Wednesday 9th February,200511822العددالاربعاء 30 ,ذو الحجة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الانتخابات البلدية"

أيُّها المنتخبأيُّها المنتخب
د. بجاد بن زياد الروقي(*)

أستأذنك في سرد شيء من حياة رجال مضوا بعد أن صدقوا ما عاهدوا الله عليه فقد كانوا على قدر المسؤولية.. مسؤولية الكلمة ومسؤولية العمل واستطاعوا تحمل الأمانة التي أنيطت بهم، عسى أن نجعل منهم شعاعاً لحياتنا.
إنك تعلم كيف أرسل عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب: يقول له: إنّي في حاجة لألف رجل يشاركونني الفتح فبعث إليه عمر برجل واحد ورسالة تقول: بعثت تريد ألف رجل وبعثت إليك بواحد عن ألف رجل.
أولئك كانوا الرجال الذين بني بهم الإسلام وما بنوه إلا بالأمانة التي تحملوها فكانت الفضيلة التي بها صانوا الحقوق من أن تداس وحرسوا الأعمال من الإهمال وحفظوا الأموال من الضياع، ومن هنا أوجب الله على المسلمين أن يؤدوا الأمانات {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} لأنها عماد نهضة الأمم.
ليس السن أو السؤدد البالي يسودك بل التقوى والقدرة فليست الأمانات دراهم أو ضياعاً تحصن بل وضع الحق في نصابه وانتقاء الرجال الأقوياء الفاعلين الذين يخشون الله ويستشعرون تبعة المسؤولية ففي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلمهم مسؤول عن رعيته فالإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله.. والمرأة في بيت زوجها والخادم في مال سيده).
إننا مسؤولون ومحاسبون عما قدر لنا من عمل أو أسند إلينا من مهمات وعلينا أداء الأمانة التي حملناها كما يقتضي شرع الله دون تفريط أو إفراط أو ضياع أو استغلال وعلينا حسن الأداء على الوجه الصحيح وبالشكل الأتم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد كان الرجل الأمين قبل بعثته صلى الله عليه وسلم وبعد بعثته وهو الرؤوف الرحيم بالمؤمنين يسعى في حاجاتهم ويعين فقيرهم ويهدي ضالهم أو ما كانت المرأة العجوز توقفه في الطريق ليقضي لها حاجتها.
وما الذين انتدبوا أنفسهم لعمل الجماعة إلا أناس نذروا نفوسهم لخدمة مجتمعاتهم وإعانة أفرادهم، وتلك هي الحياة السعيدة التي يتضافر رجالها على التعاون في الخير وحين تجتمع الأمانة والقوة تكون الثمرة الطيبة نتاجاً للعمل السوي، كما في قصة موسى عليه السلام: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}.
إننا ننتدب لمصالحنا من نراه قادراً على تحمل الأمانة كريماً صبوراً لا ضعيفاً أو ضيق النفس، فصوتك وترشيحك أمانة تلقي بتبعته على من يقوم بخدمة مجتمعه وقضاء حاجات إخوانه على الوجه الصحيح وهو انتخاب القادر على أداء المهمة على أكمل وجه.
وتلك مهمة لا يقدر عليها إلا نمط له خصائص خاصة وهبهم الله إياها، فالرسالات أعطيت أشرف الناس طباعاً وأزكاهم معادن لأن النفس التي تعتصم بالفضيلة مهما لاقت من البؤس تبقى قوية أمينة ذات خلق لا يتغير، تحافظ على حقوق الله وحقوق عباده والسعي في قضاء حاجاتهم.
وما الأعمال العامة وعضوية المجالس إلا أمانة ومسؤولية يصلح لها أناس ولا يصلح لها آخرون.. أبو ذر الغفاري رضي الله عنه قال للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله استعملني (أي اجعلني من عمالك) فضرب الرسول صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة على منكب أبي ذر الغفاري وقال له: (يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدّى الذي عليه فيها)، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يره جلداً قوياً لها، وليست الكفاية العلمية مؤهلة للترشيح، فقد يستطيع صاحب التجربة أداء وعمل ما يعجز عنه العالم، لأن أداء مصالح الناس يحتاج لنوع معين من الناس لديهم المسارعة إلى المكارم والإيثار على النفس، والصبر والجلد على انتزاع الحقوق.
كما أن التقوى ليست كافية إذا لم يرافقها قدرة ومهارة وخبرة، فيوسف عليه السلام لم يرشح نفسه إدارة شؤون المال بنبوته وتقواه فحسب بل بما لديه من قدرات {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.
إن الأمانة تقتضي أن نختار لأعمالنا من نراه من أحسن الناس قياماً بها وأداء لها على أحسن وجه.
من نذر نفسه لخدمة الجماعة نحسبه والله حسيبه من خيرة القادرين على العمل والعطاء وقضاء حاجات الناس والقيام في مصالحهم بأريحية وهمة، ومن هذا شأنه فان همّه المصلحة العامة والخير العميم فهو يعرف أنّ الأمة التي تعبث بها الشفاعات وتحيلها الوساطات إلى فوضى هي أمة لا أمانة فيها، فمن الأمانة أن يعطي كل ذي حق حقه، ومن الخيانة المحاباة والمجاملات التي تضيع الدين والدنيا:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا
فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
وفي الحديث إن رجلاً جاء للرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أخبرني متى الساعة فقال صلى الله وسلم: (إذا ضيّعت الأمانة فانتظر الساعة.. قال وكيف إضاعتها قال: إذا وسِّد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة).
ومن الأمانة أن يحسن الإنسان أداء عمله وأن يبلغ به تمام الإحسان وأن يسهر على حقوق الناس التي وضعت بين يديه وأن لا يفرط أو يستهين بحياة الجماعة وعلى المنتخب أن يكون على قدر ثقة المنتخبين فيه فلا يضيّع حقوق الناس ولا يستغل منصبه ليجر به منفعة خاصة، فما جناه على هذا الوجه سحت وغلول، أما من التزم حدود الله في عمله ولم يخن أمانته التي حملها فهو مجاهد ينصر الدين ويعلي كلمة الله، يأخذ الحق ويعطي الحق ويتعفف عن حقوق المساكين والضعفاء ولا يستغل نفوذه في تحصيل مكاسب مادية أو معنوية.
هذا رجل من الأزد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مال الصدقة ولما أتى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا لكم وهذا أهدي إليّ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنّي أستعمل الرجل منكم على العمل الذي ولاّني الله فيأتيني فيقول هذا لكم وهذا أهدي إلي، أفلا جلس في بيت أمه فينظر ما يهدى إليه.
ماذا نريد من مرشح المجلس:
نريد نحن المنتخبين من المنتَخبين في عملهم هذا الذي كفلوا به أنفسهم أن يخلصوه لله فمن يتقي الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب وأن يتعاونوا ويتكاتفوا مع كل صاحب رأي حصيف ومجتهد عليم في تحقيق مصالح الناس على الوجه الصحيح حتى ولو لم يكن من دائرته.
ونريد من المنتخبين أن يحولوا مساجدنا إلى مساجد نابضة عامرة كل الوقت لا بضع دقائق وتغلق فما الذي يمنع من أن يكون المسجد وسط روضة خضراء تكون ملعباً لأطفالنا ومكتبته أنساً لشبابنا وتتم فيه دروس منتظمة تثقف رجالنا وما الذي يمنع أن يفتح أحد جوانبه ليكون عيادة للرجال وآخر للنساء، كل حياتنا تستطيع أن نفعّلها من خلال المسجد والحاجة أزيد في وقت تضنّ علينا به الموارد المالية.
ليعمل المنتخبون من أجل تنفيذ البنية التحتية، فمدينة الرياض التي ليس فيها مستشفى مدني إلا الشميسي تحتاج لمن يؤكد على المطالبة بمستشفى في كل جهة من جهاتها الأربع كذلك المدارس المبنية، والمراكز الثقافية والتربوية والاجتماعية حتى لا ندع شبابنا لغيرنا يعجنونه وفق هواهم ولنطالب باستخدام التقنية في إجراء المعاملات وتوثيق شرعية العقود ونحرص على الكفاءات والارتقاء بجدارة الموظفين وننكر المحسوبيات ونعلو عليها والشفافية في المساءلة وأن تكون المحاسبة المالية للإيرادات والمصروفات والمحافظة على البيئة ومنع التلوث أو قتل الطبيعة، وجعل الأراضي ملكاً للشعب لا يحق لأحد التصرف بها أو فيها إلا بحكم شرعي وبرأي مجالسنا كلها فهي ملك الأجيال القادمة تبقى لهم ولا يتصرف فيها فئة أو تحيلها الأطماع إلى ساحات كلاب.

(*)وزارة الشؤون الإسلامية

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved