Friday 4th March,200511845العددالجمعة 23 ,محرم 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الاقتصادية"

بصراحةبصراحة
عولمة الفقر
لبنى وجدي الطحلاوي *

على الرغم من أن مصطلح العولمة ظهر كمفهوم لأول مرة منذ نهاية عقد الستينيات على لسان عالم السوسيولوجيا الكندي (مارشال ماك لوهان) أستاذ الإعلاميات السوسيولوجية في جامعة تورنتو، عندما صاغ مفهوم (القرية الكونية).
إلا أن العولمة لدى بعض النخب الفكرية والكوادر العلمية في العالم لا تعتبر أيديولوجية معينة أو مذهباً سياسياً أو معتقداً فكرياً، فتبدو لهم نظرياً وتطبيقياً، ظاهرة تاريخية كبرى كالاستكشافات الجغرافية والثورات التكنولوجية، ومخاطرها لا متناهية، كما يعتبرها جمهور آخر.. خدعة إمبريالية من صنع الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول واختراق الحصون والقلاع القومية والوطنية فيها، كما تسعى إلى تهجين العالم وتجريده من خصوصياته وفرض النموذج الثقافي الغربي على كافة شعوب الأرض.
هناك معارك كبرى أيديولوجية، وسياسية واقتصادية وثقافية تدور حول العولمة، فهناك اتجاهات رافضة بالكامل للعولمة، وهناك اتجاهات تقبل العولمة من دون تحفظات، باعتبارها (لغة العصر القادم)، متجاهلة السلبيات الخطيرة لبعض جوانب العولمة، كما يرى البعض الآخر أن العولمة ظاهرة تاريخية قوية ستتولد عنها ظواهر أخرى ستواجه الأجيال القادمة، فما هي إلا بداية الخيط المؤدي لنظام عالمي جديد لا ندركه.. ولم تتضح معالمه بعد.. وأن (مصاعب كثيرة ستعيشها دول ومجتمعات عربية وغير عربية في العالم الإسلامي نتيجة العولمة التي ستغرس جذورها عميقاً في القرن الحادي والعشرين..).
فعالمنا العربي يتقدم ببطء شديد وبخطوات خجولة في بعض أجزائه ويتراجع بخطوات أسرع وأكبر في أجزاء أخرى منه.. وعلينا إدراك ما يحدث من متغيرات (جيوستراتيجية) ضمن إطار العولمة وضمن سيرورة المتغيرات العالمية الجديدة وخاصة في بداية هذا القرن الواحد والعشرين.
إذا تناولنا إحدى القضايا الإنسانية المهمة مثل (قضية الفقر) على سبيل المثال، سواء في عالمنا الثالث أو في العالم المتحضر في ظل العولمة.. من رؤية أكاديمية خالصة تعتمد على التقارير والإحصائيات الموثقة والبحوث.. فالنظام العالمي الجديد الذي يدعي دعم مفاهيم الديمقراطية.. وحقوق الإنسان.. ورفع راية (مبدأ التدخل الإنساني) يشهد اتساعاً كبيراً ومتسارعاً لرقعة الفقر في العالم.. مما يطرح السؤال الكبير:
ما هي البنود الرئيسية في أجندة النظام العالمي الجديد؟؟
كانت لنهاية الحرب الباردة وانتهاء عصر القطبية الثنائية انعكاساتها في تفاقم مشاكل الفقر في العالم وخاصة العالم النامي.. فلقد شهد العالم انخفاضاً كبيراً في المساعدات التي كانت تقدم للدول النامية وخاصة الدول التي كانت تعد محوراً للصراع بين القطبين استهدافاً لشراء ولائها لأي من تلك القطبين بواسطة المساعدات التي كانت تتدفق إليها.
واليوم في ظل النظام العالمي الجديد وبسط نفوذ العولمة الاقتصادية على العالم وخلق تنافس تجاري غير متكافئ بين الدول المتقدمة والعالم الثالث أجبر دول العالم الثالث على الاستسلام والتبعية لذلك النظام والدول التي تفرضه.
تشير الإحصاءات التابعة للأمم المتحدة إلى أن عدد الدول الفقيرة تصاعد بشكل مذهل خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ففي عام 1971م كان عدد الدول الفقيرة (25) دولة، ارتفع إلى (63) دولة حتى عام 2000م.
وإن نصف سكان العالم الذي يبلغ حالياً نحو (6) بلايين نسمة يعيشون على أقل من دولار أمريكي واحد للفرد يومياً، بينما (1.2) بليون شخص يعيشون على دولار واحد يومياً.
وتؤكد إحصاءات المنظمات الدولية أن مشكلة الفقر بلغت حداً خطيراً خلال السنوات الأخيرة، فتشير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن هناك حوالي (830) مليون شخص على مستوى العالم يشكلون نسبة 14% من سكان العالم انحدر بهم الحال من الفقر إلى حافة الجوع.. وكما ورد في التقارير فمن المتوقع تضاعف عدد من يقبعون تحت خط الفقر خلال السنوات الـ 25 القادمة إلى (4) بلايين نسمة.
كما تؤكد الإحصاءات الخاصة بوكالات الإعانة الدولية أن هناك حوالي (13) طفلاً يموتون كل دقيقة في البلدان النامية بسبب مشكلة الفقر في وقت ما زال ملايين الأطفال يعانون الفقر وسوء الرعاية الصحية والتهميش.
والدول المتقدمة حالها أفضل من العالم الثالث (بشكل نسبي) لكنها ليست أفضل حالاً (بشكل مطلق).. نظراً لكون الفقر في تلك الدول (فقر نسبي) بينما الفقر في العالم الثالث (فقر مطلق) تتبدى مؤشراته في الجوع والمرض، والجهل فـ30% من سكان الدول النامية أميون.
وأمريكا على سبيل المثال وهي أغنى دول العالم، أدى التفاوت الشديد في توزيع الدخل إلى وقوع 20% من سكانها في خانة الفقر و13% من سكانها تحت خط الفقر، كما تحتل بريطانيا المرتبة العشرين ضمن (23) دولة مصنفة في سجل الفقر النسبي ويعيش 20% من سكانها تحت خط الفقر، والوضع في روسيا وهي ضمن قائمة الدولة المتقدمة أكثر مأساوية فبعد تفكك الاتحاد السوفيتي انهار الاقتصاد الروسي وأصبح حوالي (50) مليون روسي يعيشون تحت خط الفقر من إجمالي (147) مليون نسمة.
الإحصائيات بلا شك مفزعة ولا سيما في غياب حلول وسياسات قادرة على الحد من المشكلة حتى لا تتفاقم في المستقبل.
تتهم العولمة بتدمير فرص النهوض الصناعي في الدول النامية، والنظام الاقتصادي الدولي اليوم بدعم سياسة الخصخصة واقتصاد السوق الحرة، وذلك يعني القضاء على القطاع العام الذي قاد عملية التنمية لسنوات عديدة وتسريح ملايين العمال بعد تطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادي استجابة لمتطلبات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مما يؤدي إلى عجز كبير في الموازين التجارية داخل الدول النامية وتصاعد قيمة الديون الخارجية عليها، فعلى سبيل المثال كانت مجمل الديون على الدول النامية عام 1982م (750) بليون دولار، وصلت إلى (1300) بليون دولار في عام 1998م ثم إلى (1500) بليون دولار في عام 2002م.. فنستخلص من هذا المثال أن النظام العالمي الجديد يزيد في إفقار الدول النامية، كما يحول تلك الدول بشكل مفاجئ وغير منضبط من نظام ملكية الدولة إلى احتكار الأفراد والشركات الكبرى وأحياناً إلى الشركات الدولية العملاقة المتعددة الجنسيات.. ونظراً لكون غالبية دول العالم الثالث تعيش ديمقراطية شكلية فالموارد المتاحة لا توظف بالشكل الصحيح مما يشكل عائقاً أمام التنمية في تلك الدول.. ولذلك تعد الديمقراطية الحقيقية سبباً جوهرياً لتحقيق التنمية.. وإن كانت هناك حالات استثنائية في العالم شهدت تنمية في ظل نظم دكتاتورية مثل ما حدث في دول جنوب شرق آسيا.. فتلك الدول تعثرت لاحقاً وأجبرها الواقع على السير في طريق التحول الديمقراطي.. لإدراكها لاحقاً مدى الارتباط الوثيق والجوهري بين الديمقراطية والتنمية.
وبما أن العالم العربي جزء من العالم الثالث فهو ليس ببعيد عن تلك المشكلات فمن يعيشون تحت خط الفقر في العالم العربي قدروا بأكثر من ثلث عدد سكانه موزعة بتفاوت من دولة لأخرى، فهناك من هم أحسن حالاً وهناك من هم أسوأ حالاً.
وأهم ما نريد أن ننوه عنه هنا كون العالم في ظل النظام الدولي الجديد أصبح بمثابة قرية صغيرة، فالدول المتقدمة عليها أن تقوم بمساعدة دول العالم الثالث كي تستطيع أن تحقق التنمية، وإلا تحولت خطراً عليها في المستقبل، والمطلوب من الدول في العالم الثالث لكي تساعد نفسها، أن تمارس انفتاحاً في نظمها السياسية تحقيقاً للديمقراطية التي تعتبر قضية جوهرية من أجل تحقيق التنمية.

* كاتبة وباحثة سعودية

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved