Saturday 18th December,200411769العددالسبت 6 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الاقتصادية"

رؤية اقتصادية رؤية اقتصادية
منهج الإسلام في أهم قضايا الساعة
د. محمد بن عبد العزيز الصالح(*)

الفقر.. هذه الكلمة الدالة على الحاجة الماسة لضروريات استمرار الحياة وتقدم الإنسان أو الشعوب، الفقر.. هذه الكلمة التي تشعر بوقعها الجارح أيها القارئ العزيز هي محل الاهتمام الدائم والنقاش المستفيض بهدف المعالجة أو التخفيف من حدة العلل الكثيرة التي يسببها الفقر، ولا ريب أن خير مثال قد جعل معالجة الفقر وعلله مشروعاً مهماً هو ما قامت به الدولة من تنظيمات فاعلة سواء من خلال الهيئات والمؤسسات الحكومية أو غير الحكومية، وذلك من خلال ما تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية من أعمال وجهود لتؤكد حرص الحكومة على تناول أهم قضايا الساعة - الفقر - بالعمل الجاد على نحو مدروس ومنظم.
ومن المساعي الحميدة لدراسة هذه القضية والخروج بالرؤى الواعية حولها، صدور كتاب (منهج الإسلام في معالجة الفقر) لفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد بن صالح الصالح، فقد تناول المؤلف في الباب الأول من هذا الكتاب قضية الفقر تعريفاً وتقسيماً بينه وبين المسكنة، وكذلك ورود الفقر في القرآن والسنة، وتأصيل هذا المفهوم لدى الفقهاء.
وقد خص الكاتب نظرة الإسلام إلى الفقر بمبحث خاص موضحاً فيه أن الشارع الحكيم رغب في الزهد والقناعة لكن هذا لا يكون سبباً لترويج الفقر وتقديسه، ولا يمكن أن يكون نعمة من الله عزَّ وجلَّ، فالإسلام ينكر ذلك ولا توجد آية واحدة في القرآن الكريم ولا حديث واحد في مدح الفقر.
ثم قسّم المؤلف الفقر إلى أنواع بصفته واقعة في حياة البشر على مرّ الأزمان، وبذلك تعددت أشكاله بتعدد الاعتبارات، فيوجد الفقر المطلق والفقر النسبي وهذا يأخذ قدر الدخل في الاعتبار، والفقر العارض أو المستمر وهو يأخذ مدة الفقر الزمنية في الاعتبار، وفقر الشعب أو الدولة ويفصل في ذلك من حيث سوء توزيع الدخل القومي وتخفيض الموارد واحتكار النشاط الاقتصادي أو ارتفاع معيشة الأفراد. كما ذكر الفقر العادي والفقر المدقع. وكذلك فقر العاجزين وفقر القادرين. وفقر الدخل وفقر القدرة, والفقر المادي والفقر النفسي.
ثم يتناول الكتاب أسباب الفقر في مجالين هامين: الأسباب غير المادية والمادية، وفي الأسباب غير المادية يراها من حيث الرؤى الدينية إما أن تكون عقوبة للمجتمع الذي يحكم بغير ما أنزل الله أو للانصراف عن عبادته أو التعامل بالربا والتكالب على الحياة والسؤال من غير ضرورة، وإما أن تكون ابتلاء له علامات عدة.
أما الأسباب المادية فيقسمها المؤلف إلى قسمين أولهما: عوامل موضوعية تكمن في قلة الموارد وفي الحروب والكوارث الطبيعية وتفشي الأمراض والأوبئة وعدم إقامة المشاريع الإنتاجية والاتجاه الاستهلاكي والنمو السكاني المتسارع، والقسم الثاني هو العوامل الذاتية ومظاهرها إتلاف المال وتفشي الكسل والتواكل والأمراض المزمنة والجهل الذي هو ألدّ أعداء الإنسان، وعدم تربية أفراد المجتمع على حسب العمل.
والباب الثاني من الكتاب حمل عنوان (علاج مشكلة الفقر في الإسلام) وقد شرح المؤلف في تعداد سبل هذا العلاج وكيفيته من منظور إسلامي دقيق، حيث بدأ بطرق الوقاية من الفقر، ومنها الاعتقاد التام بأن الله هو الرازق والإيمان والتقوى والاستعاذة بالله من الفقر والاستغفار والشكر وصلة الرحم، مستدلاً على ذلك بالأدلة القرآنية والنبوية، ثم عرج إلى العمل والإنتاج كعاملين مهمين في قضية معالجة الفقر، فعرّف العمل وبيّن أهميته للفرد والمجتمع ومكانة العمل في الإسلام كقيمة تعبدية لما للعمل من أهمية بالغة وفاعلة في حياة الإنسان. واكتمالاً للمنهج العملي الذي يحدو الكتاب فيما يقدمه تناول المؤلف حقوق العمال في الإسلام أجملها في تهيئة فرص العمل لهم من قبل الدولة، وحرياتهم في اختيار العمل وكذا حق الأجر وعدم التكليف بما لا يطاق من عمل، وهو بهذا العرض يقدم خلاصة التصورات الإسلامية فيما يخص العمال وحقوقهم.وإضافة الى تحقيق المنهجية العلمية للمؤلف فقد أفرد للرعاية الاجتماعية فصلاً كاملاً لتعريفها وذكر انها من ميزات الدين الإسلامي الحنيف وبين قدر التكافل الاجتماعي ومكانته في الإسلام وضرورة نجدة الفرد عند طلبه المساعدة والاستفادة من قدراته وكفالته من بيت المال.
ثم يأتي الوقف كوسيلة أخرى لمعالجة الفقر ويوضح لنا الكاتب دور المؤسسات الوقفية في الرعاية الاجتماعية والصحية كالملاجئ والتكايا والمشافي، فالكثير من المشاريع أقيمت وقفاً على الفقراء وسد حاجاتهم وتحقيق صفة (الكريمة) لحياتهم، فضلاً عن أن بعض المشاريع أوقفت للإعانة في المشاكل الاقتصادية التي تواجه بناء الأسرة في المجتمع كالإسهام في زواج بعض الفقراء.ولم يغفل فضيلة المؤلف أثر الوصية والإرث على الفقر ومعالجته، فالإرث يحفظ التكافل داخل الأسرة أولاً ليعزز من ترابطها وذلك ما يعود نفعه على المجتمع ككل، ثم إن نظام الإرث ليشعر الشخص بأن كل جهده سيكون لذويه من بعده فيبذل ما بوسعه لخدمة المجتمع ايضا، كما ان في الإرث ستراً وغنى عن سؤال الغير، كما أن الإرث يعيد تقسيم الثروة على رأس كل جيل. وكذلك الحال في الوصية المعروفة.
بذلك يختم مؤلفنا الفاضل كتابه ملحقاً بما عرضه بعض الملاحق ذات العلاقة، وخاتماً بقوله: ان طريق معالجة الإسلام للفقر يقوم في جوهره على تفعيل المبادئ المذكورة لتهيئة المناخ الصالح لنشأة الأفراد وحتى يعتمدوا على قدراتهم ومقدراتهم دون الانتظار الذي سيوقعهم في المزالق الكثيرة.
ويعدّ هذا الكتاب بحق منهجاً متكاملاً للرؤى الإسلامية المطروحة في قضية الساعة المقلقة ألا وهي الفقر، كفانا الله وإياكم شره، وجزى الله فضيلته عنا خير الجزاء إذ أضاف للمكتبة العربية مرجعاً موثقاً بقدرة تربوية ومنهج علمي رصين.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved