Tuesday 28th December,200411779العددالثلاثاء 16 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

حكم الأُسود يسود حكم الأُسود يسود
بقلم: جانبي فروقة

ما زالت بوصلة العدل للشرعية الدولية تحت مظلة الأمم المتحدة معطلة - تحت تأثير مغناطيسية حق الفيتو لعرين الأسود للدول العظمى (الولايات المتحدة الأمريكية - فرنسا - بريطانيا - الاتحاد السوفيتي (روسيا) - الصين) التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية متربعة في مجلس الأمن بعروش عضوية دائمة، وتحت عطالة حق الفيتو المكتسب في شريعة الغاب (الوصاية للأقوى) لم تكن كذبة المثل الأعلى حتى الآن في كنف مغارة الأمم المتحدة إلا لغة الواقعية في حق القوي على الضعيف وبواسطتها أصبح حتى مصدر فطرة العدل الدولي والسلام خادعاً مزيفاً والسياسات مضادة تماماً لروح ميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد على الحق العظيم في مستقبل آمن للشعوب، إن العدو الحقيقي للعدل والسلام العالمي غالباً هي ليست كذبة قوة الدول العظمى الخادعة، ولكن أسلوب صناعة الخرافة أو الأسطورة المستمرة والمقنعة التي تصنع في كواليس الميديا الغربية وتهب نسماتها علينا مع رياح العولمة، لصناعة أجيال تابعة، في جيناتها وكروموسوماتها الثقافية عقدة النقص التي تجعل من العالم المتحضر سيداً وحول موائده يلهث البقية إلى فتات حضارته، لطالما كانت سياسة المصالح هي المحرك الأكبر للنزاعات التي غالباً ما تلتحف ثوب الدين ومن يتأمل تاريخ البشرية وتطور الحياة الإنسانية يجد صعوبة في فهم آلية الصراع التي تكونت بين الحضارات المتعاقبة على مر العصور، وسِجل منظمة الأمم المتحدة في تسوية النزاعات متخم بالفشل، فهي لم تنجح في تسوية إلا القليل من النزاعات التي عرضت عليها والدلائل تشير إلى أن التوازن العسكري بين القطبين الأمريكي والسوفيتي سابقاً هو وحده الذي كان يكفل السلام مما دفع البعض إلى تسمية حالة السلام التي تسود العالم منذ الحرب العالمية الثانية بأنها (السلام النووي) حتى نهاية الحرب الباردة كان الحفاظ على السلام والأمن الدولي يتم عن طريق نظام يجمع بين التحالفات ومناطق النفوذ ولكن مع انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور عالم أحادي القطب (أصبحت فيه الولايات المتحدة الأمريكية شرطي العالم) حدثت تغيرات هائلة على خريطة الأمن الدولي بالتالي اختفت الكثير من التحالفات ومناطق النفوذ القديمة التي ارتبطت بالثنائية القطبية للقوتين العظميين، وقد كان الأمين السابق للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي قد استشعر اختلال الموازين الدولية وشهد بوادر المحاولات الأمريكية لاحتكار سلطة القرار الدولي وطالب وقتها بالشروع في إصلاح هياكل الأمم المتحدة وتنشيط دور الجمعية العامة لاستعادة صلاحيتها واسترداد الحياة والفعالية لها ووضع قيود على حق الفيتو وتوسيع العضوية الدائمة والمؤقتة في مجلس الأمن منعاً لتحويله إلى مجلس الخوف ولكن لم يحصل الإصلاح المنشود وبقي مجلس الأمن مشلولاً.
كان أوسكار سانشيز (الحائز على جائز نوبل للسلام عام 1987م لإشرافه على خطة السلام الخاصة بأمريكا الوسطى) قد لخص مرة الوضع الدولي الحالي قائلا: إذا أصرت الولايات المتحدة الأمريكية على أن تلصق نفسها بمفهوم القوة حق بدلاً من الحق قوة فإنها يمكن أن تحول نفسها من بطل القرن العشرين إلى وغد القرن الواحد والعشرين.. فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر والولايات المتحدة الأمريكية تمارس الاسترقاق السياسي في السياسة الدولية ويحدث هذا عن طريق الاتفاقات الثنائية وبممارسة النفوذ المباشر والضغوط الشديدة والحصار الاقتصادي والتحالفات الوقتية خارج إطار الشرعية الدولية مما خلق حالة من الاستتباع مع شيء من الاسترقاق بمعناه الحقيقي وباتت الحرب الكونية على الإرهاب وظيفة شريرة تتحمل وزرها الولايات المتحدة الأمريكية وحدها فإذا كان الإرهابيون يعتقدون أن كل شيء مباح في سبيل قضيتهم فإن القضاء على الأساس اللاأخلاقي للإرهاب يتطلب مرتكزاً راسخاً من المعايير الدولية لحقوق الإنسان فالحرب على الإرهاب ليست مسألة أمنية فحسب وإنما هي مسألة قيم أيضاً.
لذلك لابد من إعادة هيكلة المنظمة الدولية لضبط فوضوية النظام الدولي وإعادة ترسيخ قواعد القانون الدولي وهذا يتطلب مسؤولية أخلاقية وقد نوه إلى ذلك الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان بحاجة حقن الأمم المتحدة والهيئات العالمية بجرعة من الأخلاق أو بنوع من العبق الروحي الذي يقود إلى دستور سلوك يحدد الحقوق والواجبات ويحث على الانطلاق من وحي المصالح المشتركة ويضم في ثناياه مبدأ عدم اللجوء إلى الإكراه، وهذا يتطلب أيضا تحديث نظام الأمن الجماعي الوارد في ميثاق الأمم المتحدة سواء بالنسبة للدبلوماسية الوقائية وبالنسبة لتدابير القمع.
إن قوة الحجج القانونية تقوي الإرادة الإنسانية وتحملها على أن تؤدي دوراً كبيراً في صراع قوى الشر والطمع وإذا كانت الأعمال الحاسمة هي التي تقرر شكل التاريخ الإنساني فإنه على الإرادة الإنسانية تجنيد وتسخير قوى الخير لتحقيق التوازن الحقوقي ونشر العدالة وأن يكون الجميع تحت حكم القانون. يقول المثل الصيني:(ثلاثة أشياء أساسية في المجتمع: السلاح والخبز والثقة فإذا أردنا الاستغناء عن واحد رمينا السلاح وإذا أردنا الاحتفاظ بواحد كانت الثقة لأن الناس عاشت بدون خبز إلى حين ولكنها لم تعش قط بدون ثقة) وما تحتاجه الشعوب هو عودة الثقة بشرعية النظام الدولي ودور الأمم المتحدة التي يجب أن تواجه الأيديولوجية الأمريكية لصقور الحرب التي لا تبالي بالوعورة السياسية لمناطق النزاع الساخنة في العالم ولا سيما منطقة الشرق الأوسط، مما يفضي بالمواقف للدخول في مخاض سياسي وفكري وعقائدي يؤدي دائماً إلى موت أنة الديمقراطية في المنطقة أو إلى ولادتها مشوهة، فالتاريخ يعلمنا أن الحرب لم تفرد يوماً أشرعة العدالة بقدر فردها لأشرعة المصالح، ولم تكن الحرب يوماً وكما أكدت في مقالاتي السابقة ضرورية ولا عادلة، ومناهضو الحرب على الإرهاب اليوم لا يسألون أمريكا القيام بعمل يخالف طبيعة حملتها على الإرهاب بقدر ما باتوا يسألونها القيام بعملها الطبيعي ولكن بشكل مختلف بعيداً عن المعايير المزدوجة.
يجب تحرير العدل الدولي من قفص الفيتو في مجلس الأمن وببساطة أتمنى أن تتخذ الأمم المتحدة من قول فولتير شعاراً لها عندما يقول: (تجارتي أن أقول ما أعتقد.. والإنسان الذي يقول لي آمن كما أؤمن وإلا فإن الله سيعاقبك سيقول لي الآن آمن كما أؤمن وإلا سأغتالك.. إن التعصب المقرون بالخرافات والجهل كان أساس البلاء في جميع القرون ولن يتحقق السلام الدائم ما لم يعرف الناس التسامح بأشكاله كافة).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved