طالعت ما نشرته صحيفتي الجزيرة والرياض في عدد الجمعة تاريخ 2 محرم الجاري وهو مقال للأستاذ عبد الله بن إبراهيم الجريفاني المحاضر في كلية اللغة العربية بالرياض (لا أعلم أي جامعة تتبع الكلية) وكان عنوان المقال (الشعراء والمرشحون.. تأملات في شعارات بعض المرشحين للانتخابات البلدية).. لقد صعقت بأسلوب الكاتب وتألمت أن يكون ما نشر منسوباً إلى محاضر في كلية اللغة العربية!. ووكدت أحسن الظن بالأستاذ الجريفاني واحمله على المحمل الحسن لولا نشره المقال في صحيفتين رائدتين تصدران في العاصمة، ولا اعلم لم فعل هذا؟! وتمنيت لو ان الأستاذ الفاضل أخر نشر المقال إلى حين حتى لا يسهم ما نشر في تشويه الصورة الحضارية الجميلة التي ظهر بها جزء هام من وطننا وشعبنا في العاصمة الإدارية للوطن: مدينة الرياض - أمام العالم كم كنا متحضرين وراغبين توقاً وشوقاً في ممارسة المشاركة الشعبية في صنع القرار من خلال المجالس البلدية التي تكون عصب الإدارة المحلية، والاماني كانت ولا تزال الا يكون مقال الأستاذ الجريفاني تشويها لبقية الأفراح والليالي الملاح في بقية أرجاء مملكتنا مملكة الإنسانية، المملكة العربية السعودية التي مازالت في مراحل خوض التجربة لانتخابات المجالس البلدية، وبالتالي فلعل المقال وكاتبه قد قصدا ما تم في انتخابات منطقة الرياض فقط، وهذا خطأ في طريقة النهج الأسلوبي سواء أكان باللغة العربية أو أي لغة أخرى. كنت سعيداً بما أشار إليه الأستاذ الجريفاني عندما أشار إلى أن الشعراء بتخطيهم الواقع المألوف، هو من مقاييس التفوق وعلو الكعب، وحاولت أن أجد في بقية المقال ما يدعم هذه الإشارة الجميلة، حيث إننا قد عانينا كثيراً من الفكر النمطي السائد الذي لم يتخط إلى عالم الخيال والأحلام ومراتع ومرابع الجمال في مجالات التفكير الإبداعي، لكن ما كل بيضاء مروة!!. لقد كان مثال الأستاذ الجريفاني اعزه الله محاولة نقدية فيما يبدو لبعض الشعارات التي استخدمت في الحملات الدعائية لانتخابات المجالس البلدية في منطقة الرياض ولا اعلم اهو نقد السني او نحوي أو اسلوبي ام إعلامي تخصصي في الإقناع والتسويق؟! وهذا النقد حق مشروع لأي إنسان امتلك مهارة معرفية ومنهج بحث علمي، وهذا اعتقد توافره لدى الأخ أو الابن الجريفاني، لا سيما وهو قد خطا خطوات في مدارج التعلم لكن الأمر لم يخل من عمش وغبش في الرؤية والروية وربما تدليس ما كان ينبغي ولا يليق بمحاضر في كلية لغة عربية أن يسلكه أو يقبل أن يصدر منه أو عنه!!. صحيح أن (بعض) الشعارات التي استخدمها (بعض) المرشحين كان يمكن ان يكون حالها افضل، لكني اعذر جميع من كان لهم الحظوة والشرف والشجاعة في المبادرة إلى خوض التنافس في الانتخابات، بسبب حداثة التجربة وعدم العلم والدراية بأساليب وطرق تخطيط وإدارة حملات الدعاية الانتخابية، رغم وجود متخصصين في هذا العلم في بعض جامعات بلادنا ووجود الجمعية السعودية للإعلام والاتصال، يضاف الى هذا ان اغلب مؤسسات الدعاية لا تمتلك لا الخبرة ولا المهارة في الاعلام الاتصالي والتسويق والتشويق، لكن ما بذل كان جيداً قياسا بحداثة التجربة للانتخابات في جزء من بلادنا في هذه المرحلة ولا استطيع القياس او الحكم إلا بعد انتهاء انتخابات المجالس البلدية في كل الوطن. لكني استطيع القول من واقع الخبرة والتخصص والممارسة ان اغلب الشعارات التي استخدمت في انتخابات منطقة الرياض كانت جميلة في الغالب الأعم ولا يعيبها استخدام الآيات والأحاديث أو العبارات الموحية ببذل الجهود والوعود لجلب الخدمات وتطويرها وتحسينها والسعي من أجل شموليتها وعدالة توزيعها فهي استخدام لشيء من المثل الاجتماعية العليا في ثقافتنا، بل حتى من وعد بتحويل جنوب الرياض لتنافس دبي فقد كان شعارا خارج المألوف من التفكير الأحادي المنغلق وهذا تفكير إبداعي، وفي ظني ان تحويل المجرى المائي الذي يجري جنوب مدينة الرياض إلى مجرى نقي تقام العمارات والمنتزهات على شاطئيه هو تفكير حالم خارج المألوف وربما هو واقع فيما لدى مجلس منطقة الرياض من تخطيط وبرامج. والعجيب أن الكاتب بارك الله فيه ونفع بعلمه لم يراع أسلوب الزمان عندما كتب عن الانتخابات قائلاً: (ان من يتتبع الحملات الانتخابية التي أطلقها بعض المرشحين.. الخ) فالانتخابات والشعارات التي صاحبتها قد صارت من أحداث الماضي وكان من الأفصح والأوضح بكل وكاد لو انه قال إن من تتبع!. ولعل هذا خلل معيب أن يأتي من محاضر في كلية لغة عربية لا يفرق في زمن الأفعال!! والغريب في الأمر أن الأستاذ الجريفاني المحاضر في كلية لغة عربية قد قال كلاماً جميلاً في ثنايا مقالته وهذا نصه (لا شك ان المرشحين قد فرطوا في استخدام سلاح مهم يمكنه ان يكون له الفصل في تلك الحملات الإعلانية المحتدمة، ألا وهو صياغة الشعارات الانتخابية صياغة لغوية محكمة يمكنها أن توصل جملة من الأفكار المهمة التي تداعب أحلام الناخب وتطلعاته بأقل عدد من الكلمات، مما يجعل تلك العبارة تتردد في ذهنه، تلح عليه، وتستفزه للاطلاع على البرنامج الانتخابي، تثير فيه عددا من التساؤلات المهمة تدفعه إلى اقتحام المقر الانتخابي والتفاعل مع هذا المرشح أو ذلك). رغم جمال الفكرة هنا إلا أن الأسلوب الذي صاغ الكاتب به الفكرة كان غاية في السوء من الناحية الأسلوبية، ذلك أن التعميم على كل المرشحين أمر قد جانب العدل في النظر والحكم، ناهيك عن رداءة السبك ثم ان تكون الشعارات تدفع الناخب إلى اقتحام المقر الانتخابي جملة لا مكان لها من الإعراب الأسلوبي أو الدلالي، فلو استخدم كلمة إقناع بدلا من اقتحام لربما كان الأسلوب اقرب للاستقامة والسلامة، لكن يبدو أنه وقد وصف الأسلوب بأنه سلاح هو ما قاده إلى وصف أن ذلك دافع للنخب لاقتحام المقر الانتخابي. وحيث ان المحاضر في كلية اللغة العربية قد ناقض نفسه حين اقر بان قلة عدد كلمات الشعارات أمر مهم فقد قلل من قيمة شعار (الوكاد شعارنا، الوكاد مسارنا، الوكاد عملنا) وهي كما يقرأ القارئ /القارئة كلمة واحدة تكررت تبعا للصفة، ولعل عدم أمانة النقل الذي مارسه المحاضر في كلية اللغة العربية ربما أثر على مصداقية أن يكون معلما يحاضر في الكلية ولا يقول الحق للطلاب والخشية ان يتأثر الطلاب بهذا ويؤثرون على بقية الأجيال التي تتعلم منهم وعنهم!. لقد نقل الكاتب الجريفاني اعزه الله من لسان العرب نقلاً مخلاً بالأمانة العلمية، وابتسر كلام ابن منظور وبطريقة غاب عنه الذكاء والفطنة، فقد أورد كلمة الوِكاد بكسر الواو ومعناها حبل يشد به البقر عند الحلب، وطبعي ان هذا أمر معلوم لدي وأنا المعني بشعار الوَكاد بفتح الواو لا بكسرها ولا اعلم مقصد الجريفاني في جرف المعاني وعدم الأمانة في النقل؟ أهو استغفال للعقل؟ أم له مقاصد أخرى؟ لماذا ولج إلى الوِكاد بكسر الواو لا بفتحها أهو محب للكسر أكثر من الفتح؟ أم الفتح أكثر عرضة للانجراف من الكسر؟! ولكي اريح الجريفاني وطلاب الكلية التي يحاضر فيها أورد هنا نص ما ورد في معجم لسان العرب لابن منظور في باب وكد، وهذا النص هو علم وكاد لا ريب فيه، ففي باب أكد جاء: أكد العهد والعقد: لغة في وكدّه، وقد أكدت الشيء ووكدته، ابن الأعرابي: دست الحنطة ودرستها وأكدتها.. وأرجو الله أن يكون محاضر اللغة العربية يعرف الفرق بين الدرس والدوس!! وكَد كما جاءت في لسان العرب لابن منظور وكَد العقد والعهد: أوثقه، والهمز فيه لغة، يقال: أوكدته وأكدته وآكدته ايكاد، وبالواو افصح، أي شددته، وتوكّد الأمر وتأكد بمعنى. ويقال: وكدّت اليمين، والهمز في العقد أجود، وتقول إذا عقدت فأكد، وقال أبو العباس، التوكيد دخل في الكلام لإخراج الشك وفي الأعداد لإحاطة الأجزاء، ومن ذلك أن تقول: كلمني أخوك، فيجوز أن يكون كلمك هو أو أمر غلامه بان يكلمك، فإذا قلت كلمني أخوك تكليماً لم يجز أن يكون المتكلم لك إلا هو. ووكد الرحل والسرج توكيدا أي شده. والوكائد: السيور التي يشد بها، واحدها وكاد (بكسر الواو) وإكاد. والسيور التي يشد بها القربوس تسمى: المياكيد ولا تسمى التواكيد. ابن عربي: الوكائد: السيور التي يشد بها القربوس إلى دفتي السرج، الواجد وكاد (بكسر الواو) وإيكاد، وفي شعر حميد بن ثور: ترى العليفي عليه موكدا أي موثقا شديد الأسر، ويروى موفدا، وقد تقدم والوكاد (بكسر الواو): حبل يشد به البقر عند الحلب ووكد بالمكان يكد وكودا إذا اقام به، ويقال ظل متوكدا بأمر كذا ومتوكزا ومتحركا أي قائما مستعد. ويقال وكد يكد وكدا أي أصاب. ووكد وكده: قصد قصده وفعل مثل فعله. وما زال ذاك وكدي أي مرادي وهمي. ويقال: وكد فلان أمرا يكده وكدا إذا مارسه وقصده، قال الطرماح: ونبئت أن القين زنيّ عجوزة فقيرة أم السوء أن لم يكد وكدي معناه: أن لم يعمل عملي ولم يقصد قصدي ولم يغن غنائي. ويقال: مازال ذلك وكدي، بضم الواو، أي فعلي ودأبي وقصدي، فكأن الوكد اسم، والوكد المصدر وفي حديث الحسن وذكر طالب العلم: وقد أوكدتاه يداه واعمدتاه رجلاه: حملتاه، ويقال: وكد فلان امرا يكده وكدا إذا قصده وطلبه. وفي حديث علي: (الحمد لله الذي لا يفره المنع ولا يكده الإعطاء، أي يزيده المنع ولا ينقصه الإعطاء) انتهى النقل من لسان العرب. والوكاد أنني ممتن لكل من احتفى بشعار الوكاد، لأن ذلك قد جاء عن علم ودراية ومعرفة، والعلم الوكاد هو الخبر الصحيح المؤكد، ولا اشك في ان الأستاذ الجريفاني قد بات يعرف الفرق بين الوكاد بكسر الواو الذي جاءت إيضاحات معانيه كما سبق الإيراد في نص لسان العرب وليس النص المبتور الذي جرفه الأستاذ الجريفاني الذي وهم أن الوكاد بكسر الواو هي الوكاد بفتحها!! لقد اخترت هذا الشعار الوكاد عن تبصرة وعلم ودراية فكرية وممارسة مهنية في تدريس وتدريب التخطيط وادارة وتنفيذ الحملات الدعائية بمؤهل دراسي يعلو مؤهل المحاضر الجريفاني حصلت عليه من الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقدين من الزمان ومارست الكتابة والبحث والنشر ولا أظن أني أجهل مبادئ لغتي العربية ولا الانجليزية. وإذا كانت ثقافتنا الشعبية قد أكدت بالعلم الوكاد أن كلمة الوكاد ممارسة على كل مستوى الوطن فهي كلمة عربية فصحى يفهمها العامة فكيف بمن هو محاضر في كلية لغة عربية؟!. لقد سرني وابهجني تفاعل المجتمع مع شعار الوكاد وكنت استقبلت الناس في مقري الانتخابي وهو مؤكدون جمال الشعار وانه علم وكاد، جاء في كلمة واحدة، بل لقد بات حديث الوسط الثقافي والأكاديمي والشعبي ولله الحمد. والوكاد ان شاء الله ان الأستاذ الجريفاني سيكون لديه العلم الوكاد ان يكون أمينا في النقل، وان يكون مفرقاً بين الوكاد بالكسر التي من ضمن معانيها ما يشد به القربوس.. والوكاد ان الأستاذ الجريفاني يعرف معنى القربوس!! وفي ظني أن دعوة الجريفاني بإسناد الأمر إلى أهل اللغة هي دعوة جميلة، لكن ليس على مذهبه في عدم الإلمام أو المعرفة بالمعاني والدلالات وأمانة النقل، وتنوع الإبداعات الفكرية مطلب حضاري وفي كل خير. أنا ممتن وشاكر للأستاذ الجريفاني وأعذره إن كان النقل قد أخل بما أراد أن يسهم به في الساحة الفكرية وأنا ممتن له أن أتاح بما نشر التحاور الفكري الذي هو المجال لتبادل الأفكار وتصحيح النهج والأسلوب وفق أطر ومسارات المنهج العلمي. ومن أجل هذا كتبت هذا الإيضاح لاحساني الظن بالأخ الجريفاني وانه يملك فكرا ورحابة صدر، وقد كنت تجاهلت ما نشرته صحيفة لها وجهان محلي وعولمي، إذ اخبرني زميل أكاديمي بذلك ولكني لم أجد ما قال في طبعة لندن التي احضرتها معي، وقد اتصلت بالدكتور الزميل علي شويل القرني أستاذ الإعلام الذي نسبت الصحيفة التصحيف له بالقول ان كلمة الوكاد كلمة عامية، وقد نفى الدكتور القرني ذلك القول وانما هو قول للصحفي الذي قابله وسأله، وهنا لم أجد ان الصحفي جدير أن أرد عليه. لقد اخترت الوكاد وجعلته اسم موقع لي على شبكة المعلوماتية وسيكون هذا مجالا للحوار، فاهلاً بالكل في شبكة الوكاد ولدينا العلم الوكاد. ولعلي استميح رئيسي تحرير صحيفتي الجزيرة والرياض الزميلين الفاضلين خالد المالك وتركي السديري في توجيه العتب عليهما لنشر مثل هذا المقال في صحيفتين تصدران في أرض الحرمين مهد العربية والإسلام الذي لغته العربية فهذا شيء مشين ولو راجع أحد المصححين اللغويين المقال المنجرف لما تم النشر حفاظاً على اللغة من اللغو!!.
محمد بن ناصر الأسمري |