Sunday 9th January,200511791العددالأحد 28 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الثقافية"

في ثقافة الأطفالفي ثقافة الأطفال
عبد الرحمن عمر المحسن

إن الأطفال أثمن ما نملك من حطام الدنيا فهم الحلقة الثمينة الغالية التي تتمم سلسلة الآباء والأجداد، ومن دونهم لا حياة متوالية ولا خلود.. والطفل طفل قبل أن يكون رجلا، وإن كنا نريد قلب هذا الوضع فسوف ننتج ثمارا فجة، لا نكهة فيها ولا طعم ولا نضوج، لا تلبث أن يدب إليها الفساد، والعطب، فلماذا لا نفهم الأطفال ولماذا لا نعرف ما يحسون به، ونرى الصورة الصحيحة لهم، قبل أن ندخل مملكتهم الصغيرة - الكبيرة ونحطم أمانيهم وأحلامهم؟!
وماذا يريد الأطفال في هذا اليوم؟
يريدون مزيدا من الاهتمام، مزيدا من الرعاية والعناية، مزيدا من الثقافة الموجهة إليهم.
ونحن نشهد دائما أن ثقافة الأطفال عندنا ما زالت تحبو على الطريق، وهذه الثقافة لم تكتسب بعد تقاليدها وجذورها، وقد هيأ التفكير لها كثيرا من الاجتهادات والأحكام، بعضها يلاقي القبول وبعضها الآخر لا يعتد به لأنه غير معقول!
هناك افتقاد للمنهج السليم في تقديم هذه الثقافة، سواء عن طريق الكتاب أو عن طريق الأثر المرئي أو المسموع، لأنه لا يوجد أي منهج سليم في تقديم هذه الكتب ولا يوجد أي مخطط في تقديم المسموع والمرئي، مخطط مدروس يشرف عليه مختصون في مجال الكتابة الإبداعية للأطفال. وأقول بأسف إنه حتى اللغة العربية لا يتم عبرها تقديم هذه الثقافة!
لذلك كان لابد من وجود ثقافة مميزة للأطفال، ثقافة تقوم على ما يلائم الأطفال في مراحلهم العمرية، وعالم الأطفال ليس عالما ساذجا ينبغي أن يقدم له الطعام سائغا من دون جهد، عالم الأطفال عالم رحب، يفتح ذراعيه لكل إبداع متأصل واعٍ ومدرك لأسرار الطفولة.
إن كثيرين من الكتاب يستهينون بالأطفال ويستسهلون الكتابة لهم، ويهملون روح الطفولة، ولا يراعون جماليات الخيال الطفلي في انتقاء زاوية الموقف أو المشاهد أو الانطباع أو الفكرة، ولا يهتمون بما يوقظ الدهشة البريئة، والمفاجأة الممتعة، بالإضافة إلى ضعف ما يقدمونه من معانٍ مع تكرار في القيم والموضوعات.
إن ثقافة الأطفال تتطلب رؤية فكرية وفنية لمراعاة المراد إنمائية للطفل ومعرفة الحياة النفسية لديه، ولابد من وجود وحدة متكاملة من الكتابة الموجهة للأطفال من كتاب ورسامين وخطاطين ونقاد ومخرجين ومصورين، وأن تكون هناك مراجعة نقدية جادة ودائمة لكتب الأطفال التي تصدر عن دور المؤسسات الرسمية وغير الرسمية.
وعن دور النشر في كل أرجاء المملكة لأن المراجعة المفقودة تترك الحبل على غاربه وتطرح قيماً غير لائقة بالمجتمع السعودي، ومن شأنها أيضا أن تؤدي إلى الهبوط بسوية الكتب الموجهة للأطفال، وبمستوى النصوص المرئية أو المسموعة (التلفازية والإذاعية)، إلى جانب ضعف التواصل بين الكتاب والمبدعين أنفسهم وهذا كله يفضي إلى أن تضيع الأهداف والقيم، وتتشوه المثل، ويتدنى الذوق الجمالي، ويغيب الإحساس المرهف بروح الطفولة الآسر الجذاب.
إن ثقافة الأطفال ضرورة ملحة على المشهد الثقافي العام، وكل ثقافة لا تحتضن هذه المقدمة (ثقافة الأطفال) تفتقر إلى جذورها لأن الانطلاق الأول سيكون منها والتراث العربي والإسلامي بحمد الله حافل بالآثار والحكايات والقصص والمرويات والسير والتراجم التي تدعم ثقافة الأطفال وتفيد منها.
نحن بحاجة إلى مراجعة أنفسنا قبل كل شيء، من أجل ثقافة للأطفال واعية وواعدة، متميزة وناهضة تظهر فيها رموز هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، نستلهم منها آثار الأولين وخطوات العلماء الأفذاذ ونترسم ملامحهم وشخصياتهم وأعمالهم وإبداعاتهم وطموحاتهم وآمالهم.
وفي هذا الصدد يجدر الإشارة إلى ما تقوم به الجمعية السعودية للثقافة والفنون التي تعمل بإشراف الرئاسة العامة لرعاية الشباب، إذ لا أحد ينكر دورها فيما تبذله من جهد في خدمة ثقافة الطفل السعودي، ومن يقوم على الجمعية وهو الأستاذ محمد الشدي جدير بالتقدير والاحترام لأنه يتابع بدأب وصبر أمور الثقافة ويرصد لها إمكاناته وتجاربه من أجل إنجاح كل فعالية ونشاط، ولكن لابد أيضا من أن تعطى هذه الجمعية الدعم الكافي دائما حتى تحقق المساحة الأكبر من الحضور وتخدم أهدافها وطموحاتها في رحاب الثقافة الأصيلة وثقافة الطفل السعودي بخاصة.
لابد من رص الصفوف، وشد الأواصر بين الكتاب والمبدعين، وبين كل جيل وجيل لنرصد وقائع هذه الأمة وأيامها المشهورة، ونرشد أطفالنا إلى الطريق القويم بعد أن نبرز لهم القدوة الصالحة والعمل المثمر المؤثر والفاعل إلى جانب ما نقدمه لهم من القيم الجمالية، والذوق السليم، وتعزيز الرصيد اللغوي والثقافي والإنساني والحضاري.
إن ثقافة الأطفال لها تميزها وخصوصيتها لذلك فهي مسؤولية وهي ليست تجارة ولا ركضاً وراء الربح أو لهاثاً من أجل الشهرة.
ثقافة الأطفال مسؤولية فوق كل المسؤوليات والأطفال أمانة في أعناقنا، الأطفال هم عدة المستقبل، هم الأمل المنشود، والطموح الواعد. فلنكن على مستوى المسؤولية، ولنكن مخلصين جادين، نحكم ضمائرنا قبل أن نخط سطراً في سفر عالمهم الخاص.

*) مدير عام مركز سعود البابطين الخيري
للتراث والثقافة

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved