Saturday 18th December,200411769العددالسبت 6 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

يارا يارا
اللغة العربية
عبدالله بن بخيت

أرجو أن أكون مخطئاً في هذه المعلومة: لا يوجد في الرياض سوى معهدين لتعليم اللغة العربية تابعين لجامعتي الملك سعود والإمام. بهذين المعهدين نواجه خمسة ملايين نسمة، ربما كان مليون منهم لا يجيد اللغة العربية. تأسس الأول في السبعينات الميلادية والثاني بعده بقليل، ومنذ ذلك الحين والرياض مكتفية بهذين المعهدين علماً بأن عدد سكان الرياض تضاعف عشرات المرات في هذه المدة. لا أعرف كم عدد الذين جاءوا للرياض وسكنوا فيها فترة ثم غادروها ولكنهم بالتأكيد بالملايين. لم يحصل أيّ من هؤلاء على فرصة تعلم اللغة العربية بشكل نظامي كما يحدث في الدول الأخرى التي تملك لغة تستحق أن تنشر. وفي الفترة التي أُسس فيها هذان المعهدان ظهرت حركة دينية في الرياض غير مسبوقة في التاريخ تنادي بالدعوة إلى الإسلام، ترى منشوراتهم وكتيباتهم في أماكن التجمع البشري كالعيادات والأسواق وغيرها. من الواضح أن هؤلاء الذين قادوا عمليات الدعوة إلى الإسلام (في الرياض!!) لم يتوفر لديهم أدنى هاجس بأن تعليم اللغة العربية هو أفضل بوابة لنشر الإسلام. لا أعرف كم عدد الذين صنفوا أنفسهم دعاة للإسلام في المملكة (في الرياض) ولكنهم بالآلاف طالما أن كل من أطال لحيته وقصّر ثوبه وتخلص من عقاله انتزع هذا اللقب بكل جدارة، بما في ذلك بعض الفنانين!
أتذكر عندما كنت مدرساً للغة العربية في معهد اللغة العربية بجامعة الملك سعود في أوائل الثمانينات فكرت أنا ومجموعة من الزملاء في فتح معهد تجاري أهلي لتعليم اللغة العربية قياساً على معاهد تعليم اللغة الإنجليزية في مدينة لندن؛ إذ كانت لندن تجتذب رجال الأعمال والطلبة والسياح وتغريهم بتعليم اللغة الإنجليزية فالرياض حسب تحليلنا هي أيضاً مدينة جذابة للأجانب من أوجه عدة، من بينها حركة البناء الضخمة التي كانت تعيشها بالإضافة إلى العامل الديني. طبعا تفكيرنا في ذلك الحين تفكير شباب ومشروع اللغة العربية كان مطروحاً أمامنا من بين عدد من المشاريع الأخرى الكثيرة التي كان شباب الطفرة يفكرون فيها فأخفق المشروع. لم نكن نفكر بطريقة حضارية، كنا نفكر بطريقة تجارية فاكتشفنا أن هذا المشروع هو أقل المشاريع ربحية فتخلينا عنه. لم أتخلَّ عن طموحي؛ ذهبت إلى مدينة هلسنكي وطرحت فكرة المشروع على جامعة هلسنكي فوافقوا وطلبوا مني إحضار المنهج. كانت جامعة هلسنكي تدرّس اللغة العربية ولكن ليس بالمنهجية التي تليق بجامعة كبيرة. راسلت عدداً من الهيئات والمؤسسات التعليمية والدينية في المملكة للاستفادة من إمكانياتهم وانتظرت فلم يأتني الرد حتى ساعة كتابة هذا المقال. اتضح لي بعد سنوات أن الدعوة إلى الإسلام المنتشرة في المملكة هي دعوة السعوديين إلى الإسلام وليست دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، كما كنت أفهم حينها، والسعوديون كما نعرف جميعاً لا يحتاجون إلى تعلم اللغة العربية.
خلال عشر سنوات من الآن ستصبح اللغة الإنجليزية لغة نصف سكان الكرة الأرضية، إما بصفتها لغتهم الأصلية وإما بصفتها لغة ثانية إلى جانب لغتهم الأصلية، وهذا الانتشار للغة الإنجليزية لم يأت عفواً وإنما يأتي وفقاً لتخطيط طويل المدى.
أشبه اللغة العربية بالقضية الفلسطينية؛ فالقضية الفلسطينية لم تحقق أيّ تقدم في العالم بقوة وسياسة أهلها وإنما بقوة عدالتها، وكذلك اللغة العربية لم تنحسر ليس لأن أهلها يخدمونها، ولكن لأنها لغة القرآن ثم لغة أكبر خزان نفطيّ في العالم.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved