إنَّ العلاقة السعودية الأمريكية مع ما شابها من فتور خلال الفترة التي تمتد بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر والزيارة التاريخية الأخيرة التي قام بها لأمريكا الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لا يمكن اختصارها في بضع حلقات، أو الزعم بأنه لم يعد هناك ما يمكن أن يقال عنها في ضوء ما أشار إليه البيان المشترك للأمير عبدالله والرئيس بوش.. إذ ان هذه العلاقة فضلاً عن عمرها الطويل الذي يعود إلى ستين عاماً خلت، وكانت خلال هذه الفترة الطويلة حاضنة للكثير من المشاريع التي ساهمت في إثراء التطور في عدد من المجالات في بلدينا، هي بمقاييس التقييم السليم للعلاقات الدولية تعد واحدة من أكثر العلاقات رسوخاً وتميزاً، ومن أهمها من حيث بعدها الزمني وقاعدتها التعاونية، ومن حيث التلاقي في وجهات النظر حول القضايا الثنائية والدولية ذات الاهتمام المشترك. * * * فالولايات المتحدة تقدر التزام المملكة الكبير بتسريع الاستثمار وتوسيع طاقتها الإنتاجية لتوفير احتياجات أسواق النفط واستقراره.. وهو ما كان على البيان المشترك أن يفصح عنه وقد فعل، وأن يضيف إليه تعهد الدولتين بالاستمرار في تعاونهما ليستمر تدفق النفط من حقوله في المملكة بشكل وفير وآمن.. ومثل هذا الموقف السعودي في ظل تصاعد أسعار البترول في أسواق العالم، وزيادة الطلب عليه، وعدم توفر البدائل له حتى الآن، يعطي الكثير من الاطمئنان لأسواق النفط بفضل حكمة السياسة السعودية وحسن تعاملها مع هذه السلعة الإستراتيجية.. ولهذا لم يكن من المناسبة ولا من الحكمة أن يقفز البيان السعودي الأمريكي المشترك عن التأكيد على السياسة السعودية التي تراعي عدم الإضرار بغيرها والقبول بأسعار معتدلة ومعقولة، وضخ ما يغطي حاجة السوق والمتعاملين معه. * * * ومن الطبيعي أن ينال توجه المملكة في تنظيم الكثير من البرامج الإصلاحية، الترحيب من الولايات المتحدة الأمريكية، وبخاصة أن هذه البرامج قد ضمت منظومة من الجوانب الإصلاحية وآخرها الانتخابات البلدية.. دون أن تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية، أو يكون لها يد في حوارنا الوطني أو تشكيلتنا الشورية أو انتخاباتنا البلدية، وغيرها من المؤسسات ذات الشأن الاقتصادي والتعليمي.. وهكذا - بنظرنا - تكون العلاقة المتوازنة التي تكتسب ديمومتها وسر استمرارها من خلال احترام كل طرف لإرادة الطرف الآخر, وهو المنهج الذي تسير عليه وتتصف به العلاقة السعودية الأمريكية، حيث إن أمريكا - وهذا مهم - لا تسعى إلى فرض نمطها في الحكم على حكومة وشعب المملكة، كما أشار إلى ذلك البيان المشترك. * * * ومثلما أنه يهم المملكة أن ترى العراق الشقيق وهو ينعم بالأمن والسلام ضمن وحدة ترابه الآمن، وبمشاركة كل فئات الشعب في مؤسساته، ودون تدخل من الدول الأخرى في شؤونه الداخلية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تشارك هي الأخرى المملكة في هذا الموقف وتؤيده وتنادي بتحقيقه.. كما أن هناك انسجاماً في موقف الدولتين من الوضع في لبنان، تأييداً من الدولتين لوحدته وسيادته ورغبة في توفير الرخاء والأمن والسلام في ربوعه، وبخاصة أن سوريا قد وفت بالتزاماتها وسحبت قواتها المتواجدة داخل لبنان تطبيقاً لاتفاق الطائف واستجابة لقرار مجلس الأمن. * * * وبالنظر إلى أهمية القضية الفلسطينية.. وما تشكله من هاجس مقلق للأمن في المنطقة.. ومن تأثير سلبي باعتبار أن أم المشاكل لم تحل بعد، وبالتالي لا تزال تعد مصدراً خطيراً من مصادر التوتر في العالم.. فقد كان الأمير عبدالله بن عبدالعزيز صاحب أول مبادرة لحل هذه المشكلة يتفق عليها ويقبل بها العرب وتوافق عليها القمة العربية بالإجماع.. وهو ما جعل لهذه القضية الحضور المناسب في مباحثات عبدالله وبوش، بالتأكيد الأمريكي في البيان المشترك على حق الفلسطينيين في دولة ديمقراطية إلى جانب دولة إسرائيل.. إنه نجاح كبير يحسب للدبلوماسية السعودية، في شخص سمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز.
وغداً نواصل الحديث
|