في مثل هذا اليوم من عام 1247م أرسل البابا أنوسنت الرابع رسالة إلى المغول على شكل وفد مسيحي يعرض عليهم التعاون للقضاء على المسلمين. امتدت إمبراطورية المغول حين مات جنكيز خان في سنة 1227م من كوريا شرقاً إلى فارس غرباً، ومن جنوب روسيا شمالاً حتى المحيط الهندي جنوباً، ثم اتسعت في عهد أقطاي الذي خلف جنكيز خان على المغول، فشملت الدولة الخوارزمية في فارس وأذربيجان، بعد أن تمكنوا من القضاء عليها، وقتل زعيمها (جلال الدين منكبرتي) في سنة 1240م ثم بدءوا في الهجوم على أوروبا، وتمكنوا من الانتصار على القوات البولندية وحلفائها في معركة (ليجنتز) في 9 من إبريل 1241م ثم اتجهوا إلى بلاد المجر، وهزموا ملكها بيلا الرابع في إبريل 1241م. واتسمت غارات المغول بالسرعة والوحشية، وممارسة أبشع أساليب القتل والفتك؛ ما ألقى الفزع في نفوس الناس، وزرع الرعب والهلع في أفئدتهم. وقد زلزلت أنباء المغول العالم الإسلامي والمسيحي بعدما وصل نفوذ المغول إلى حدود أوروبا. وفي الوقت الذي تعرض له الجناح الشرقي من العالم الإسلامي لخطر المغول، وأصبحت الخلافة العباسية على وشك السقوط، وهو ما تم بعد ذلك، كانت سواحل الشام خاضعة للصليبيين، وكانت حملاتهم ترمي للسيطرة على مصر، وتكريس وجودهم في هذه المنطقة. لم يعرف الأوروبيون شيئاً عن المغول وخطرهم الداهم إلا في فترة متأخرة، وبعد اجتياحهم المشرق الإسلامي، وكان الفارون من جنوب روسيا حين غزاها المغول أول من قدّم معلومات عن الخطر المغولي إلى غرب أوروبا، وزاد شعورهم بالخطر حين اجتاح التتار (جورجيا) و(أرمينيا) ولذا تحركت البابوية لدرء هذا الخطر، وهي تعد حملة صليبية جديدة، فوضع البابا (أنوسنت الرابع) 1243 - 1254 تحت عنوان: (علاج ضد الخطر المغولي) ثلاث سفارات بابوية. كانت الاستعدادات تجري في الغرب الأوروبي على قدم وساق بين (البابا أنوسنت الرابع) و(لويس التاسع) ملك فرنسا لإرسال حملة صليبية إلى مصر، وإعادة الاستيلاء على بيت المقدس، ورأى البابا في المغول الذين يواصلون زحفهم نحو قلب العالم الإسلامي فرصة لا تضيع في عقد تحالف معهم؛ للقضاء على المسلمين، والاستيلاء على ثرواتهم، والسيطرة على طرق التجارة الدولية. أرسل البابا أول سفارة إلى المغول في سنة 1245م حملت رسالة إلى زعيم المغول، يدعوه فيها إلى اعتناق المسيحية على المذهب الكاثوليكي، وإحلال السلام بين الغرب والمغول. ويبدو أن هذه السفارة لم تنجح في مهمتها تماماً. أرسل البابا سفارة ثانية، غادرت ليون في 16 من إبريل 1245م ووصلت منغوليا وحضرت حفل تتويج (كيوك خان) على عرش المغول في مدينة (قرا قورم) عاصمة المغول في 24 من أغسطس 1246م وقد أكرم كيوك خان وفادة سفارة البابا، ورد على المطالب البابوية بالرفض، وطلب من البابا أن يخضع هو وسائر ملوك أوروبا المسيحيين للسيادة المغولية. وفي الوقت الذي خرجت فيه السفارة الثانية للمغول كانت هناك سفارة ثالثة خرجت في إثرها، ضمت رهباناً من جماعة (الدومنيكان) وأوكلت إليها مهمة مختلفة عن مهمة السفارتين السابقتين، فقد أمر البابا هذه السفارة أن تصل إلى أول جيش مغولي تقابله في فارس، وأن يحضّ قائده على الامتناع عن نهب الناس، وبخاصة المسيحيين منهم، وأن يعتنق المسيحية، وأن يتوب عن خطاياه، فالتقت السفارة بجيش مغولي في (تبريز) في 24 من مايو 1247م وكان رد قائد الجيش المغولي أن رسالة البابا أدت إليه النصيحة بعدم القتل والتدمير، وأنه يرفض دعوته إلى اعتناق المسيحية، وعلى البابا وملوك أوروبا أن يعلنوا خضوعهم لسلطان المغول. ومن ثم لم تؤد السفارات الثلاثة ما كان يطمح له البابا من جذب المغول الوثنيين إلى المسيحية ووقوفهم معا ضد المسلمين.
|