Saturday 18th December,200411769العددالسبت 6 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الإصدار الدولى"

الإرهاب في عصر العولمة الإرهاب في عصر العولمة

الكتاب: Le terroriste intellectual
المؤلف: Jean Sévillia
الناشر: Tempus- France2004
هل من السهل تعريفالإرهاب بجوانبه الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية ؟!
هل من السهل القول أن الإرهاب هو اصطلاح يتعارف عليه الجميع بموجب ما يعنيه من أذى وإساءة للآخر؟
لعل التصنيفات والمفاهيم القديمة لم تعد كافية لوصف ما يجري اليوم على الأرض من (أذى) ومن (إساءات) للآخر.. فالعنف صار لغة يومية، لم يعد أحد يقول (من فضلك) أو (رجاء) ، الجميع صار يقول (رغما عنك) ! إنها لغة التهديد التي ملأت حياتنا. لغة أشعرتنا بالخوف من الوقت، ومن كل هذه المتاهات التي تدخل بيوتنا وتهددنا في طعامنا اليومي. أمام هذا يمكننا الصراخ أن العنف صار إرهابا بالصورة الحالية الأكثر عُرياً طبعا. عندما نسمع اليوم كلمة (إرهاب) يذهب تفكيرنا إلى العمل المسلح، إلى التفجيرات والقتل والجريمة المرتكبة عن عمد ضد الأشخاص والممتلكات. لكن الإرهاب اليوم صار متشعبا، لهذا حين لا نسمع دوي الانفجارات، حين لا تحتل دولة ما دولة أخرى، وحين لا ينفجر الوضع المسلح داخليا في بقعة ما، نتيقن أن الإرهاب الحقيقي هو الذي يسود في النهاية كل العالم، اليوم بالذات، في زمن العولمة الأمريكية بالتحديد، وفي وضع عادت فيه المصطلحات القديمة إلى الظهور، كالإمبريالية والكلونيالية و (الاحتلال الأبيض) أو ببساطة شديد (الغزو الآخر) .
كتاب (الإرهاب الفكري) للمفكر الفرنسي (جون سفيليا) يجوب بنا في مزالق الوضع الراهن على المستويين الفكري والسياسي، فليس هنالك شيء اسمه (إرهاب فكري) دون أن يجر معه تبعات سياسية، لأن الفكر الحالي هو في النهاية المنظور البراغماتي لتعريف العنف وفق ما تتطلبه اللعبة السياسية في الغرب. فالإرهاب الفكري لم يكن يوما من الأيام خيارا بقدر ما دخل إلى مصطلحاتنا ولغاتنا مفروضا من قبل قوى أرادت تمرير خطبها الأيديولوجية علينا.
في الغرب ليس هنالك شيء اسمه الجريمة الفكرية بمعناها الحقيقي، مع أن الجريمة الفكرية هي التي صنعت اليوم جدارية المجتمعات التي صارت معظمها شمولية وإن رفضت الاعتراف بذلك علانية، يقول الكاتب.
لكن ما معنى الإرهاب الفكري؟ إنه ببساطة فرض أسلوبك على الآخر بقوة المادة، وليس باقتناع الفكر. لقد كانت الحرب الباردة مع نهاية الحرب العالمية الثانية صراعا أيديولوجيا لأجل إقصاء طرف وبقاء الطرف الآخر، حتى لو شاركت فيها جهات وجبهات كثيرة كانت تسعى إلى مكاسب استراتيجية ما، لكن النهاية أدت إلى انتصار الغرب (الكولونيالي) ، بمعناه (الإمبريالي) الأكثر وضوحا، وانهيار الشيوعية القهرية التي كانت نفسها رؤية عنف إزاء الشعوب التي نهشتها الفكرة الثورية الخالية من الثورة نفسها، يقول الكاتب.
أمريكا وصلت إلى اعتلاء منصة القوة العظمى، لأنها لم تجد قوة تضاهيها، أو تتفوق عليها بعد انهيار السوفييت، ولأنها لعبت اللعبة جيدا. فعلى المستوى الفكري، لعبت الولايات المتحدة الأمريكية لعبة ال (حرية) التي غزت بها العالم في السبعينات بثقافة (الهيبي) صانعة ثورة شبابية سعت إلى كسر كل المواريث القديمة ولأجل السخرية من الأسرة (نواة المجتمع) والتمرد عليها.
كان مصطلح (الهيبيزم) رؤية تجديدية ليس على أساس تفاعلي مع المتغيرات بل تكسيرا لكل المُثل بحيث انتشرت الجريمة وانتشرت معها المخدرات في أوساط الشباب، وانحلال فتح المجتمعات على إدانة الأعراف واتهامها بال (تقليدية جدا) ، و (المتخلفة جدا) أيضا.
الغرب هو الذي صدّر إلى العالم لغة (البطون العارية) والتي سرعان ما تلقفتها الموضة الفرنسية على شكل (حداثة) حولت من المرأة سلعة في مواخير الحضارة التي منحت الإنسان لأول مرة شرعية القتل. قتل القيم والذات معا، يقول الكاتب.
ثم جاءت الجريمة المصورة على شكل أفلام هوليود. جاء القتل على الهواء مباشرة، والتسلح غير المحدود، والطائرات الفتاكة والرجال المختفون وراء أرقام رمزية. جاء زمن (جيمس بوند) الذي فتح العيون على عالم الجواسيس. كانت تلك بوابة أخرى من التدخل غير المشروع ليس في عوالم الآخرين فحسب بل وفي مصائرهم أيضا، لأن الصراع الذي كان قائما وقتها حمل نمطية الرجل الأبيض (رعاة البقر) بروتينهم ورغبتاهم وأسلوبهم الفريد في استغلال المنطق الغريب في تبرير ما هو أغرب: أي تبرير الحرب. يقول الكتاب.
يمكن إدراج كل تلك (الصفات) في خانة العنف، حتى لو قلنا: عنف مسلح. لكن العنف الأهم هو الذي جاء على شكل إعلام سمعي ومرئي ومقروء. لأول مرة صار للتلفزيون دور أخطر من حجمه التقليدي. صار حربا يومية تدخل إلى بيوتنا وتصنع منا دمى تتحرق وفق أهواء الآخر.. الأقوى. للتلفزيون توجه شبه مشترك بين كل الدول، هو تلك (الأمركة) التي تعني: مصنوع في أمريكا. حين نترك أطفالنا لساعات يقلبون في القنوات ويبحثون عما يهمهم تصير اللعبة الأهم في حياتهم هي لعبة العنف والعنف المضاد.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved