Saturday 18th December,200411769العددالسبت 6 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

الحضارة.. سلاح ذو حدين!! الحضارة.. سلاح ذو حدين!!
ناهد بنت أنور التادفي

إن الفورة الحضارية التي اكتسحت العالم بتسارع مدهش منذ النصف الثاني من القرن الفائت ساهمت كثيراً في تسهيل بعض شؤون الحياة، وأدارت بتسارع أكثر عجلة الصناعة التي أفرزت حركة غير عادية بين البشر وذلك من خلال اختراعات متطورة ومنتجات زراعية ودوائية وغذائية ساهمت بتوفير حد أقصى من الرفاهية، وسهلت الكثير من الأمور التي كانت مغلقة على الناس، وقربت المسافات حتى بات العالم كله ومن خلال وسائل الإعلام المتطورة المقروءة والمسموعة والمرئية والإنترنت والهاتف النقال وكأنه قرية صغيرة، ولا شك في أن ذلك كله كان في صالح حياة الإنسان المادية.
ولكن تأبى سياسات بعض الدول التي تمتلك القوة العسكرية والاقتصادية إلا أن تعيش على دماء الشعوب الأقل قوة والتي تسعى من خلال قدراتها الذاتية المتواضعة إلى أن تجد لها مكاناً مرموقاً حراً مستقلاً تحت الشمس، المفارقة هي في أن تلك الدول الكبيرة القوية والظالمة تستخدم من أجل تحقيق أهدافها الاستعمارية المشبوهة الوسائل نفسها التي ساهمت في دفع عجلة التقدم والحضارة وبدلاً من أن تستخدم المنظومات العلمية والمخترعات لصالح البشرية، سخرتها للتصنيع العسكري فأنتجت الأسلحة الفتاكة والرهيبة القادرة على القتل والتدمير الجماعي، وكرست سياساتها واستراتيجياتها ورفاه شعوبها على حساب آلام ودماء وجماجم الشعوب المظلومة.
وكثيراً ما كانت القفزات الحضارية إلى جانب كل مؤشراتها الإيجابية التي لا تخفى على أحد تغرق بالمادية على حساب المشاعر الإنسانية، وتبدل الإنسان إلى آلة تتحرك بالمادة وبالمادة فقط دون أي شعور بقيمة الإنسان كأرقى المخلوقات على هذه الأرض بما يحمل من مشاعر وأحاسيس، وتتخطى بذلك بعض القيم والتقاليد التي يختص بها كل شعب من الشعوب، وتنمو على حساب تجاوز المبادئ والأخلاق وهي بالأصل في أرض المنبت الحضاري تتعلق بالمنطقة والشعب المعني بممارسة مثل هذه العادات والتي لا تعني بالضرورة شعباً آخر، ولكن السعي إلى التقليد الأعمى من أرض جهل في منهج التطبيق يغرق تلك الشعوب البريئة بمتاهات بعيدة عن شعائره وتقاليده وبالتالي تلغي هويته الوطنية والثقافية.
من الحق والإنصاف أن نؤكد بأن الاختراعات والتطور الساعي إلى تقدم حضاري في كافة المجالات وإن كانت لها ترددات إيجابية فإن لها أيضاً تداعيات سلبية وكأنها سكين ذات حدين، حد نحضر به طعاماً لنا، وحد يمكن أن نرتكب به جريمة قتل لا قدر الله.
يبقى الفكر المستقل والإيمان بالقيم والتقاليد الحسنة المتوارثة، والشعور بالانتماء هو فيصل الاختيار الذي يفرق بين الغث والسمين.
الحضارة بمفهومها الشامل وما تحمله من تفاسير مختلفة قد لا تكون على ذات الدرجة من الفهم والتحقيق بين أمة وأخرى، وما يسمى بحضارة حقيقية هي الحضارة التي تسعى في كل تصاريفها إلى تكريس مفهوم الخصوصية الذاتية والوطنية والإقليمية، ولا تبعدنا عن تقاليدنا الكريمة ولا عن أخلاقنا السمحة، بل نطوعها ونسخرها للاستزادة من معين الأخلاق التي توصلنا إلى المحبة بكل تفاصيلها.. حب الدين والاستزادة من تطبيق تعاليم الشريعة السمحة وحب الوطن وحب الآخر ضمن دائرة المجتمع.
الحضارة مائدة زاخرة بكل الألوان الجميلة والباهتة والفاقعة، وعلى العاقل أن يختار منها ما يتماهى مع مفاهيمه وتقاليده، ويطبعها بخصوصيته ليحمل بجدارة صفة الإنسان المعجون بالعاطفة وليس المصنوع من كتلة صمّاء خرساء، المادة هي فقط هوية وجوده.
إنها دعوة للحب.. نرتقي على أجنحة حضارية تتناسب مع قيمنا وخصوصيتنا، وفي الوقت نفسه نملأ قلوبنا بالحب، وبذلك فقط نستحق أن نكون مخلوقات بشرية من لحم ودم، في دواخلنا عقول تدرك وقلوب تحب!.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved