Thursday 17th March,200511858العددالخميس 7 ,صفر 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "عزيزتـي الجزيرة"

تعقيباً على مقال (اختراع محلي)تعقيباً على مقال (اختراع محلي)
بل هو اتباع لا اختراع!!

سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة - رعاه الله-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
آمل منكم التكرم بنشر تعقيبي هذا على مقال الكاتبة (أميمة الخميس)، والمنشور في العدد: (11851) تحت عنوان: (اختراع محلي) ولكم مني جزيل الشكر..
يدور مقال الكاتبة حول موضوع: تخصيص أبواب ومداخل للرجال في المنتزهات والمجامع، وأخرى للنساء.. وهي لا تؤيد هذا الاتجاه مطلقا، كما هو واضح من مقالها..
تقول الكاتبة في هذا المقال: (باب للحريم وباب للرجال، ومدخل للحريم وللرجال، وهو تحديدا الذي يبعثر عائلة صغيرة قررت أن تخرج للتنزه، أو تحاول اكتشاف مدينة تقطنها طوال العام سوياً، وممارسة متعة مشتركة خارج نطاق المنزل.
الجنادرية أيام للرجال وأخرى للنساء، ولا شيء للعائلة. معرض الكتاب أيام للرجال ويوم ونصف يوم للنساء، ولا شيء للعائلة. حديقة الحيوان تتمسك بنفس هذا الانقسام).
أقول: لا يخفى ما في التنزه بصحبة العائلة من المتعة والبهجة، غير أن تلك المتعة والبهجة ينبغي أن تؤطر بإطار الشرع الحنيف، الذي من أهم أسسه في هذا الباب: الحرص على عدم الاختلاط بين الرجال والنساء، درءاً للفتنة، وحماية للعرض والشرف، وقبل ذلك كله: امتثالاً لأمر الرب جل وعلا..
ومن الأدلة الناهية عن الاختلاط ما ورد في قوله تعالى: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ)، فإذا كان سبحانه قد نهى النساء عن مجرد الضرب بالأرجل وإن كان جائزاً في نفسه لئلا يكون سبباً إلى سماع الرجال صوت الخلخال فيثير ذلك دواعي الشهوة منهم إليهن، فالاختلاط بين الرجال والنساء أولى بالمنع.
وكذا ما جاء في قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)، ففيه أوضح الدلالة على المراد، إلى غيرها من الآيات.
أما الأدلة من السنة فكثيرة جداً..
ومنها على سبيل المثال لا الحصر: ما رواه الإمام أحمد عن أم حميد- رضي الله عنها- أنها جاءت إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك. فقال: (قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي) هذا مع أنها خرجت للصلاة، فكيف بالخروج لغيرها؟!.
ومنها حديث مسلم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)، ووجه الدلالة واضح وجلي من هذا الحديث.
ومنها: حديث البخاري عن أم سلمة- رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا سلم من صلاته قام النساء حين يقضي تسليمه، ومكث النبي- صلى الله عليه وسلم- في مكانه يسيراً) وفي رواية ثانية له: (كان يسلم فتنصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف النبي- صلى الله عليه وسلم- (وفي رواية ثالثة له: (كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قام الرجال).
ومنها: حديث مسلم عن أبي سعيد- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (اتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل في النساء)، والأمر يقتضي الوجوب، فكيف يحصل الامتثال مع الاختلاط؟!.
ومنها: حديث أبي داود عن حمزة بن السيد الأنصاري، عن أبيه- رضي الله عنه- أنه سمع النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- للنساء: (استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق - أي: تتوسطنها، عليكن بحافات الطريق) فكانت المرأة تلصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها. وهذا لفظ أبي داود.
وقد أورد هذه الأدلة وغيرها سماحة مفتي عام المملكة الأسبق (محمد بن إبراهيم آل الشيخ)- رحمه الله- في فتاواه، ثم قال بعد ذلك: (فمن تأمل ما ذكرناه من الأدلة تبين له القول: إن الاختلاط لا يؤدي إلى فتنة إنما هو بحسب تصور بعض الأشخاص، وإلا فهو في الحقيقة يؤدي إلى فتنة، ولهذا منعه الشارع حسماً لمادة الفساد) (10-35 - 43).
بل إن في السنة دليلاً أشد دلالة، وأنسب ذكراً في هذا المقام، وهو حديث أبي داود الطيالسي وغيره من نافع عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما بنى المسجد جعل باباً للنساء،وقال ( لا يلج من هذا الباب من الرجال أحد) فقد خصص النبي - صلى الله عليه وسلم بابا في المسجد للنساء وهو مكان للعبادة!!
أو ليست المنتزهات والمنتجعات والمجامع أولى بأن تُخصص أبواباً لهن؟!!.. بلى والله!!
وهذا الحديث يبين أن تخصيص أبواب للنساء ليس (اختراعاً محلياً!!) كما ذكرت الأخت الكاتبة، بل هو تشريع وهدي نبوي كريم.
تقول الكاتبة بعد ذلك: (أذكر مرة أننا ذهبنا أنا وزوجي وأولادي لمشاهدة سيرك مهلهل في أحد منتجعات الثمامة، فأخبرونا بأن هناك مقاعد للحريم مفصولة عن مقاعد الرجال في أقصى خيمة السيرك، وبالطبع رفضنا الدخول لأننا نريد أن نكون مع أبنائنا، وبدأنا نفكر في أقرب إجازة للسفر إلى الخارج، ولكن الذين حضروا عرض السيرك أخبرونا أنه كان يخرج بين البهلوانات والأسود بين الفينة والأخرى من يذكر بالفضيلة والالتزام والخلق القويم، والحفاظ على الأخلاق، ضمن تقليد يقوم على الشك وتأصيل الإثم في البشر، وجعل الخطيئة هي الأساس الذي ينطلق منه البشر، في حين أن الجميع يعرف بأن كل مولود يولد على الفطرة الإلهية الخيرة)!.
وأنا هنا أحب أن أقف مع هذا الكلام وقفتين:
الأولى: أحب ان أطمئن الكاتبة أن مقاعد النساء ليست في أقصى خيمة السيرك كما نقل إليها!!.
بل هي في الجهة المقابلة لمقاعد الرجال تماماً، وقد رأيت ذلك بأم عيني، فلا تصدقي كل ما ينقل إليك!!.
الثانية: هل هنالك ضرر في أن يقوم أحد الناس بالفضيلة والالتزام والخلق القويم؟!!
أليس في ذلك امتثال لقوله تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ).
ثم لماذا نفسر ذلك التذكير بأنه يقوم على الشك وتأصيل الإثم في البشر؟!!
إذا قلنا بذلك فما الفائدة من نصوص الكتاب والسنة الواردة في هذا المجال إذاً؟!!!
ثم أليس في كتاب الله تعالى ما يبين أن النفس أمارة بالسوء إلا من رحم الله؟!!
إذاً فما قام به هذا المنتزه يعتبر نقطة إيجابية تحسب له، وليست العكس!!.
تستدل الكاتبة بعد ذلك على جواز الاختلاط بقولها: (الطواف حول الكعبة المشرفة في أقدس بقاع الأرض يتشارك فيه البشر سوياً، نساء ورجالاً..).
أقول: كان ينبغي من الكاتبة - وفقها الله - أن تنظر إلى الأدلة مجتمعة، وألا تقصر النظر إلى ما يؤيد وجهة نظرها فحسب!!..
ثم إنه يبدو أنه غاب عن علم الكاتبة أن الطواف في الصدر الأول كان على صورة تختلف عما هي عليه الآن..
وصحيح السنة يدل على ذلك بكل جلاء ووضوح..
فعن منبوذ بن أبي سليمان، عن أمه أنها كانت عند عائشة- رضي الله عنها-، فدخلت عليها مولاة لها، فقالت لها: يا أم المؤمنين: طفت بالبيت سبعاً، واستلمت الركن مرتين أو ثلاثاً. فقالت عائشة: لا آجرك الله!.. لا آجرك الله!.. تدافعين الرجال؟!، ألا كبرت ومررت؟؟. (رواه البيهقي في (المعرفة) 7 -220).
وعن عائشة بنت سعد أنها قالت: كان أبي يقول لنا: إذا وجدتن فرجة من الناس فاستلمن، وإلا فكبرن وامضين (المرجع السابق).
وعن أم سلمة- رضي الله عنها- قالت: شكوت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أني أشتكي، فقال- صلى الله عليه وسلم-: (طوفي من وراء الناس وأنت راكبة) (رواه البخاري ومسلم)، قال النووي- رحمه الله- : (إنما أمرها -صلى الله عليه وسلم- بالطواف من وراء الناس لشيئين: أحدهما: أن سنة النساء التباعد عن الرجال في الطواف.. (شرح النووي لصحيح مسلم: 9-18).
وفي لفظ للنسائي: (إذا أقيمت الصلاة فطوفي على بعيرك من وراء الناس)، قال السندي- رحمه الله-: (فيه أن الاحتراز عن طواف النساء مع الرجال مهما أمكن أحسن، حيث أجاز لها في حال إقامة الصلاة التي هي حال اشتغال الرجال بالصلاة، لا في حال طواف الرجال) (سنن النسائي مع حاشية السندي: 5-159).
بل ومن أوضح ما يستدل به في هذا المقام، حديث ابن جريج قال: أخبرني عطاء - إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال - قال: كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- مع الرجال؟، قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟، قال: إي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطن الرجال؟، قال: لم يكن يخالطن، كانت عائشة- رضي الله عنها- تطوف حَجرة من الرجال لا تخالطهم - أي: في ناحية، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، فقالت عائشة: انطلقي عنك، وأبت. يخرجن متنكرات (وفي لفظ: مستترات) بالليل، فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأُخرج الرجال).. (رواه البخاري)، وأورد ابن حجر- رحمه الله- في شرح هذا الحديث ما روي عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنه نهى أن يطوف الرجال مع النساء، فرأى مرة رجلاً معهن فضربه بالدِّرة. (3-613).
أما حين يضيق المكان عن ذلك - كما هو الحال الآن - فإن الضرورة تقدر بقدرها حينئذ، لكن ذلك لا يصلح أن يكون جواز للاختلاط لأن ذلك من أجل الضرورة والحاجة، ولما سبق من الأدلة.
يقول سماحة الشيخ: (محمد بن إبراهيم آل الشيخ) - رحمه الله - بعد أن أورد الأدلة المحرمة للاختلاط: (ولا يدخل في ذلك ما تدعو إليه الضرورة وتشتد الحاجة إليه، ويكون في مواضع العبادة كما يقع في الحرم المكي والحرم المدني...) (فتاوى سماحته: 10-43 - 44).
أرجو أن يكون في تعقيبي هذا إزالة لما أشكل.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ماجد بن محمد العسكر/الخرج

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved