Saturday 18th December,200411769العددالسبت 6 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الإصدار الدولى"

من الذي يتآمر على أمريكا؟! من الذي يتآمر على أمريكا؟!

الكتاب:The Plot Against America
المؤلف :Philip Roth
الناشر:Houghton Mifflin
مرة ثانية يصدر الروائي الامريكي فيليب روث رواية تستحق القراءة.
والحقيقة أن تقييمنا لهذا الكتاب لا يعتمد على المناخ السياسي ولكن تقييم المناخ السياسي يعتمد على هذا الكتاب.
ففي الوقت الذي شهدت فيه الولايات المتحدة معركة انتخابات رئاسية شرسة وتخوض حربا ضد عدو غير منظور فإن كتاب (مؤامرة ضد أمريكا) يثير ذلك النوع من المناقشات التي يحتاج إليها الأمريكيون بالتحديد. فالمؤلف يمزج بمهارة فائقة بين السيرة الذاتية والتاريخ والتكهنات لكي يصور لنا شخصية تشارلز ليندبيره الذي كان منافسا لفرانكلين روزفلت في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 1940 أثناء الحرب العالمية الثانية وقبل دخول أمريكا هذه الحرب.
وفي الوقت الذي كان روزفلت يعلن مجموعة معقدة من السياسات بلكنته الارستقراطية الشهيرة، كان ليندبيره يطوف الولايات المتحدة في إطار الحملة الانتخابية ويقول للناخبين: (الاختيار بسيط إما ليندبيره أو الحرب).
وكان ليندبيره يحذر قائلا: انه لكي نحمي هذه الأمة علينا مقاومة الحملة الدعائية التي يشنها (العرق اليهودي.. وسيطرته الاقتصادية ونفوذه على صناعة السينما وعلى الصحافة وعلى حكومتنا).
وبعد نجاحه بفارق ضئيل في الانتخابات الرئاسية كما تفترض أحداث رواية (مؤامرة ضد أمريكا) بدأ ليندبيره التفاوض مع دول المحور والتوصل إلى تفاهم معها على أساس ترك أوروبا لألمانيا النازية تفترسها مقابل وعد ألماني بترك الولايات المتحدة في حالها.
واحتشد خصوم الرئيس السياسيون ضده بسبب (علاقته بأصدقائه النازيين) ولكن الكل كان يدرك فعلا أن هؤلاء الخصوم ليسوا سوى دعاة الحرب من اليهود.
وعلى الصعيد الداخلي كانت أولى مبادرات الرئيس (المفترض) ليندبيره هي إنشاء المكتب الأمريكي للاستيعاب الذي يهدف إلى تشجيع الأقليات الدينية والعرقية في الولايات المتحدة على المزيد من الاندماج مع المجتمع الكبير. وفي إطار هذه المبادرة قام المكتب بإرسال الأطفال اليهود إلى قضاء العطلة الصيفية في المزارع بالجنوب الأمريكي على أساس إيجاد جيل جديد من اليهود الذين يعملون بالزراعة في قلب أمريكا.
وبعد ذلك يتم توسيع نطاق البرنامج بحيث يشمل إخراج عائلات يهودية بأكملها من مناطق تمركزها في المدن أو ما يعرف باسم (الجيتو) اليهودي وتوطينها في الغرب الأوسط الأمريكي. وكان البرنامج يهدف إلى إذابة الثقافة اليهودية في الثقافة العامة للمجتمع الأمريكي. بالفعل قدمت صفحات هذه الرواية شخصية ليندبيره في صورة سيئة للغاية. فقد كان مصدرا لأفكار العداء للسامية التي تمثل صدمة للأمريكيين الآن أكثر مما كان عليه الوضع في عام 1938 عندما قبل ليندبيره بمبدأ النازيين الداعي إلى (الخدمة الشاملة للنسر الألماني) بأمر الفوهرر.
ولكن من المؤكد أن الكاتب فيليب روث لم يكتب هذا الكتاب من أجل تذكير الناس بأفكار العداء للسامية لدى بطل القوات الجوية الأمريكية الذي مات منذ ثلاثين عاما، إنما استهدف الكاتب الناخب الأمريكي الذي وجد نفسه أمام مرشحين للرئاسة يتحدثان عن الأمن القومي الأمريكي وحماية أمريكا من الحرب أو بالحرب.
والنتيجة هي أننا نجد أنفسنا أمام عمل ساحر من أعمال الاستكشاف السياسي الذي يحذر من الثالوث المدمر: الكراهية والغطرسة وجنون العظمة التي تنسف الجوانب الإنسانية وتطغى على الحرية.
يقدم روث تحليلا بارعا للشعارات السياسية والطريقة التي يتلاعب بها الديماجوجيون بالرأي العام والطريقة التي يمكن أن يساند بها الصحفيون والكتاب المسؤولون وبطريقة غير متعمدة الطغاة من خلال التزامهم المخلص بالحياد والموضوعية. ولعل ما يعطي هذه الرواية لمسة الحياة هو الراوي. والراوي في هذا الكتاب هو طفل يدعى فيل روث. يعيش فيل روث في نيويورك مع شقيقه الأكبر المفتون تماما بتشارلز ليندبيره ووالده الذي كان مقتنعا بأن ليندبيره هو هتلر الولايات المتحدة وأمه التي تعيش معاناة طويلة وتكافح من أجل الحفاظ على شمل الأسرة في الوقت الذي تتفتت فيه الأمة. وجاء صوت الراوي الطفل ليمزج بين براءة الطفولة وحنين المؤلف للماضي. ويصف فيل الأزمات التي تواجه الشعب الأمريكي من خلال رصد تأثيرها على عائلته.إن هذا الأسلوب في القص ينطوي على مخاطر عديدة وبخاصة إذا ما بدا أن الطفل الذي لا يتجاوز عمره سبع سنوات غير ملائم للحديث عن قضايا معقدة كانت تمور بها أمريكا في تلك الحقبة. ولكن الكاتب تمكن من الإفلات من هذا الفخ من خلال الاستعانة بصوت مزدوج يجمع بين صوت الراوي الطفل وأصوات أخرى وفعل ذلك بمهارة كبيرة.
فكانت البنية السردية للرواية تعتمد على المناقشات بين الطفل أو الأخ والوالدين لعرض الأفكار المثالية والأحكام المسبقة انطلاقا من الانتماءات الثقافية من أجل الوصول ليس إلى توافق سياسي ولكن إلى إيجاد إحساس بالأمان في العالم.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved