Saturday 16th April,200511889العددالسبت 8 ,ربيع الأول 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

سفير فوق العادة في بلد غير عاديسفير فوق العادة في بلد غير عادي
عبدالله الماجد

خلال عمله الدبلوماسي سفيراً للمملكة في القاهرة، أضاف الأستاذ إبراهيم السعد البراهيم - وهو عميد السلك الدبلوماسي العربي بالقاهرة- مجالات وأبعاد العمل الدبلوماسي النمطي. ومن خلال شخصيته ومجمل الصفات التي يتصف بها خلقت له طبيعية (كارزمية) خاصة من دون انفعال أو تكلف، أصبح العمل الدبلوماسي يتعدى طبيعة المكاتب المغلقة والبروتوكولات الدبلوماسية والظهور فقط في المناسيات الرسمية.
بل تعدى ذلك وحطم هذه النمطية إلى التواجد مع الناس أهل البلد والنخب المثقفة صانعة اتجاهات الرأي العام ومع أبناء الجالية السعودية في مصر عبر مستوياتها النخبية أو العادية، ومع الرسميين ورجال الأعمال من أبناء البلدين اللذين يمثلهما أصدق تمثيل حتى لقد قال عنه الأستاذ (أنيس منصور) إنه (سفير مصر في السفارة السعودية بمصر). لقد تجاوز نجاحه في عمله تلك الأطر الأساسية في العمل الدبلوماسي وهي تأصيل العلاقات السياسية بين البلدين وتطويرها والمحافظة عليها وتذليل اي مشاكل تطرأ على هذه العلاقات، إلى ما هو أشمل وأهم، وهو تأصيل العلاقة التاريخية بين شعبي البلدين. وهي علاقة لها خصوصيتها ونموذجيتها منذ تأسيس هذا الكيان الكبير (المملكة العربية السعودية).
لقد استطاع وبكل هذه الصفات التي تتجمع في شخصيته أن يُحطم أسوار العزلة التي نراها تحيط ببعض سفارات الدول - حتى يُخَيّل إلى أبناء البلد - أن السفارة محطة إرسال واستقبال لمعلومات في غاية السرية. فأصبحت السفارة ملتقى رحباً لأبناء البلدين عبر النخب الفاعلة والمؤثرة في حياة أمتهما، فأقام (خيمة الفكر) التي أصبحت أهم المعالم الثقافية في مصر وأعادت إليها ذكرى صوالين الفكر والأدب التي كانت قائمة في مطلع القرن الماضي والتي كان يعيشها عمالقة الفكر والأدب وأعلام العمل الدبلوماسي وأعلام السياسة.
استطاع أن يجعل من السفارة داراً للمواطنين السعوديين المقيمين والزائرين، فأصبحوا يشعرون فيها أن جميع مشاكلهم تحل وبطريقة هادئة ومعاملة ترتقي بمشاعر المواطن، ولا تذل من كبريائه، فتزول عن مشاعره روح الغربة والكآبة. لقد صنعت روح القدوة في جميع موظفيه، هذه الروح العالية التي تسمو إلى التعامل الإنساني المفتوح، حتى أولئك الذين تصطدم مطالبهم من المراجعين بعدم التنفيذ لأسباب إدارية، لا تجيزها اللوائح والتعاليم يتقبلون هذه الأسباب بروح مقتنعة. عبر هذا المستوى من التعامل الإنساني المفتوح مع هؤلاء المراجعين، أصبح السفير - عبر هذه العلاقة - ليس صاحب الابتسامة الدبلوماسية المرسومة، وإنما ذلك الإنساني القريب بتلقائية محببة تشع مع استقباله لأي فرد مهماً كان مستواه.لقد كان من أهم إنجازات السفير البراهيم، هو هذا (الصندوق الخيري) الذي ضمّد كثيراً من الجراحات الإنسانية لليتامى والأرامل والمطلقات من أولئك الذين تعثرت زواجاتهم من الأسر السعودية المصرية، وتقطعت بهم حبال التواصل الأسري. وكانت تلك من أهم الجروح الإنسانية في جسد هؤلاء التي تم تضميدها، وقد رأيت نماذج من هؤلاء وهم ينعمون بهذا التواصل الإنساني الخيري، بعد أن كانت هذه الأرملة وابنتها التي هي لأب سعودي تفرقت بهم أحوال الحياة إما لوفاة أو لأسباب أخرى لا تلوى على شيء من حطام الدنيا وها هي تنعم بما يتم إنفاقه عليها من هذا الصندوق الخيري، الذي صنعه رجل الخير والبر بتتويج وأريحية من خادم الحرمين وولي عهده الأمين.
من خلال أقسامها تستقبل السفارة السعودية بالقاهرة وفروعها في المدن المصرية أكثر من خمسة آلاف مراجع يومياً، وتنجز القنصلية بالقاهرة أكثر من ألف وخمسمائة تأشيرة مختلفة في المواسم العادية، أما في غير المواسم العادية فيقفز الرقم إلى خمسة آلاف ويرتفع هذا الرقم في مواسم الحج والعمرة الموسمية. وفي أحد الأيام شبه الموسمية، كنت أراقب أحد (السكرتاريين من المفوضين بالتوقيع على التأشيرات وتدقيقها وهو يُنجز خلال النصف الأخير من الدوام أكثر من ألف ومائتي تأشيرة وكان يستحث زملاءه لإكمال الرقم إلى ألف وخمسمائة تأشيرة. عمل لا أشاهده إلا في القسم القنصلي بالسفارة السعودية بالقاهرة. هذه الروح العالية من التفاني في العمل والانجاز، صنعها رجل لا يقف على رأس كل موظف، بل صنعها بالحب والتواصل والقدوة، حتى أصبح كل موظف في السفارة هو (السفير).
حواراتي مع بعض الأصدقاء وهم من النخبة المثقفة من كتاب وصحفيين. فلا يتسع المجال لذكرها في هذا المقام، لكنني أتذكر ما قاله الشاعر الكبير (محمد التهامي) الذي قال: لقد انطقت (الثلوثية) - إشارة إلى يوم الثلاثاء موعد اللقاء الفكري الذي يقيمه السفير البراهيم - شعري وقلت فيها شعراً أجعله افتتاحية لما ألقيه من شعر، في (خيمة الفكر) حينما تحين المناسبة. أما الكاتب القصصي رئيس نادي القصة المصري وعضو اتحاد الكتاب المصريين (عبدالعال الحماصي) فيقول: حينما لا يسافر أحدنا إلى (الجنادرية) فإنه يراها هنا يجتمع بالمثقفين والمقيمين السعوديين بالقاهرة وهذا شيء نادر لا يحصل في أي مكان أو سفارة إلا هنا، كنت لا أراك إلا في السنة مرة أو مرتين الآن نلتقي كل أسبوع أو أسبوعين ونعمق تواصلنا وحواراتنا،
وعبر (خيمة الفكر) أذهلني أنني تعرفت على فكر عدد من المفكرين والمثقفين السعوديين أتذكر منهم الدكتور (علي النملة) الذي تحدث عن الاستشراق والتنصير باقتدار عال. (عاطف مصطفى) مدير تحرير مجلة (الهلال) العريقة، فيقول: (لقد اصبح للمصريين بيت سعودي في بلادهم، فيه مظاهر الكرم والحفاوة الأصيلة، لقد أتاحت لنا اللقاءات في (خيمة الفكر) أن نتعرف على الوجه المضيء من الثقافة السعودية، وفي إحدى الأمسيات تعرفنا على الجهود المبذولة لمشاريع الحج من خلال العرض الممتاز لجهود معهد أبحاث الحج. لقد فهمت الآن أن وراء تلك الإنجازات الهائلة في مشاريع الحج فكر وعلم وأبحاث).هذه (عينة) موجزة لأصداء ما أنجزه هذا الرجل العَلامَة الفارقة في العمل الدبلوماسي.
أما أنا - واسمحوا لي أن استشهد بنفسي وأعوذ بالله من قول أنا - فلم تعرف قدماي طريق السفارة طيلة إقامتي لأكثر من عشرين عاماً - غير متصلة - إلا حينما أطل هذا الوجه المضيء الذي لا تفارقه ابتسامته ولا تمل يده من مصافحة الناس، لقد أجبرت في يوم من الأيام في عهود سابقة على السفر حينما انتهت مدة جوازي ولدي ارتباطات عمل، لأجدد جواز سفري في المملكة. أما الآن فجوازات أبنائي تجدد وكل ما أحتاجه يتم دون أن ألجأ إليه شخصياً.
إن (إبراهيم السعد البراهيم) سفير فوق العادة في بلد غير عادي، وعلى رأي علامتنا (ابن خلدون) فإن أهل (الثغور) من الأصلح أن يبقوا على ثغورهم، وأهل الصحاري والبداوة يسودون براريهم وصحاريهم، وأهل السهول والمدن يحرثون أراضيهم. فلكل ثغر وأرض أهلها ممن خبروها).

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved