* تحقيق- حسين الشبيلي : سوق يزيد حجم إنفاقه على الإعلان لدينا أربعة مليارات ريال سنوياً.. تحتكره أطراف غير سعودية بنسبة 80%. رقابته الحكومية ضعيفة.. يفتقد لمعايير القياس.. شركاته الوطنية خارج المنافسة.. خلاصة يئن تحت وطأتها قطاع الإعلان السعودي.. بآلام ذات أرقام موجعة تنزف أموالا مهدرة... إذا ما علمنا ان السوق مستهدف من جميع الدول المجاورة إذ يحمل ما يعادل نسبة 35% من حجم الإنفاق العربي. تلك الخلاصة المؤلمة نضمدها بتحقيق شفاف يكشف خباياها مستخدمين أدواتها المهنية، عبر سلسلة من حلقات تبحث وضع السوق الإعلاني، إن وجدت ساعين أيضا إلى بحث تأثير سيطرة تجمعاته عليه.. محاولين خوض غماره برغم ارتباطه الوثيق بالأداة الإعلامية الناشرة له وتأثيره عليها فما يمكن طرحه لا بد ان يعتريه قصور والذي لا يغيب عن فطنة القارئ. أولى حلقات هذا التحقيق ستتضمن أرقاما تمهيدية تضع القارئ أمام مقدمة تفصيلية نعرج بعدها إلى موضوعات تسلسلية عن طرق الإعلانات وأساليبها والوكالات التجارية وآثارها مدعمة بآراء الخبراء ومديري التسويق والتجارب الدولية فيه، بالإضافة إلى الخوض في آثار الصناعة الإعلانية على الاقتصاد الوطني وموضوعات تندرج تحت الإطار ذاته.. مع طرح أساليب حديثة مفتقدة في إعلاناتنا والأساليب الركيكة والتقليدية المتبعة، ونختم ما نود طرحه بالمستقبل المنتظر لهذا القطاع وامكانية تطوره أو انحداره عبر بوابة منظمة التجارة.. وبين قوسين فان ما نطرحه لا يتضمن كامل ما هو مقرر تضمينه لصعوبة ذلك وتضاربه مع بديهيات العمل الصحفي. وما نطرحه يهدف في المقام الأول إلى تطوير القطاع الإعلاني واستخلاص نتائج تجاربه وإفادة المعلن قبل المستفيد للخروج بآلية تخدم الاقتصاد الوطني بشكل عام فإلى التحقيق... ****** قدرت المبالغ المصروفة على الإعلان في الصحف السعودية ما قيمته 390 مليون دولار خلال العام الماضي فيما بلغت نسبة صرف الإعلانات على المجلات المطبوعة داخلياً وخارجياً ما قيمته 177 مليون دولار أما اللوحات الإعلانية أو ما يعرف (بالموبي) فيبلغ 43 مليون دولار وقد ارتفع إجمالي الإنفاق على وسائل الإعلان مجتمعة في المملكة من 477 مليون دولار إلى 500 مليون دولار بزيادة نسبتها 4.5%. ويعزى الارتفاع الحاصل إلى ارتفاع الانفاق بشكل عام في المنطقة وتتصدر المملكة حجم الانفاق في سوق الإعلان الخليجي واحتلت المرتبة الأولى فمن واقع الأرقام نجد المملكة المستهدف رقم (1) عربياً في هذا القطاع إذا ما علمنا ان حجم الانفاق الإعلاني في الدول العربية بلغ العام الماضي نحو 3.6 مليارات دولار. وتحتل دول الخليج الصدارة في الانفاق على القطاع حيث بلغ حجمه في الدول الست نحو 1415 مليون دولار بنسبة نمو تبلغ 40% وهو يشمل جميع الوسائل الإعلانية. وفي إحصائية النصف الأول من عام 2004م احتلت المملكة المركز الأول خليجياً حيث زاد حجم الانفاق فيها على 3.8 ملايين دولار فيما بلغ حجم الانفاق الإعلاني الخليجي في نهاية النصف الأول حوالي 882 مليون دولار بنحو نسبة 36% مقارنة مع 648.4 مليون دولار هي حجم الانفاق الإعلاني في الفترة المناظرة من عام 2003م. احصائيات غير دقيقة مع ندرة الجهات المتخصصة في إصدار الإحصائيات كما هو حاصل في قلة نشر الأخبار والأرقام المتعلقة بالقطاع الإعلاني وذلك لوجود عدة مبررات تتعلق أولها بتحكم المعلن بالوسيلة الناشرة بطريقة غير مباشرة وثانيها قلة الشركات الإحصائية وهو ما تعاني منه الأوساط الاقتصادية في المملكة عموماً حتى ان الجهات الحكومية لا تصدر تقاريرها إلا عن العام الأخير. مثل هذه المبررات، وغيرها مما لا يحصر تتجه بالكلية إلى عدم دعم القطاع الإعلاني وتركه إلى اجتهادات مؤسسية مع نضارة التوجهات الإعلانية ورغم احتلال المملكة للمركز الأول خليجياً في حجم الإنفاق الإعلاني واستهداف الشرائح المعلن لسوقها إلا ان التجربة السعودية لم تتبلور بالشكل الكافي للخروج بهوية تتمتع بإطار مجتمعي فالذي يعلن حالياً نتاج تجارب وابتكارات أجنبية مقولبة لتتكيف بطريقة أو بأخرى مع طبيعة المجتمع السعودي فالتوجهات التي تطرح في منتج ما والطريقة المتبعة تتلخص في استهداف العادة السعودية وادخال مدلولات غربية لا تتفق مع الواقع ومثل هذا الإجراء مع كثرته لا يحظى بتقبل المجتمع ويورث ثقافات جديدة ذات تأثير سلبي غالباً على المستهلك نتج عنه فرض بيئة أو واقع أصبح يمثل منهجا يتبع وتتأثر به فئات مجتمعية معينة في مناطق معينة بالمملكة. الأرقام الإعلانية في السوق السعودي رغم ضخامتها إلا أنها تفتقر للتوجه في الطريق الصحيح وأبسط الأمثلة على ذلك هو الزيادة الرهيبة في أرباح الشركات الإعلانية غير السعودية يدعم ذلك توجه المعلن مع غياب الاحصائيات إلى الشركات ذات العقود الكثيرة فقط وسمعتها في الاستحواذ عليها وهي بالطبع لا ترقى في الغالب إلى اتباع مناهج علمية عالية في الإعلان وأبرز مبررات ذلك هو مثل هذا الاتباع ربما يقلل الأرباح أولاً وغياب الثقافة الإعلانية للمعلن ثانياً. من جهة أخرى فان قيام الناشر برفع أسعاره الإعلانية جاء نتيجة الاستفادة من غياب مثل هذه الثقافة الملحة وكثرة حجم التدفقات النقدية للاستفادة أيضا من هذه النقطة وما يميز السوق الإعلاني في السعودية هو افتقاره إلى المعاهد المتخصصة وندرة اجتماع فروع القطاع الإعلاني كالتسويق والإدارة مثلاً. الشركات الإعلانية في المملكة الواقع المفروض من قبل الشركات الإعلانية لا يحظى بالتوجه الكافي لا من قبل المعلن نفسه ولا بالاستفادة من التجارب العالمية والدراسات المتخصصة مع سعيها لتحقيق مكاسب مادية أساساً وبالمقابل فان الإدارة الناشرة لا يهمها طريقة تحسين الأساليب الإعلانية أو التوجهات الصحيحة في هذا المضمار فأصبحت بالتالي أداة جلب فقط لما يتمخض عنه الاتفاقيات الإعلانية. وفي هذا الصعيد فان الشركات الإعلانية لا تحظى بمراقبة حثيثة من قبل الجهات الحكومية المتخصصة وهو ما يفسر قلة سعودتها وطبيعة البرامج الإعلانية الخارجة منها وغير المتوافقة مع العادات والتقاليد كلية بالإضافة إلى عدم أهليتها الكاملة للخروج بتصورات جديدة وأفكار تكون داعمة لمثل هذه العادات. فالمحصلة النهائية هي استنساخات لبرامج إعلانية خارجية (أجنبية) بقالب محلي له تأثير سلبي على المجتمع. المنافسة التي تشهدها الشركات المحلية ذات السعودة الكاملة غير عادلة ألبتة فمع سعي هذه الشركات لخوض غمار المنافسة ومع افتقار السوق الإعلاني أساساً لمناديب التسويق أو مبتكري الطرق الإعلانية وتوجه المعلنين الكبار لشركات ذات سمعة اتفاقية عالية يبقى المستثمر الصغير في القطاع الإعلاني خارج الضوء وافتقاره إلى العقود الداعمة له وبالتالي الخروج السريع. إن احتكار مجموعة من الشركات لسوق كبير مثل المملكة لا يفي بغرض النهوض بهذا السوق وتحديث آلياته وتطوير أدواته بل يظل حبيس ما قد تتمخض عنه المنافسة المستقبلية من قيام إحدى المؤسسات الصغيرة بأفكار تنافسية عالية تجذب المعلن لمد يد العون عبر توقيع اتفاقياته معها فالشركات الكبرى وان وجدت في تطبيق النسخ الإعلانية الأجنبية وغياب الوعي الثقافي كما أسلفنا فرص لاجتذاب العقود والأموال لن ترتقي بالسوق الإعلاني في ظل الدعم غير المتناهي من كبار المعلنين السعوديين كما ان مثل هذه الشركات تعتمد أساساً على مبدأ العلاقات الشخصية الذي تنجح في تعيين من له باع طويل من العلاقات والخبرات التعاقدية لسهولة جلب الإعلانات التجارية وبعقود طويلة الأجل. المحك الأساسي لمثل هذه الشركات هو قدوم فروع لشركات عالمية مع دخول منظمة التجارة فتنعكس مرآة الإعلان وتصبح تلك الشركات في وضع كانت فيه شركات محلية صغيرة وتصبح الشركات القادمة هي الشركات المستحوذة على النصيب الأكبر مع فارق ان هذه الشركات سوف تدعم السوق الإعلاني بابتكار أساليب جديدة وتحدث الطرق الإعلانية إلا أن مثل هذا الأمر ربما لا يعني بالضرورة تحسين الصورة ومثل هذه الشركات لن تلتزم بمعايير دقيقة فيما يتعلق بالسعودة وتوجهات الدولة. توجه الشركات الإعلانية الحالية رغم ارتفاع أرباحها لا يدعم استثمار مواردها في تحسين كوادرها المهنية بل توظيف من له القدرة فقط على دعم زيادة استثماراتها وبالتالي انتفاء عامل التطوير والابتكار بل أيضا لم تضف جديداً للسوق تستحق معه التغاضي عن ذلك كالعمالة الأجنبية مثلا التي يستفاد منها في تطوير الكوادر البشرية أو الخدمية. الشركات الإعلانية في المجمل تستفيد من غياب التنسيق بين القطاعات الحكومية فبين وزارة العمل والتجارة والمالية فلا سعودة ودعم توجهي ولا رقابة مالية ولا عقوبات تذكر فلم نسمع عن عقوبة فرضت على شركة إعلانية ولم نسمع عن تصريح لسعودة منشآتها فمعظم التراخيص الصادرة للقيام بالعمل الإعلاني أصحابها سعوديون ولا يعلمون بما يدار في شركاتهم بالإضافة إلى أن حصولهم على موارد ثابتة أغراهم إلى عدم المساس بما لديهم من عمالة وتلك الفئة أضرت كثيراً بالسوق الإعلاني. إن غياب التوجه الحكومي في تصنيف الشركات السعودية غدا ثغرة كبيرة رغم أهمية مثل هذا التوجه لتطوير السوق الإعلاني والارتقاء به كما ان غياب هذه الشركات لتوثيق العلاقة بين القطاع الحكومي والخاص أفرز فجوة تصعب معها النهوض بالكوادر المهنية السعودية والتقليل من المشكلات التي يعاني منها القطاع الإعلاني. الشركات الإعلانية تتضمن بعض السلبيات سنترك ضيوف تحقيقنا يتحدثون عنها بإسهام أكبر في سلسلة التحقيق تباعاً. إن الشريك السعودي للأسف لا يمتلك المبادرة الفعلية في إبرام العقود في مثل هذه الشركات بل ان أغلب الشركاء السعوديين مع تعيينهم لمديرين ذوي علاقات بمديري أخرى يضمنون عقوداً طويلة الأجل بالإضافة إلى ان الشريك السعودي للأسف ايضا لا يدعم توجه الدولة في السعودة وتدريب العاملين على مهنة الإعلان من تصميم وتسويق وإعداد الحملات وإدارتها بالإضافة أيضا إلى ان الشريك السعودي لا يعي بكم مخرجات التعليم وضرورة تدوير العمالة الوطنية المهنية لأخذ دورها في القطاعات المختلفة. إن الشركات الإعلانية الأجنبية أدركت مبكراً حجم السوق الإعلاني في المملكة واستيعاباته وأدركت حجم الانفاق فيه ورأت فيه كعكة سهلة الهضم مع غياب التأثيرات الكفيلة بزعزعة أرباحها فقدمت إليه بكل ما تحمله من سلبيات وقلة إيجابيات والدخول بمصالحها على حساب مستضيفها وثبتت أركانها على ما لم تتوقعه وهو غياب المؤثرات والملاحقات الحكومية بل ان شركات أجنبية استقطبت أخرى عبر عقود طويلة من دول الجوار التي انتبهت ولو بشكل طفيف لما يحدث لديها وارتأت الدخول لدينا لما تتمتع به من ضعف منهجي يفتقر لأبسط أساليب الرقابة وبدعم من مثيلاتها. وللأمانة فهناك شركات إعلان تعمل على تحقيق السعودة وتتمتع بإمكانات كبيرة لتطوير فنيات واقتصاديات الإعلان ومن الخطأ أن يفهم من هذا التحقيق إننا نعمم، كما أن بعض العناصر غير السعودية يحتاج إليها سوق الإعلام ولا يمكن لشركات الإعلان أن تستغني عنها ولا بد من وجودها لإكساب العنصر السعودي الخبرة والدراية والمعرفة بهذا العمل.
|