حالة جديدة من العلاقات المواطنية، حيث ربما نشهد في المرحلة القادمة التحول من النظام الأبوي إلى النظام المؤسسي في شؤون الإدارة الاجتماعية.. ومعروف أن النظام الأبوي - وهو سائد في منطقة الجزيرة والخليج وبعض المجتمعات النامية - يجعل من المسؤول أياً كانت مرتبته ومكانته مصدراً محورياً في اتخاذ القرار او تصحيح مسارات العمل الإداري والاجتماعي.. أما النظام المؤسسي فيسعى إلى بناء علاقات بين الناس فيما بينهم، وبينهم وبين المسؤولين من خلال أنظمة وقواعد وقوانين تحدد طبيعة العلاقة، وتصحح مسارات الخطأ، وتصوب اتجاهات التجربة الفردية.. وفي هذا الإطار ستهيئ الانتخابات لاستحداث قوة المواطن في إدارة الشأن المحلي.. وربما تشهد المرحلة القادمة نظاماً نتحول فيه من نظام ملاحقة المواطن للمسؤول إلى نظام ملاحقة المسؤول للمواطن.. وبطبيعة الحال، وعلى الرغم من مثل هذا التوجه، الا أننا نظل نؤيد المجالس المفتوحة، والقلوب المفتوحة التي تحتوي كل مشاكلنا وهمومنا الاجتماعية.. فهذه تظل خيارات نعتقد انها يدعونا اليها ديننا الإسلامي وتحثنا عليها قيمنا العربية الأصيلة.
وفي رأي أن الانتخابات مهمة أيضاً لهدف خاص بالصحافة والإعلام، حيث إن السلطة الرابعة في بلادنا ينبغي أن تكون في مستوى الحدث النوعي في المجتمع.
ويتماشى هذا الدور مع مفهوم الانتخابات وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية.. فإذا كان المواطن يمتلك سلطة التأثير على القرار العام من خلال صناديق الاقتراع، فيجب على مؤسسات الإعلام جميعها أن ترتقي كذلك إلى اتخاذ أدوار أكثر نقدية مع الممارسات التنفيذية التي تدور في مختلف الأجهزة والإدارات الحكومية والخاصة.. كما أن الدور الذي يتبوأه المواطن من خلال مشاركته الانتخابية يحتاج إلى مؤسسات تعينه على اتخاذ قرار التصويت، بتوصيل المعلومات التي يحتاجها والآراء التي يستند إليها في بلورة رأيه وقراره الانتخابي.
المشكلة التي تعاني منها بعض وسائل الإعلام في مجتمعنا تتمثل في حداثة التجربة الإعلامية في المجال السياسي، وتحديداً في مجال الانتخابات المحلية.. ومن الملاحظ في العموم أن إعلامنا يتسم بكونه إعلام أحداث ووقائع أكثر من كونه إعلام قضايا وخلفيات.. إعلام نتائج أكثر من كونه إعلام مسببات.. أي تركيزه الأكبر على مظاهر الحدث، دون الدخول إلى أعماق القضية أو الغوص في مسببات الموضوع.. كما أن إعلامنا - مثله مثل باقي مؤسسات الإعلام العربية الرسمية - يتجه إلى الاستعراض الأفقي للموضوعات، دون التوسع الرأسي في القضايا.. وفي هذا الإطار لمحددات الإعلام، دخلت الانتخابات إلى فضاء الإعلام السعودي، ليتم قولبتها بقولبة تقليدية بعيدة عن المنهجية النوعية لتناول مثل هذا الحدث بطريقة جديدة وبآليات مختلفة.
وفي العموم، فان وسائل الإعلام في المجتمعات تقوم - في حالة مثل حالة الانتخابات - بوظيفتين أساسيتين، أو بإحداهما.. الوظيفة الأولى هو دور تسهيلي للعملية الانتخابية، ويتمثل هذا الدور في تقديم المعلومات المطلوبة للناخب، عن المراكز الانتخابية ومواقعها، والشروط التي يجب توافرها في الناخب او المرشح، ومواعيد وتواريخ العملية الانتخابية كاملة.. إلى جانب معلومات أخرى.. أم الوظيفة الثانية، فتتمثل فيما يمكن أن نطلق عليه (الدور التحفيزي) لوسائل الإعلام في العملية الانتخابية.. ويقصد بهذا الدور هو تحفيز الناخب والمواطن للاهتمام بالموضوع الانتخابي وتحفيزه للتسجيل والمشاركة في الاقتراع.
وفيما يلي بعض الاسترشادات التي يمكن لوسائل الإعلام الالتفات إليها في التعامل مع الشأن الانتخابي وغيرها من القضايا والموضوعات:
1- البحث عن القضايا الكبرى.. فاهتمام وسائل الإعلام بالأحداث اليومية والتغطيات الحدثية، لا يجب أن يكون على حساب اهتمامها بالقضايا الكبرى.. وإذا أخذنا الانتخابات - كحالة دراسة في هذا السياق - نجد أن الانتخابات هي امتداد لقضية الحوار الوطني التي بدأت منذ عامين.. او ربما يكون الحوار متطلباً أساسياً لمفهوم الانتخابات.. وهاتان قضيتان كبيرتان مرتبطتان ببعضهما البعض.. كما أن قضايا أخرى قد تندرج تحت مظلة هذا الموضوع.
2- البحث عن الجمهور.. (الناخب) .. فقد لاحظنا أن معظم التغطيات الانتخابية كانت ترتكز على بعض الشخصيات العامة.. ورغم أهمية هذا الدور الرمزي، إلا أن وسائل الإعلام يجب أن تتجه بقوة إلى الوسط الشعبي من مواطنين يقبلون على الانتخابات.. وتبرزهم صورة وصوتاً وحركة ورمزاً.. فهؤلاء الافراد هم الذين سيأتون بغيرهم من اخوانهم المواطنين.. ويجب كذلك الاهتمام الإعلامي بكل المراكز الانتخابية دون التركيز على مركز دون آخر.
3- البحث عن القصة الإنسانية.. ينبغي أن تبحث وسائل الإعلام عن قصص إنسانية خفيفة داخل هذا الموضوع الجاد المسمى: انتخابات.. وهذه القصص من شأنها أن تجذب إليها قراءً ومستمعين ومشاهدين.. وهذا الجذب الإعلامي سيتبعه اهتمام مؤكد من مختلف شرائح المواطنين المعلومة الانتخابية، والتفكير فيها، والتفاعل معها.
4- البحث عن التفاصيل.. نلاحظ تشابهاً كبيراً في تغطيات ومتابعات وسائل الإعلام، وهذا التشابه يأتي نتيجة حتمية للتناول الحدثي للقضية.. ونتيجة غياب التفاصيل المطلوبة، وقدرة الصحيفة أو أي وسيلة إعلامية أخرى يتجسد في الحصول على التفاصيل والبحث عن التميز النوعي والموضوعي للحدث.
5- البحث عن الرموز.. وقد نجحت وسائل الإعلام في البحث عن الرموز السياسية وحضورها وتسجيلها في المراكز الانتخابية من أصحاب السمو والمعالي وبعض الشخصيات العامة في المجتمع.. ولكن ينبغي ان تتولد رموز أخرى من شخصيات شرعية.. وثقافية واعلامية.. ورياضية وفنية.. وغيرها من شخصيات المجتمع.
6- البحث عن الرقم.. ينبغي أن تتجه الصحافة ووسائل الإعلام إلى المعلومة الرقمية.. فالانتخابات هي أرقام وإحصاءات وحقائق.. ولهذا فإن البحوث والدراسات واستطلاعات الرأي العام هي مكونات أساسية في اللعبة الانتخابية.
وختاماً: أرجو أن يكون هذا الموضوع هو بداية نقاش علمي وتخصصي لتطوير أدوات الإعلام السياسي في المملكة، حيث إن الانتخابات هي وسيلة من وسائل توسيع قاعدة المشاركة الشعبية.. ووسائل الإعلام هي أداة مهمة من أدوات رفع مستوى هذه المشاركة وتعميم فائدتها.. وأرى أن وسائل الإعلام تحتاج إلى مزيد من المهارات والمعارف في شؤون الإعلام السياسي، كما وصلت إليه الحالة في إعلام كثير من الدول التي سبقتنا بتجربة الانتخابات.

( * ) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال/أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved