Saturday 22nd January,200511804العددالسبت 12 ,ذو الحجة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "دوليات"

اللامعقول في العراق المحتل: حكومة سرية ومقاومة علنية!!اللامعقول في العراق المحتل: حكومة سرية ومقاومة علنية!!
د. حميد عبد الله

ربما يسجل العراق سبقا غير معهود في اللعبة الدائرة بين (الحكومة) و (المقاومة) حيث تبادل الأدوار في أوضح صوره بين حكومة تتخفى ومقاومة تعمل في العلن، وبين مقاومين يتحدون الطبقة السياسية الحاكمة وينقضون على أفرادها وهم في (عقر مناصبهم) .
ووزراء يتخفون عن أعين المقاومين ويغيرون أماكن سكناهم مرتين في الأسبوع الواحد، ويتسللون خلسة إلى وزاراتهم، ويقضون جل أوقاتهم موفدين إلى خارج بلادهم تخلصا من ملاحقة مقاومين عجزت كل أجهزة الاستخبارات الأمريكية وكل وسائل التصنت والمراقبة من وضع حد لنشاطهم أو حتى إرباك أو إفشال خططهم!!
ما من مسؤول عراقي يتمتع بنعمة الأمان، وما من نعمة تعوض عن نعمة الأمان حتى لو كانت كنوز قارون نفسها، فالمسؤول العراقي ملاحق أنى حل أو ارتحل في ارض العراق الواسعة، فهو هدف معلوم وخصومه مجموعة من الأشباح، لكن أولئك الأشباح تجدهم حاضرين في كل لحظة، وموجودين في كل مكان حتى إنهم يقتنصون أهدافهم رغم كل التحصينات، ويصطادون ضحاياهم حتى لو كانوا مسورين بالدبابات الأمريكية، ومحاطين بالاسيجة الكونكريتية، ومطوقين بالجدران العازلة!!
ربما سجلت المقاومة العراقية حالة غير مسبوقة في تاريخ الصراع بين المقاومات الوطنية والاحتلال، فلأول مرة في التاريخ يقف العالم، طائعا أو مكرها، مع المحتل، لكنه، في الوقت نفسه، يقف إجلالا للمقاومة التي تتصدى لذلك الاحتلال، ولأول مرة أيضا تتحول المقاومة إلى رحم ولود ينجب المزيد من المقاتلين فيما يصاب رحم الاحتلال بالعقم، وتبدأ قواته بالتآكل، ومناصروه بالتناقص، ومؤيدوه بالانقراض !!
ولأول مرة أيضا يفقد الاحتلال القدرة على تشخيص طبيعة تلك المقاومة فيبدو متخبطا في وصفها، مرتبكا في تقدير حجمها وقدراتها، عاجزا عن رسم صورة واضحة ومتكاملة لها، فمرة ينسبها لبقايا النظام السابق ثم يعود فيربطها (بالإرهاب الإسلامي المتطرف) وثالثة يلقي بتبعات ما يحدث على دول الجوار ثم تزيد حكومة الاحتلال ذلك الاضطراب اضطرابا فتتناقض في تصريحاتها، فهذا يقول: إننا قصمنا ظهر المقاومة في الفلوجة ولم يبق منها سوى نفر قليل.
ثم ينبري مسؤول كبير آخر ليكشف لنا عن حقيقة خطيرة مفادها أن عدد أفراد المقاومة بين منفذي العمليات العسكرية والمساندين لهم يتجاوز عدد قوات الاحتلال وأفراد أجهزة الأمن الحكومية، كما جاء على لسان عبد الله الشهواني رئيس جهاز المخابرات العراقي الجديد !
لا شك أن قوات الاحتلال تزيف الحقائق، وتتبع سياسة (إنكار ما هو واقع) أما الحكومة العراقية فهي صدى أجش للاحتلال، تردد ما يقول من غير زيادة او نقصان وان اختلفت التعبيرات والجمل !!
والذي لا خلاف عليه هو أن المقاومة تزداد ضراوة والاحتلال يزداد عجزا عن مواجهتها والحكومة تزداد انزواء وتخفيا عن أعين المقاومين، والأكثر وضوحا إن اليد الطولى هي للمقاومة سواء في مواجهة قوات الاحتلال أو في ملاحقة ومطاردة رجالات الحكومة، أما النتيجة النهائية التي لا تقبل الجدل أو الشك فهي إن المحتل لا خيار أمامه سوى تكرار تجربة الانسحاب الأمريكي من لبنان عام 1983 ولكن بنحو أكثر دراماتيكية وأكثر انهيارا وأكثر فضائحية مما جرى في لبنان؛ ذلك لأن العراق ليس كلبنان، وطريقة احتلاله لا تشبه طريقة الدخول إلى لبنان، وإدارة ريجان غير إدارة بوش، ومطلع الألفية الثالثة ليست كمطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي، فللزمن قوانينه وللاحتلال طبائعه وللشعوب مزاجها وكلمتها وقرارها الذي لا يكسره قرار ولا تعلو عليه كلمة!!

* كاتب وصحفي عراقي

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved