Tuesday 3rd May,200511905العددالثلاثاء 24 ,ربيع الاول 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "دوليات"

مواسم الموت أنعشت صناعة التوابيت في العراق! مواسم الموت أنعشت صناعة التوابيت في العراق!
د. حميد عبد الله *

لو قيض للشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب أن يبعث من جديد لحول قصيدته الشهيرة ( حفار القبور ) إلى ملحمة شعرية في زمن أصبح الموت في أخصب مواسمه في العراق!! لا غرابة.. فالموت الذي يحصد العراقيين دون رحمة أنعش معه مهنتين حتى غدا اصحابهما في قمة الهرم الاجتماعي من حيث البذخ والثراء وهاتان المهنتان هما حفر القبور وصناعة التوابيت!!
في مدينة الحلة التي قضى فيها160 عراقيا في حادث تفخيخ واحد اضطرت المدينة أن تستعير عددا كبيرا من التوابيت من المدن المجاورة، فليس في الحلة هذا العدد من التوابيت، ولم يخطر ببال المحسنين الذين يجودون بعدد من التوابيت ليضعوها في المساجد والحسينيات لم يخطر ببالهم أن يموت هذا العدد من أهالي الحلة في يوم واحد خاصة وان زمن الأوبئة والطواعين قد ولى من عقود طويلة !! والحلة ليست هي المدينة العراقية الوحيدة التي حصد الموت أبناءها الأبرياء بهذا النحو الكارثي بل إن مدنا عراقية كثيرة تتعرض يوميا لحصاد يطال أعدادا كبيرة من أبنائها، مرة بالتفخيخ، وتارة بالقتل الجماعي، وثالثة بالقصف الأمريكي ورابعة بالمواجهات الطائفية والعشائرية ! أحد صانعي التوابيت في شارع حيفا ببغداد يقول انه يعمل في هذه المهنة مع والده منذ كان في العاشرة من العمر وهو الآن في السابعة والستين. ويؤكد علي حسين محمد انه طيلة عقود مضت لم يواجه طلبا على التوابيت كما واجهه خلال السنتين الماضيتين موضحا انه كان يصنع تابوتين في اليوم الواحد وأحيانا تمر أيام دون أن يطرق بابه احد أما اليوم فإنه يصنع أكثر من عشرة توابيت حتى انه بات يفكر جديا في توسيع معمل النجارة الخاص بصناعة التوابيت ليجعله يصنع 25 تابوتا يوميا. ويقول علي: إن الطلب على التوابيت لا يقتصر على أصحاب المتوفى بل إن الطلب يأتي أحيانا من جهات رسمية فأمانة بغداد تدفن شهريا بحدود 300 جثة مجهولة الهوية وبواقع10 جثث يوميا وهي تحتاج إلى من يرفدها بالتوابيت لتكفل لها نقل الأموات إلى أماكن دفنهم سواء في مقبرة دار السلام في النجف أو في المقابر المحيطة بالعاصمة وهي كثيرة!! احد أئمة الجوامع في حي الشعب ببغداد يقول إنه يواجه إحراجا من بعض العائلات الذين يطرقون باب الجامع في ساعات متأخرة من الليل للحصول على تابوت لكنه لا يستطيع في أغلب الأحيان أن يلبي طلبهم بسبب قلة عدد التوابيت وكثرة الطلب عليها حتى انه لم يستطع أن يدخر تابوتا واحدا في اليوم الواحد للحالات الطارئة، وهو أمر غير مسبوق منذ تولى هذا الرجل مهمته في إمامة الجامع قبل عشرين عاما!! وما ينطبق على التوابيت ينطبق على القبور فحفارو القبور ازدهرت مهنتهم وانتعشت تجارتهم بل إن عددا من المقابر أغلقت أبوابها بوجه الموتى بسبب عدم وجود فسحة لدفن المزيد من الجثث فيها، ولم يكن ثمة من سبيل سوى دفن بعض الجثث في قبور درست ليتجسد بنحو واقعي ما قاله أبو العلاء المعري :


رب لحد قد صار لحدا مرارا
ضاحكا من تزاحم الأضداد!

قاتل الله الاحتلال، ومن جاء به، وطبل له، ومن ناصره، ومن زين الطريق لدباباته وجنوده!
* كاتب وصحفي عراقي

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved