Saturday 18th December,200411769العددالسبت 6 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الإصدار الدولى"

في حالة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي في حالة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي
هل يتحقق حلم تركيا في أن تصبح ألمانيا الشرق؟!

الكتاب: La Turquie en Europe
المؤلف: Alexandre Del Valle
الناشر: Des Syrtes
ليس من السهل تجاهل الدور الكبير الذي لعبته تركيا منذ النهاية الشكلية للحرب الباردة بين الشرق والغرب، وليس من السهل تجاهل الموقع الاستراتيجي لهذا البلد الذي لأول مرة منذ قرن من الزمن يتعرض لتهديد صريح في هويته، بين الشرق والغرب.
الأتراك وصلوا اليوم إلى مفترق الطرق؛ لأنهم صاروا يريدون الانضمام إلى الغرب، هم الذين لا يمكن النظر إليهم دونما النظر في نفس الوقت إلى الطبيعة الفكرية التركية التي لا يمكن أن تنسلخ عن كونها إسلامية أولاً وأخيراً.
تركيا بعيدة جدا عن أوروبا فكريا، ومع ذلك تريد أن تكون جزءاً من ذلك النادي الكبير الذي اسمه ببساطة الاتحاد الأوروبي من دون تأييد مطلق من هذا الأخير.
تركيا التي ترتدي الثياب العلمانية الأكثر انفتاحاً في المنطقة، والتي تشن حربا حقيقية ضد (التطرف الديني) الراديكالي غير المتسامح.. تركيا التي غيرت كثيراً وتغير في منظومتها التربوية والقانونية لأجل المواكبة مع نظيراتها من الدول الأوروبية ومع ذلك تصطدم مع دولة مثل بريطانيا أو حتى مع ألمانيا التي تعتبر تركيا ضيفاً ثقيلاً، ليس لأسباب أيديولوجية، بل خوفا أن تحظى هذه الأخيرة امتيازات سيكفلها القانون الداخلي للدولة التي ستكون أكبر دولة من حيث عدد السكان، وستحظى بنفس القيمة والأهمية التي تحظى بها ألمانيا.
تركيا تريد أن تكون ألمانيا الشرق!
بهذا المعنى يتناول كتاب (تركيا في أوروبا) للمؤلف (ألكسندر ديل فال) والذي يتناول فيه لأول مرة التناقضات الرهيبة التي تجعل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أمرا يجب تناوله بجدية؛ لأن تركيا ليست أية دولة، إنها كل التباينات الحاصلة بين الشرق والغرب، أي ببساطة الإشكالية التي على أساسها يتساءل العديد من الأوروبيين: ماذا ستستفيد أوروبا من دخول تركيا إليها؟ يرى العديد من الخبراء الأوروبيين أن المعارضة الحقيقية ليست من الاتحاد الأوروبي بل من الأتراك الراديكاليين الذين يرفضون الذوبان في النادي الأوروبي، والحال أن الراديكاليين يوجدون أيضا في الأحزاب القومية وليس الدينية فقط، لأن الفكر القومي التركي ظل رافضا طوال قرون لفكرة بعث الأمجاد العثمانية القديمة، وهو تحديدا ما تسعى أوروبا إلى فعله، ولكن أيضا ثمة تحفظ حتى من العلمانيين الذين شعروا بعدم ترحيب الرأي العام الأوروبي بانضمام تركيا إلى ناديهم الكبير.
لعلها المرة الأولى التي ينتبه الأتراك إلى حقيقة استطاعوا تجاهلها طوال عقود من الزمن، وهي أنهم حتى لو التحقوا بالبيت الأوروبي فسينظر إليهم دائما على أنهم العثمانيون المقبلون إلى فضاء ليس لهم و لا علاقة لهم به.
وهي الصبغة التي حاولت الحكومة تجاوزها في المدة الأخيرة عبر إحداث العديد من الإصلاحات داخل المجتمع التركي لإرضاء أعضاء الاتحاد الأوروبي من جهة، ولإرضاء الولايات المتحدة التي تريد مسخ كل الخصائص الإسلامية من المجتمع التركي، حسبما يقول المؤلف.
لقد كانت (المساعدات الاستراتيجية) التركية للولايات المتحدة قبل وبعد الحرب الأخيرة على العراق في غاية الأهمية للجيش الأمريكي، للكونجرس الذي اعتبر الدعم التركي (يد صداقة ممدودة) إلى البيت الأبيض، على الرغم من كل الاختلافات وعلى الرغم من الضيق الذي كان يشعر به البيت الأبيض من الموقف التركي الشعبي إبان الحرب الأمريكية على العراق.
كان الثمن الذي على الإدارة الأمريكية أن تدفعه للحكومة التركية هو ضغطها على الأوروبيين لقبول هذه الأخيرة في صفوفهم، بعد أن يعمل الأتراك على إحداث الإصلاح الجذري المؤسساتي والسياسي والقانوني لأجل الملاءمة مع المنظومة الأوروبية على الرغم من أن البنية الفكرية التركية تختلف تماما عن البنية الفكرية الأوروبية، ناهيك على مسألة في غاية الأهمية تتعلق بالمستوى الاجتماعي التركي الذي يصفه الاتحاد الأوروبي بأنه مجتمع فقير وفق التقارير التي قدمها المكتب الاستراتيجي الأوروبي والذي اعتبر أن الشعب التركي شعب فقير، وأن تدني مستوى الأجور يفتح الباب لجملة من المشاكل والمتاعب لأوروبا ذات المستوى المرتفع في المعيشة والأجور، ناهيك عن المنافسة غير المتكافئة عندئذ.
ثم يأتي الجانب الأهم في كل التناقضات التي يغذيها بعض المفكرين الأوروبيين والمتمثلة في الاختلاف العقائدي.
فالذين ترتفع أصواتهم في أوروبا وفي ألمانيا وايطاليا وفرنسا هم الذين يتكلمون عن الانتحار الذي يسعى إليه الاتحاد الأوروبي إن هو قبل بانضمام تركيا إليه.
والسؤال الأهم هو ماهية ذلك الانتحار المقصود؟
يرد الكاتب بقوله إن أكثر من 40% من الأوروبيين ينظرون إلى تركيا على أنها أكبر دولة من آسيا الصغرى، وأن أكثر من 84 مليون مسلم يقيمون فيها لن يكون من السهل طمس هويتهم عبر فرض الهوية الأوروبية عليهم، بل على العكس، فالظروف الاجتماعية والسياسية الدولية صارت تفرض رؤية مغايرة عما كانت عليه، لأن الحرب الشمولية التي تفجرت في العالم صارت تستهدف بشكل أو بآخر الحضارات التي ترفض الذوبان تحت العجلة الغربية، وتحديدا تحت العجلة الأمريكية، لهذا فإن مصطلح حرب الحضارات ليس مصطلحا مبالغا به وليس كذبة أيديولوجية كما تقول أمريكا؛ لأن ما حدث من النصف الثاني من القرن الماضي إلى يومنا هذا يؤكد أن حرب الحضارات التي بدأتها الولايات الأمريكية على العديد من الدول من الشرق، آخرها العراق.
ولعل العراق ليس موقعا استراتيجيا فحسب، بل موقعا حضاريا أيضا، عمدت العديد من الجهات على سرقة آثاره وتهريبها أو تدميرها، وهي ليست صدفة حربية، بل خطة حقيقية لقتل الذاكرة العراقية الضاربة في التاريخ الإنساني الأول، كما يقول الكتاب.
لهذا حين بادرت تركيا إلى المساعدة في الحرب على الحضارات تلك، وقفت بذلك ضد مواقفها القديمة وضد الرأي العام التركي، فارضة عليه ما يشبه حالة طوارئ نجحت الحكومة التركية في فرضها لأجل الضغط على الشارع كي لا يتعاطف مع أحد حين تكون المصلحة الكبيرة هي الهدف الحقيقي من كل المواقف تلك.
النتيجة هي: الاتحاد الأوروبي، وقمع الأكراد لأجل حرمانهم من أي مبادرة سياسية قد تتأسس عليها كونفيدرالية كردية داخل العراق وهو ما سيعني قنبلة دمار شامل بالنسبة للأتراك.
لعل التركيز التركي كان على قضية الأكراد أكثر مما كان على الحرب الأمريكية على العراق.
الخوف من (الانتفاضة) الكردية شكل الهاجس الأكبر للأتراك الذين يعتبرون الدعم الأوروبي لهم (واجبا) للوقوف في وجه إقامة (دولة أكراد) والشيء الذي تعتبره دولة الأناضول من سابع المستحيلات!
لكن الحقيقة التي لم تستطع تركيا إيقافها أو حتى استيعابها هي أن الأكراد استطاعوا أن يتشكلوا سياسياً معتمدين على الحرب الأمريكية الأخيرة، ومستفيدين من (الموقف الأمريكي) منهم أيضا وهو الموقف الذي - نتذكر جميعا أيام الحرب على العراق - رفضت تركيا أن تسمح للطيران الحربي الأمريكي استعمال الأجواء التركية لشن غارات، وهي الأجواء التي كانت في غاية الأهمية للامريكيين.
وكان الرفض التركي بمثابة الماء البارد على الأمريكيين الذين تراجعوا بسرعة عن (وعودهم للأكراد) لأجل الاستفادة من الموقع التركي ليس لشن الحرب على العراق، بل لاستثمار الأوضاع الرهيبة التي يعيشها العراق، بقصد السماح بدخول أكبر عدد من الإسرائيليين إلى العراق، بتغطية من شركات تركية في الشمال كما يشير الكتاب.
ليس ثمة شك أن التهديد الكردي ظل يؤرق أنقرة، والحال أن تركيا لم تكن لتخدمها الحرب على العراق، على اعتبار ما ستترتب عليه من فك الارتباط آليا فيما بين العراق القديم والعراق الجديد الذي ترسم أمريكا معالمه وفق مصالحها الاستراتيجية داخل الشرق الأوسط الكبير.
لقد لعب الأكراد الدور الأكبر في الحملة الأمريكية على العراق لإسقاط النظام العراقي من دون أن ننسى الدور الذي لعبته إسرائيل أيضا التي تسللت إلى الشمال مستفيدة من الاستنفار الكردي تجاه القوات العراقية النظامية.
كان الهم الكردي هو التخلص من النظام الذي تسبب في كوارث حقيقية على المستويين الإقليمي والدولي، ولعل مجزرة (حلبجة) التي ارتكبها النظام المخلوع بهندسة (علي الكيماوي) هي التي بقيت بقعة سوداء في الذاكرة الكردية التي كانت تبحث عن الفرصة السانحة للانتقام بالضربة القاضية.بيد أن المطلب الكردي هو إقامة دولة تعتبرها أنقرة (قنبلة موقوتة) ترفض فكرتها جملة وتفصيلا.
لهذا ظلت الولايات المتحدة تلعب على الحبلين، وبمكيالين معا أيضا، بين تركيا لتهدئتها سياسيا وبين الأكراد لتحضيرهم عسكريا، كما يقول الكتاب.
لقد أبدى الاتحاد الأوروبي مرونة في الآونة الأخيرة إزاء تركيا التي حسبها قامت بخطوات جيدة على المستوى الداخلي بالخصوص.
تركيا أعادت صياغة منظومتها المدرسية والقانونية ومارست ضغوطات كبيرة داخليا لأجل الحد من (الشكاوى) الخارجية إزاء ما يمكن تسميته بحقوق الإنسان، بالخصوص إزاء المساجين الأكراد، الذي اعتقلتهم في موجة عملية تمشيط سياسية واسعة لإيقاف سيلان المطالب الكردية بالخصوص المرتبطة بشخص (أوجلان) الذي يشكل لوحده تيارا سياسيا تعتبره أنقرة خطرا على الأمن الداخلي.
الأوروبيون يريدون تركيا لأن أمريكا ستفرضها عليهم سواء قبلوا أم لا، وفرنسا على لسان وزير خارجيتها يعتبر الأمر الأوروبي أمرا يخص الأوروبيين وحدهم وليس للأمريكيين لا ناقة ولا جمل فيه، و(من المعلوم أن فرنسا مشهورة بفصلها بين الكنيسة والدولة. وبهذا المعنى نفهم قول مفوض الداخلية فيرنز بولكستاين من أن انضمام تركيا يعني ان تحرير فيينا عام 1683 لا يعود له أي معنى).
لكن مع ذلك، بدت الليونة في صياغة الألفاظ إزاء تركيا وهو ما يعني أن للأمريكيين أكثر من ناقة وأكثر من جمل في الاتحاد الأوروبي وأن خطة الشرق الأوسط لا يمكن إيقافها الآن بعد أن انطلقت فعلا بعد أحداث سبتمبر 2001م.
تركيا لن تتراجع عن مطلب البيت الأوروبي، وسيكتشف البيت الأوروبي أن بإمكانه الاستفادة من تركيا لأجل قطع الطريق ولو سياسيا على الأمريكيين في المنطقة التي تنوي أمريكا تمشيطها بحرب لا نهاية لها، كما يؤكد مؤلف الكتاب.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved