Sunday 9th January,200511791العددالأحد 28 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "زمان الجزيرة"

2 جمادى الأولى 1392هـ الموافق 13-6-1972م العدد 3952 جمادى الأولى 1392هـ الموافق 13-6-1972م العدد 395
فكرة ما
لا.. و.. نعم
يكتبها: أنور عبد المجيد جبرتي

كان (سارتر)، وسيمون دي بوفوار يستمعان إلى محاضرة عن الفلسفة المثالية الألمانية.. وعندما خرجا من المحاضرة انطلق (سارتر) يصيح (وجدتها.. وجدتها) سألته (سيمون دي بوفوار): ماذا وجدت؟.. فأجاب (ان هذه الفلسفة بالضبط تحتوي على كل الآراء التي لا أريدها.. انني أقول لها.. لا.. لا..).. ماذا يعني لنا ذلك؟.. يعني أن هذا الرجل قد وجد (النقيض).. وجد الفكرة التي يستطيع أن يقول لها دون أي تردد إنه يرفضها.. ولا يقبل بها.. ولعمري أن ذلك أمر غير يسير.. وهو كذك لأنه من غير الممكن في هذا العصر أن يعثر الإنسان على ذاته واضحة كل الوضوح بكل ما تحتويه من الافكار والرغبات والنوازع.. اننا متناقضون لاننا نعيش في عصر متناقض حافل بالمؤثرات المتناقضة.
وفي مثل هذه الظروف سيكون من الصعب - ان لم يكن من المستحيل بالنسبة لبعض الناس وبالنسبة لبعض الظروف - سيكون من الصعب أن نعرف ما الذي نريده، وما الذي نرفضه، ما الذي نحبه، وما الذي نكرهه. اننا لا نستطيع أن نقول (لا) المطلقة.. الصريحة.. لأننا لا نتسطيع أن نقول (نعم) مطلقة وصريحة والأفكار التي تملأ رؤوسنا كثيرة.. ومتنوعة أو الرغبات التي تضطرم في أعماقنا لا تقع تحت حصر.. والآفاق التي نتطلع إليها تملأ جهات الكون الأربع.. الغموض والتردد (يغلفاننا) ويسيطران علينا.. وبعد كل هذا ألا نملأ الأرض فرحاً إذا ما وجدنا شيئاً ما نستطيع أن نقول له (لا).. نقولها بملء افواهنا.. وملء (رئتنا).. وملء (الفضاء).. من حولنا.. وملء (الزمان) من قبل.. ومن بعد.. إن (الذات).. و(النقيض).. أو (الفكرة) و(الضد) نقطتان.. كلاهما تصلح لان نبدأ بهما.. لأن كلا منهما تؤدي إلى الأخرى وتأخذ إليها.. وعندما تحسن أن فكرة (ما).. أو أن (ذاتا) ما.. تمثل الموقف (المضاد) تماما.. فإن تلك يعني وبكل وضوح أنك وجدت ذاتك.. وفكرتك.. وعملية البحث عن الحقيقة.. هي عملية البحث عن النقائض والأضداد.. و(الاثبات) اليقيني.. هو (نفي) يقيني.. تستطيع إذا حصلت على أحدهما أن تتأكد بأنك قد احتويت الآخر.
ان لفظة (لا).. لفظة نادرة.. عزيزة المنال.. لا يستعملها الناس.. وقد يلجأون أحياناً إلى الالتفاق من حولها.. والتحايل عليها بعبارات لا تعنى في النهاية شيئاً.. وذلك يعني أن الجميع - وبكل أسف - لا يعرفون المعنى الحقيقي للفظة (نعم).. وبين ضياع (نعم).. وضياع (لا).. تعيش آلاف الأفكار والآراء والذوات منعدمة الوزن، والاتجاه.. تائهة في فراغ رهيب.. تملأ الاجواء طنيناً كأسراب من (البعوض).. و(الذباب).

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved