Sunday 29th May,200511931العددالأحد 21 ,ربيع الثاني 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "مقـالات"

السّيُول.. أين حقوقها؟!السّيُول.. أين حقوقها؟!
حمّاد بن حامد السالمي

* تشهد كل مناطق المملكة في أيامنا هذه؛ دورة فلكية مطيرة جديدة؛ تتكرر ظاهرتها كل (33 عاماً) بإذن الواحد الأحد؛ فنحمد الله على هذه الرحمة المنزلة، ففي تكرار الأمطار، وجريان الأودية، نماء وعطاء؛ وخيرات وفيرة.
* هطلت الأمطار؛ وسالت السيول، فأمسينا وأضحينا نكرر في مجالسنا؛ أو نقرأ في صحافتنا؛ عناوين وتفصيلات تدين الغيم، وتكيل للسيول التهم، وتصف الناس هنا وهناك؛ بأنهم ضحايا أمطار غزيرة، ومتضررون من سيول كبيرة، ومن صور ذلك:
* السيول تعزل قرى بأكملها.
* السيول تبتلع (...) طفلا.
* السيول تتسبب في وفاة (...) شخصاً.
* السيول تحاصر سكان حي (...).
* السيول تحجز السيارات؛ وتوقف حركة السير.
* السيول تجرف الشوارع، وتقتلع أعمدة النور.
* السيول تقطع التيار الكهربائي، وتعطل خطوط الهاتف.
* السيول تكسر الجسور، وتسحب الكباري.
* السيول تقتلع الأشجار، وتغرق المزارع.
* السيول تطمر الآبار، وتتلف الفواكه والخضار.
* السيول تقتل (...) رأساً من الماشية.
* السيول تغمر الميادين، وتحولها إلى بحيرات.
* السيول تربك الحركة، وتتسبب في حوادث سير.
* ثم.. لا تتوقف لائحة الاتهام؛ الموجهة ضد السيل والسيول عند هذا الحد. إنها طويلة ومتجددة؛ حسب ما يستجد من طغيان وعدوان؛ يمارسه الإنسان على حقوق السيول الطبيعية.
* ما هي هذه الحقوق الخاصة بالسيول؛ والتي تعرضت وتتعرض للانتهاك من قبل الناس في بلادنا المعمورة؟
* كان آباؤنا - رحمهم الله تعالى - يقولون: الماء يعرف طريقه؛ والسيل لا يمكن تغيير مجراه حتى ولو طال الزمن.
* الماء يعرف طريقه.. حتى لو سكن في محبس أو بحيرة طبيعية أو اصطناعية؛ فإنه يعرف كيف يحتال للمروق؛ إنه يتسلل عبر مسام التربة إلى أسفل؛ أو يتبخر إلى أعلى.. وهذا هو حقه الذي يمارسه غصباً؛ رغم كل التدخلات البشرية؛ علمية أو فيزيائية، أما السيل؛ الذي يعقب المطر؛ فطريقه في العادة بطون الأودية؛ يجري فيها إلى مستقرات سطحية أو جوفية، لكنه لا يغير مجراه أو يجري في العالي؛ ما لم يكن هناك تدخل من نوع ما، فالسدود والعقوم والمخازن السطحية والجوفية؛ كلها عوائق وقتية؛ لكنها لا تصمد كثيراً أمام سيول تزيد عن طاقتها، ولهذا نسمع عن فيضانات سيول بعد أمطار، وخراب ودمار وخسائر ونحوه، والتاريخ يذكر لنا؛ كيف أن سيل العرم في مملكة سبأ؛ بلغ الزبى ثم أبى؛ إلا أن يأخذ طريقه عبر مسام سد مأرب؛ فانكسر السد العظيم، وانكسرت معه أمة عظيمة، ومضى السيل إلى مبتغاه.
* ماذا لو تركنا مجاري السيول، وتجنبنا بطون الأودية؛ أو على أقل تقدير؛ اتقنا صنعة التصريف بعد التجريف، وراعينا حقوق السيول قبل التحريف، وأحسنا علاقتنا بالبيئة المحيطة.. هل كنا مضطرين؛ لنجأر بالشكوى كلما خيلت سحابة، وأمطرت غيمة، وسالت شعاب وأودية..؟!!
* إن التعاطي المدني مع الظروف المناخية المطيرة؛ يختلف اليوم كثيراً؛ عما ألفناه وعرفناه أيام زمان؛ في القرى الزراعية على وجه خاص.
* زمان.. كان الناس في القرى والبوادي؛ يتباشرون بالمطر، ويفرحون بالسيول، وتزداد فرحتهم أكثر فأكثر؛ إذا جاءت السيول كبيرة وكثيرة، وكأن لسان حالهم يردد مع شاعرهم قوله:


تحن الربى للقطر.. لا لغمامة
وما تنفع السحبُ السواري بلا مطر

* كانت لدى هؤلاء الناس قبلنا؛ ثقافة بيئية متجذرة؛ تجعل (السحاب والبرق والرعد والمطر والسيل)؛ وما ينتج عن ذلك؛ جزءًا من حياتهم، ولهذا.. فهم يعرفون للسيول حقوقها فلا يعترضون مجاريها، ولا ينزلون مسايلها، وإنما يأخذون حصصهم من سيول الأودية والشعاب؛ وفق أعراف محسومة، وتهادنات مرسومة، بواسطة خلجان ترابية محددة؛ يطويها السيل معه؛ بعد امتلاء المسقى؛ واكتفاء المستسقي.
* في تلك الأيام الجميلة؛ لم نسمع عن أضرار وتقديرات، ولا عن متضررين وتعويضات، لأن الناس كانوا؛ متصالحين مع أنفسهم أولاً، ومع الأمطار والسيول في قراهم ومزارعهم ثانياً.
* الذي حدث ويحدث في المدن خاصة؛ هو تدخل ليس على جنبات أودية فقط؛ وإنما على أودية بكاملها؛ فقد طغت ثقافة العقار على ثقافة الوقار؛ وتسابق الناس إلى تخطيط مجاري السيول؛ والسكن في بطون الأودية، وعمد بعضهم إلى استزراع بطاح جرعاء؛ واحتفار بئار قرعاء؛ يدفعه إلى ذلك الشره إلى المال، وحب الاستقطاع، وغريزة الاستحواذ.
* وهناك ظاهرة موازية بدأت تنتشر؛ حتى في تلك القرى الوقورة بالأمس؛ ألا وهي: استبطان الأودية من قبل مربي المواشي؛ الذين يحيزون لهم حيازات خاصة؛ على شكل حظائر، ثم تأتي السيول عظيمة؛ فتقتلع كل شبك أو خيمة؛ فيعدون هذا من تلك الأضرار؛ التي تستوجب التعويضات من الدولة..!!
* ما إن تأتي الرحمة؛ فتعم البلاد؛ حتى ترتفع صرخات بعض العباد..! إما شاكية أو باكية؛ هذا طمر السيل بيته؛ وهذا أخذ السيل إبله، وذاك دفن السيل بئره، وآخر سحق السيل نخله، وغيره قتل السيل أهله..!
* هذا على صعيد الأفراد.. ماذا عن المؤسسات العامة؛ من دفاع مدني وزراعة وبلديات وغيرها..؟!
للإصلاح والإعمار..!
* بطون الأودية؛ هي أملاك عامة - كما أعرف - وهي مجاري سيول دامَّة، فلا يجوز التعمير فيها؛ في المدن أو القرى على حد سواء..!
* ومع ذلك.. ها هي المخططات السكنية؛ تستهدف بطون الأودية؛ التي هي من حقوق السيول، وها هي الشوارع والميادين والعمارات والأسواق والمزارع وغيرها؛ تقام في بطون الأودية.
* الشوارع طاردة لمياه الأمطار؛ فمياهها تجري إلى مستقر لها؛ وفق نظام هندسي جغرافي (كنتوري)؛ يحدد مسار السيول بكل دقة؛ ويرسم قنوات تصريف آمنة لها، بينما شوارعنا ومياديننا؛ هي في معظمها؛ مجاريف مغاريف، وقحوف كهوف، تتحول إلى بحيرات لا تبرحها المياه الراكدة؛ إلا بالشفط والسحب،
وهدير (المواتير)..!
* الناس عندنا؛ يتحدون السيول؛ عندما يتعمدون السكن في بيوت متطامنة، معرضة لخطر هذه السيول، وهم يظلون كذلك؛ حتى تقع الفأس في الرأس، فتأتي فرق الدفاع المدني منجدة ومنقذة؛ بينما كان علينا أن نأخذ بمبدأ الوقاية والحماية قبل وقوع الواقعة.. لكن.. وآه من لكن!!
فاكس: 027361552

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved