يعقد الزعماء العرب بمختلف مسمياتهم من ملوك ورؤساء وشيوخ اجتماعاً بين فترة وأخرى لتدارس القضايا والمشكلات العربية وقد استقر القرار أخيراً على أن يعقد الزعماء اجتماعاً سنوياً بدلاً من ترك الأمر مفتوحاً هذا بالإضافة إلى إمكانية عقد قمة طارئة حسب الظروف والمستجدات على الساحة العربية أو المستجدات على الساحة الدولية والتي قد تؤثر على المصالح العربية بصورة أو بأخرى وما إن يقترب موعد القمة إلا وتبرز الخلافات على الساحة بصورة واضحة وتتركز الخلافات على الموعد فمن الدول من يرى تقديمه لضرورة الأمر ولوجود ظرف يستدعي انعقاد القمة بصورة مستعجلة ومن الدول من يرى خلاف ذلك ويرى التريث والانتظار حتى تتضح الصورة بشأن ما يفترض أن تعقد القمة من أجله ويشكل مكان انعقاد القمة موضوعاً خلافياً آخر إذ كثيراً ما تختلف الدول العربية على مكان الانعقاد وقد تعترض دولة أو أكثر على انعقاده في تلك العاصمة أو هذه ويكفي أن نتذكر ما حصل في القمة الأخيرة والتي عقدت في تونس إذ إن الأمر كان محل سجال لفترة طويلة مما استدعى البعض إلى المطالبة بتثبيت مكان انعقاد القمة ليكون في مقر جامعة الدول العربية في جمهورية مصر العربية أما موضوع الخلاف الثالث فهو جدول أعمال القمة فكثيراً ما يكون هذا الموضوع محل خلاف حاد فمن مقترح مناقشة موضوع ومن معترض ومقترح موضوعا آخر، وفريق ثالث يرى ابعاد المواضيع الخلافية والاقتصار على المواضيع المتفق عليها خروجا من المأزق والتئاماً للشمل وانعقاد القمة ولو بشكل صوري بدلاً من تأجيلها أو تعطلها وبعد أن تبذل الجهود وتستنزف الطاقات وتنهك المشاعر على المستوى الشعبي في العالم العربي الذي يتطلع للقمة كمنقذ له من المشاكل التي تتخبط بها الأمة منذ عقود وكحافظ لماء الوجه أمام الأمم الأخرى والعالم بأجمعه الذي يتفرج على هذه المسرحيات العربية تأتي مشكلة تمثيل الدول ومن ثم الاختلاف حول قرارات القمة وتشتت الكلمة مما يضعف الصف العربي وضياع صوته ومن ثم ضياع حقوقه بسبب فشل القمة رغم انعقادها. لقد تعود الإنسان العربي خلال العقود الماضية على هذه المشاهد وهذه السيناريوهات حتى تبلد الإحساس وانطفأت المشاعر وفقد الأمل. الإنسان العربي وهو يتابع القمم العربية بدءاً من التحضير لها والاستعدادات التي توفر لها وانتهاء بقراراتها ونتائجها يتطلع إلى نتائج ملموسة يجد أثرها على أرض الواقع في معاشه وحياته اليومية وفي الحفاظ على هويته وفي استعادة ما اغتصب من حقوق، الإنسان العربي مثله مثل أي إنسان على هذه الأرض يتطلع إلى أن تكون لأمته مكانة مرموقة بين الأمم خاصة وأنه الإنسان الذي تشرف بانتمائه لهذه الأمة العظيمة وكلف بحمل رسالتها، يتطلع إلى أن يكون لأمته شأن وقيمة بين الأمم بدلاً من أن تتحول إجراءات عقد القمة العربية إلى صورة مضحكة ونموذج من نماذج الاستخفاف والاستهزاء. الإنسان العربي طموحاته كبيرة وتفوق في حجمها ما يتصوره القادة العرب بل إن فضاء الكون لا يتسع لهذه الطموحات لو أعطي المجال لها كي تنمو لكن من بيدهم عناصر النمو والقوة يتعمدون سحق كوامن وبذور النمو والتطور. ترى ماهي أسباب تعثر القمم العربية وإخفاقها في الوصول إلى الأهداف والطموحات التي يتطلع إليها الإنسان العربي؟ هل الضغوط الخارجية التي تمارس على بعض الدول هي التي تفشل هذه القمم أم أن نظام الجامعة وآلية اتخاذ القرارات هي السبب؟! وهل تعارض المصالح بين الدول العربية هو السبب أو أحد الأسباب مما يحدو بكل دولة الى أن تسعى للتخندق حول مصالحها مدافعة عنها وإذا كان هذا الافتراض صحيحاً، فأين النتائج على مستوى كل دولة ونحن نرى التخلف الاقتصادي والثقافي ونرى الأمية تعشش في زوايا وأركان العالم العربي؟ أين خدمة المصالح على مستوى الدولة ونحن نشاهد الأمراض تفتك بالبشر؟! الإنسان العربي يتطلع إلى قمم تخدم أهدافه وتدافع عن حقوقه وتتخذ القرارات التي تستعيد هذه الحقوق لكن الغريب في الأمر أن القمم العربية قصرت عن هذه الطموحات والآمال وأصبحت تتعامل مع الموقف بصورة تختلف تماماً مع ما يتجسد في كيان الإنسان العربي. من كان يتصور أن تتحول القمم العربية إلى منبر تطرح فيه مشاريع التطبيع والتنازل عن الحقوق؟! ومن كان يعتقد أن ينبري البعض لتثبيت السياسة والمصالح الأمريكية من خلال القمم العربية؟! لقد تأملت في هذا الواقع فوجدت أن من بين الأسباب وأهمها وراء هذا الواقع في شأن القمم العربية هو المصالح الذاتية للأفراد والجماعات الصغيرة فهل نحلم بفترة من فترات التاريخ نرى فيها الانفكاك والبعد عن أن تكون المصالح الخاصة مركز تحركنا وقراراتنا؟! نرجو أن يتحقق هذا بدلاً من أن تكون مصالح الأمة وقضاياها الكبرى محل مزايدة ومتاجرة. إن تحقيق هذا مرهون بارتقاء همم القادة إلى مستوى طموحات الأمة.
|