Monday 14th February,200511827العددالأثنين 5 ,محرم 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "محليــات"

تحية إلى (أبي أحمد)..الوزير الأخوي!تحية إلى (أبي أحمد)..الوزير الأخوي!
زياد بن عبدالله الدريس

في العالم العربي.. هناك مواطنون وهناك وزراء!..
إذ النظرية البريستيجية تعرف الوزير في أبسط صوره بأنه: مواطن سابق!
ولذا فالوزير يحرص على تكريس هذه الصورة النمطية من خلال تأبطه لقب (معالي) في كل الظروف والأحوال، ليس من أجل ألا ينسى الناس أنه وزير، بل من أجل ألا ينسى هو في لحظة تجلٍّ إنسانية أنه وزير.
هو لا يتخلى عن اللقب حتى في نومه، فهو لا يسمح لأحد حتى في أحلامه أثناء النوم أن يناديه باسمه أو كنيته، بل بلقب معالي.. حتى لو كان وزير نوم!
هذه النظرة السوداوية للوزراء، لا تخلو من حالات استثنائية بيضاء تكاد تعصف بالسوداوية لو تكاثرت ونمت.
محمد بن أحمد الرشيد، أحد هذه الحالات البيضاء للوزير الذي يجرؤ على التخلي عن ألقابه، ليس في منامه.. بل في صحوه!..
عرفت د. محمد بن أحمد الرشيد، وزير التربية والتعليم السابق طوال تسع سنوات عملية، لم تكن تقلقني فيها لعبة الألقاب.
لم أكن أعرف أن الوزراء يمكن أن ينادوا بكناهم، إلا عندما أصبحت كنية (أبو أحمد) الكنية الأكثر انتشاراً في الجتمع.. حتى إني كنت أتندر أحياناً مع أحد الأصدقاء في وزارة أخرى بسؤاله: وش أخبارك (أبو أحمدكم).. أي وزيركم؟!
كانت مواقف إنسانية وأريحية كثيرة منه تمر خلال السنوات التسع الماضية، وكنت أتلهف للكتابة عنها وتمجيدها وتعزيزها، لكني كنت أحجم آنذاك لأني أدرك انها ستصنف ضمن بند (التزلف) لرئيس العمل.. وهو اتهام مشروع.
أما الآن فقد أغلق بند التزلف، ولذا فلا تثريب عليّ أن أقول الحق وأشهد به.
لن أتحدث هنا عن وزير التربية والتعليم لأني مازلت موظفاً بالوزارة، لكني سأتحدث عن محمد بن أحمد الرشيد الذي لم يعد موظفاً بهذه الوزارة.
لقد كان أبو أحمد إنسانياً بدرجة مفعمة بالعاطفة والأريحية والتباسط.. كان شغوفاً باللحظة الإنسانوية، التي يمارس فيها حياته دون ألقاب.
لم تكن له ضحكتان- كما يفعل الكبراء- واحدة في الخفاء مجلجلة، وأخرى في العلن متقلصة.
كما لم يكن له غضبان، وحزنان، ولباسان، وشهيتان.
كان عندما تهب لحظة فرح، هو أول من يركض معها، ولا يتريث حتى يركض الآخرون في طريق الفرح أمامه.
وعندما تحين لحظة حزن، هو أول من يحزن فيها، فهو لا يحبس دموعه في مآقيها، حتى تنهمر دموع صغار الموظفين قبله.
كان الأصل فيه البشاشة والهدوء، ولم يكن يشتعل إلا عندما يتهم في دينه أو وطنيته، وحق له أن يشتعل!..
فقد كان السابق دوماً إلى الصلاة حين تحين.. والسابق دوماً إلى الوطن حين يحنّ.
كان يتباسط مع زملائه من المسؤولين، لا لينسيهم أنه وزير، ولكن لينسي نفسه التواقة إلى الانعتاق من قيود الأبهة والبرتوكول القاتل.
كان محمد الرشيد مثالاً على الخرافة التي كنا نسمعها عن بعض الدول المتحضرة بأن تعريف الوزير لديهم هو: مواطن مكلّف، وليس مواطناً سابقاً!.
بإيجاز: كان أبو أحمد وزيراً (أخوياً)!.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved