Wednesday 4th May,200511906العددالاربعاء 25 ,ربيع الاول 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

ماذا لو استدرنا...؟!ماذا لو استدرنا...؟!
إبراهيم عبد الرحمن التركي

(1)
إلى أستاذي الكبير/ عبد الرحمن المعمَّر صدىً لدعوتِه
(2)
** أحياناً.. يطيبُ التذكر.. أو تحلو - إذا شئتم - الذكريات، فمن جاوز منتصف العمر أبصر الماضي بعين التفكر، وعاد إلى أرشيفه الذهني متأملاً حينا، ومقارناً ومقارباً حيناً، وسارداً أحياناً، فنقرأ في حكاياته ما لم نر، ونرى ما لم نعش، ونكتشف كمّ الاختلاف، وجذور الخلاف بين أمس اندثر وغدٍ ينتظر..!
** وقد توقف (ويتوقف) صاحبكم أمام (مشاهد) وعاها لا يدخلها في دائرة الاعتبار وإن لم يُخلها من ملامح الحركة والاستقرار في ترحالٍ بين أجيال تكشف مدى العَوار ومظاهر العثار..!
** والمفارقةُ - رغم شعبيّة هذه الاستدعاءات - أنها تثيرُ كوامنَ لدى بعض من يخافون على يومهم من شبح أمسنا، ولو أنصفوا لتطلعوا إلى الغد بعين الوعد فقد مللنا التراجع، وحانت المراجعة..!
(3)
** لم يكن (الشارعُ) متاحاً في أي وقت، ولم يكن (السهرُ) مباحاً في كل وقت، وكان أهلُنا يخشون من انضوائنا إلى ثُلل تمضي سحابة يومِها في (عَسْفٍ) و(عَزْف)، تحرقُ سواعدها لتبدو قويّة، ورئتيها لتصبح فتيّة، وربما أهملت درسها وغرسها..!
** كانت مساحة الحرية محدودة، لكن الأب المربيّ (أبقاه الله) - رغم هذا التحفظ (المجتمعي) - لم يحرمه المشاركة في الأنشطة الطلابية وفي مقدمتها الرحلات المدرسيّة..!
** في (فيصليّة عنيزة) كنا نُكلّف (بملعقة وفنجان وصحن) لنخرج إلى (البّر) مع معلمينا، وفيهم (إن لم تْخن الذاكرةٌ الاسترخائيّة): الأساتذة الأفاضل عبد الله الزيد الفرّة وناصر الحمد الجطيلي - حفظهما الله - وآخرون غابوا داخل تفاصيل مختلفة لم يستوعبْها طفلٌ غادر مدينته (مؤقتاً) وهو (ابن تسع)، وربما ذكر أشكالهم ونسي أسماءهم فليعذروه إذْ سيظلُّ وفيّاً لعطائهم..!
** لم يكن أهلُنا (والرحلة خارج العمران) يمانعون أو حتى يترددون في الموافقة، مطمئنين إلى أننا في رعاية (تربويين) (أكفياء) يُضيفون إلينا بوعيهم وإخلاصهم.. ليبقى التوجيه الوحيد من الوالدة - رعاها الله - خاصاً بإعادة الملعقة وملحقاتها دون أن ينكسر الفنجان أو يُستبدل الصحن..!
** لم تؤدلَجْ تلك الرحلات فكان هدفُها الأول تجديد الروح في نشاط منهجي غير صفي مخصصٍ لألعاب ومسابقات وتسلية..!
(4)
** كبرنا قليلاً وعاد الصبيُّ إلى (عنيزة) ليدرس في المعهد العلمي، واستمرت الرحلات (الداخليّة) إلى (الخبيبة) و(الغميس)، والخارجية إلى (المدينة المنورة) و(مكة الكرمة) و(الرياض) و(الدمام)، وربما شاركنا في (الداخلية) الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله، وقاد الخارجية كلّها الشيخ عبد الله الجلالي حفظه الله..!
** كانت رحلاتٍ تمزجُ الجدّ بالمرح، وتضيف مع المعلومة الفرح، ويكتفي مشرفوها بأن تُحقِّق الإمتاع فلا تفرّط في واجب ديني ولا ترمي إلى تغيير فكريّ، بل كان بعضُها فضاءً ممدوداً لحواراتٍ مفتوحة، فقد كانت ثقافة طالب المتوسط حينها تتجاوز ثقافة معلمها الآن..!
** لم نختصر الاستفهامات، ولم يسأموا الإجابات، وفي كثير منها ما يتصل بالكون والوجود، والقضاء والقدر، والملل والنِّحل، والهزيمة والنصر، والتاريخ كما ندرسُه، والحقيقة مثلما نرجوها..!
** جاءتْ أسئلتنا في الفصل مثلما هي بجنب (الغضا)، فلم نُقمع ولم نصنّف، وكان المحذور الأوحد هو النقاش السياسيّ إذْ لم تكن المرحلةُ تحتملُ، وأيقنّا -وقتها- أن للحيطان آذاناً فآثرت ثُللٌ الهمس والتزم سواهم بالصمت..!
(5)
** تقفل (المدارس) فيفتح (المركزُ الصيفيُّ) ذو الخمسين يوماً، وكما في المعهد والمتوسطة والثانوية فإن الرحلات المحلية منتظمة، والختام برحلة خارجية إلى مناطق المملكة..!
** وبخلاف رحلات المعهد (المحافظة) فقد أتيح لنا في هذه أن نسهر (قليلاً) لنشاهد (تلفزيونات الخليج) التي مثّلت لنا حدثاً مهماً إذْ لم نكن نعرف سوى قناةٍ واحدة، ورغم مرور الزمن فقد كانت أفضل في أمسِها لنثبت بالممارسة أن الغد سيكون أسوأ، ومأساةُ الأمة أن ترتهن لانحدارٍ فلا تلبث أن تُنَظَّر له..!
** أُذِن لنا أن ندخل (السينما) في (جدة)، وكانت منظّمة في قسمين متجاورين للرجال والنساء دون اختلاط أو صخب أو خوف، ولم تكن (سينما أبحر) الوحيدة، فقد كانت هناك دور أخرى داخل البلد برسوم معقولة وحضور منضبط، وهو ما رآه جيلُنا -فيما بعد- عبر (العروض السينمائية) التي كانت تقدّمها (الأندية الرياضية) في (الرياض) حين جئنا للدراسة الجامعية..!
** زرنا (القطيف) وأقمنا في مركز الرعاية الاجتماعية حين استضافنا الأستاذ محمد العصيمي الذي سبق أن عمل مديراً لمركز الرعاية في عنيزة، ولا نذكر أن أثيرت بل حتى خطرت طائفيّة أو مذهبية أو فُرقة..!
** كانت رحلاتٍ للتعارف والتآلف، ومن نذهب إليهم يأتون إلينا، ومن نستضيفُهم يستضيفوننا لنحس بالانتماء الشامل لقامة الوطن الواحد..!
(6)
** لم يكن أحدٌ يُريد التفريط بفرض، ويضيف أكثرنا النفل، أدينا (العمرة) مرات، وصلينا (الفجر) حاضراً، وبقيةَ الصلوات جماعة، والتقينا ببعضها بعلماء وأدباء، واستضافنا في دارته سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -غفر الله له- حين كان رئيساً للجامعة الإسلامية بالمدينة، واستمعنا إلى محاضرات ثقافية وتوعوية هجيراها البِذارُ المعرفيّ الحر البعيد عن الوصاية والتعصب والحصار..!
** قًدِّر لجلينا - وهو يختلف عن الجيل السابق والتالي له - أن يبتعث إلى (الغرب) فلم تواجهه الصدمة الثقافية Culture Shock إذ نشأَ في بيئةٍ مدرسية ومجتمعية وأسريّة متسامحة لم تؤرقها أفكار المؤامرة، ولم تُؤطرها نظريات الشك، فلم تنعزل عن قريب ولم تتوجسْ من غريب، وانضبط أغلب الجيل في سلوكٍ وسطي متوازن فقلَّ غلاتُه وندر منحرفوه دون أن ينفي ذلك وجود أخطاء تقودُ إلى خطايا، وعيوب تؤدي إلى ذنوب..!
(7)
** ستظلُّ كلُّ الأجيال مأزومةً بالهزائم الفكريّة والسياسية والعسكرية التي ارتكست الأمة في وهادها منذ عقود بل ربما قرون استناداً إلى القراءات المختلفة في الأدلجات المتضادة..!
** الجميع يعي الواقع، لكن المعضلة هي غياب المحاكمة الموضوعية للوقائع.. وفي مثالنا فليست المعضلةُ في النشاط المدرسي والرحلات الطلابية، لكنه في توجيهها بفكر (إقصائي) لتلوين الأذهان الناشئة بأقلام جافةٍ يَعنيها أن تُدخل الصغار في ألعاب الكبار..!
** من لام (المقرّر المدرسي) فقد غفل عن المعلم والمدير والموجّه والمسؤول (التربويين)، ومن طالب بتغيير المناهج فقد نسي أنها أدوات تحركها عقول المنفذين أكثرَ من نوايا المخططين، ومن فكر قليلاً فسيدرك أن وزارات التربية هرمٌ مقلوب قمته في قاعدته، والمعلمون والمعلمات فيه أهم من وزارئه ونوابهم ومديريه العامين..!
* الوعيُ مرحلة..!

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved